إن محاولة إيجاد بديل للتحالف المناهض للانقلاب وتوسيعه ليشمل الحركات المناهضة للانقلاب كلها، سواء حركات ثورية جديدة، أو من التي ساندت 30 يونيو ثم اكتشفت حقيقة ماحدث خاصة بعد الحكم ببراءة مبارك هي محاولات تستحق كل الاهتمام والتقدير.
فاصطفاف القوي المناهضة للانقلاب في جبهة واحدة لاشك يحقق العديد من الأهداف ويختصر زمن سقوط الانقلاب، ويضع ماحدث يوم 3 يوليو في إطاره الصحيح بأنه انقلاب وثورة مضادة على الشرعية والمسار الديمقراطي وثورة 25 يناير، ويضرب الفكرة التي عمل -ولايزال- يعمل الانقلاب وأذرعته الإعلامية على ترويجها بمحاولة تصوير القضية، على أنها صراع بين الإخوان من جانب والجيش وباقي القوى والشعب من جانب آخر.
كما أن بعض هذه القوى لها رموزها المعروفون سواء على الساحة المحلية أو الدولية، وقد رأينا أن اعتقال بعضهم يثير رد فعل أكبر من رد الفعل على الاعتقالات والانتهاكات التي يتعرض لها الآلآف من تحالف دعم الشرعية،كما أن انضمام هذه الكيانات لجبهة موحدة يضرب فكرة وصم كل معارض بأنه إخوان واتهامه بالإرهاب.
وإذا كان التجمع والتوحد ضد النظام القائم هدفاً يجب السعي نحوه، إلا أنه توجد عقبات في طريق هذا التوحد نتيجة مآخذ واتهامات متبادلة بين القوي الثورية والإخوان ،(الملاحظ عدم وصف الإخوان بالثورية بالرغم من الدور الكبير الذي قام به شبابها في الثورة، وكأن الثورية حكر على حركات معينة)، وبالرغم من أن الواقع يتطلب التغاضي عن الأخطاء التي وقع فيها الجميع، إلا أن هذه القوى لاتريد أن تتجاوز الماضي، والبعض يطالب بالتخلي عن مطلب عودة الشرعية، وهو مطلب من الصعب تجاوزه من جانب الإخوان تحديداً لأسباب مبدئية وعملية.
فمن الناحية المبدئية فأساس مناهضة الإخوان للانقلاب هو التمسك بالشرعية التي تمثلت في العديد من الاستحقاقات الانتخابية، والتي تعبر عن الإرادة الشعبية التي يجب احترامها من خلال عودة المسار الديمقراطي، ولعل ذلك يظهر في اسم التحالف المناهض للانقلاب، الذي يحمل اسم تحالف دعم الشرعية.
أما من الناحية العملية فالموافقة على التخلي عن عودة
مرسي يعني:
- تفتت الجماعة التي قدم أعضاؤها – ولايزالون- التضحيات تحت شعار عودة الشرعية التي يعتبر مرسي رمزاً لها، كما ستفقد الجماعة نسبة كبيرة من المتعاطفين معها والمؤيدين لها، الذين يخرجون منذ مايقرب من عام ونصف رافعين صورته مطالبين بعودته
- إن التخلي عن عودة مرسي تعيد الأمور الي نقطة الصفر إذا سقط الانقلاب، وستدخل الجميع في جدل حول من يتولى الأمور في أثناء الفترة الانتقالية، وحتى لو تمت محاولات لوضع تصور الآن للوضع بعد سقوط الانقلاب، فسيثار الجدل حول من يتولي الأمر ؛ شخص أو مجلس رئاسي؟وكم عددهم؟ وكيفية اختيارهم؟
- إن التنازل عن عودة مرسي قد يستفيد منها النظام ويحصل على تنازل مجاني عن ورقة مهمة يملكها التحالف وهي ورقة الشرعية، في الوقت الذي قد لا يغير كثيراً من موازين القوى على الأرض انضمام هذه القوي للتحالف أو كيان ثوري جديد بالرغم من إيجابياته التي ذكرتها.
- إن الدعوة للتخلي عن عودة مرسي تتجاهل الرجل نفسه، ولاتلقي له بالاً وتتعامل مع الأمر وكأنه شأن يخص الإخوان فقط، وتتجاهل أن الرجل منتخب من الشعب
المصري.
لا أعتقد أن الإخوان يستطيعون أن يقدموا في هذا المجال أكثر مما أعلنوا عنه، وهو عودة الشرعية مبدأً والقبول بخيارات أخرى في هذا السياق، كتفويض الرئيس لسلطاته أو الاحتكام للشعب أو غيرذلك من الخيارات؛ لأن الثمن الذي سيدفعه الإخوان في حال قبولهم للتخلي عن عودة مرسي سيكون أفدح وأكثر كلفة من تمسكهم بموقفهم الحالي، كما سيمثل التنازل عن عودته سابقة قد تتكرر مع غيره مستقبلاً من جانب أحد المغامرين الذين لم يستوعبوا الدرس.
إن مواقف بعض القوى الثورية لاتتناسب مع تقدير الظروف التي تمر بها البلاد، والتي يجب أن يتعالى فيها الجميع عن جراحاتهم ويتحدوا من أجل مستقبل مصر والأجيال القادمة، ولهذا فإن وضع شروط صعبة التحقيق، وتجاهل الواقع بالإضافة إلى لغة الخطاب التي تحمل بعض معاني الاستعلاء، لن تؤدي إلا رد فعل يعمق الانقسام خاصة من جانب القوى المؤيدة للشرعية، والذين قدموا الكثير من التضحيات – ولايزالون-، والذين قد يرون في محاولات الحرص على لمِّ الصف من جانب قادة التحالف، وتعنت بعض القوى الثورية نوع من التسول والاستجداء، الذي لايتناسب مع ما تملكله هذه القوى من قوة.
فهناك رهانان الأول من جانب الانقلاب الذي يراهن على ما يملكة من قوة مسلحة وتكاتف مؤسسات الدولة معه، والرهان الثاني من جانب المناهضين للانقلاب وهم يراهنون على التحرك الشعبي، وهو رهان لايملكونه ولكن يعملون من أجله ومن أجل تحركه مرة ثانية كما حدث في 25 يناير، فبعيداً عن التهويل والمبالغة لا يوجد بين القوى الثورية من يملك قوة كبيرة قادرة على تحريكها سواء من أعضائها أو من يستجيبون لها، باستثناء تحالف دعم الشرعية، وفي القلب منه الإخوان الذين يملكون أعضاء ومناصرين له – أياً كان عددهم -، والذين يتظاهرون منذ وقوع الانقلاب حتى الآن، فالتحركات الجماهيرية الكثيرة التي أعقبت ثورة 25 يناير تلبية لنداءات القوى والأحزاب المختلفة، لم تأت على خلفية قوة شعبية تمتلكها، ولكنها جاءت في إطار المد والزخم الثوري الكبير في تلك الفترة ومساندة الإعلام لها.
لقد انفجرت الثورة في 25 يناير على غير المتوقع، فلم تكن تتعدى مظاهرات القوى المختلفة قبل الثورة مثل 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير المئات، وعلى أحسن الأحوال عدة آلاف، وعندما جاء الانفجارخرج الآلاف ثم الملايين دون قيادة من جانب شخص أو أي قوة، لقد أدت فترة الأربع سنوات تقريباً التي مضت على ثورة 25 إلى إضعاف الزخم الثوري بفعل عامل الزمن، فضلاً عن حالة الفوضى سواء الطبيعية أوالمتعمدة، التي كانت تستهدف أن يكفر الناس بالثورة ويترحموا على أيام مبارك، وأنه لافائدة من الثورة التي لم تجلب لنا إلا الفوضى في كل المجالات هذا بالإضافة الي المذابح التي ارتكبها النظام لإعادة جمهورية الخوف مرة أخرى.
وليس معنىذلك استحالة إسقاط الانقلاب، ولكن المشكلة الحقيقية أن التحالف المناهض للانقلاب يتبنى الخيار السلمي ويراهن على التحرك الشعبي، وهذا يتطلب تحركاً جماهيرياً واسعاً، وطوفاناًبشرياً يطيح بالانقلاب، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين للخروج من حالة الكمون الحالية، ومواجهة أساليب الانقلاب الذي يعمل على إخماد أي تحرك جماهيري في مهده، تسانده مؤسسات الدولة كلها، وعلى رأسها الإعلام الذي يشكل رأس الحربة في هذا الصدد، فضلاً عن طبيعة الشعب المصري، الذي غالباً ماتأتي الثورات والانتفاضات التي يقوم بها فجأة وعلى غير توقع، وبعد فترة ربما يغلب فيها الإحباط واليأس من أي تحرك.
وفي كل الأحوال على التحالف أن يعمل على توسيع دائرته أو إنشاء كيان جديد للكيانات الرافضة للانقلاب، التي تعمل على إسقاط النظام ولا تعترف بشرعيته على أسس واضحة تحدد ملامح مرحلة مابعد الانقلاب في نطاق الشرعية، التي لا تعتبر عائقاً في سبيل التوحد إذا خلصت النوايا، وفي ضوء المرونة التي أبداها الإخوان في هذا الصدد. فوجود مرسي رمزاً للشرعية أمر بالغ الأهمية سواء على المستوى المحلي أو الدولي، الذي يدرك جيداً أن ما وقع بمصر هو انقلاب، وإن تعاملوا مع هذا النظام من باب المصالح أو التعامل مع الأمر الواقع، كما يمكن الاتفاق على تشكيل حكومة من القوى المناهضة للانقلاب كافة، تتمتع بسلطات واسعة طوال المرحلة الانتقالية حتى الاحتكام للشعب في انتخابات جديدة، تراعي التوافق الوطني وتستفيد من أخطاء الماضي.
والحقيقة أن شعار الشرعية الكاملة الذي كان يرفعه الإخوان تجاوزه الواقع باستثناء عودة مرسي، فالشرعية الكاملة تعني عودة مجلس الشوري ودستور 2012 وهو أمر صعب التحقق فيما يخص مجلس الشورى؛ لأن عودته تعني عودة أعضائه من حزب النور الذين سادوا الانقلاب، بالإضافة للأعضاء الآخرين سواء المعينين أو المنتخبين الذين ساندوا الانقلاب، أما الدستور فمن المستحيل عودته مباشرة اللهم إلا إذا صدر قرار بعودته ثم تجميده؛ لأن عودة الدستور والعمل به على الفور، سيقف عائقاً أمام تطهير موسسات الدولة واتخاذ قرارات ثورية تجعلنا ندور في الدائرة نفسها.
ومن الملفات العاجلة التي يجب أن تصاحب محاولات إسقاط الانقلاب، وضع تصور ورؤية جادة لما بعد الانقلاب؛ لأن تحديات مابعد سقوط الانقلاب لا تقل عن إسقاط الانقلاب نفسه - إن لم تكن تزيد-؛ فهناك عشرات بل مئات الأسئلة التي لابد من طرحها في إطار: وماذا بعد سقوط الانقلاب؟ فكيف يمكن السيطرة على الوضع؟وكيف يمكن تطهير مؤسسات الدولة ؟وكيفية التعامل مع أنصار الانقلاب؟
أما القوى التي لا تريد عودة مرسي، فتستطيع أن تعمل من خلال الرؤية التي تراها مناسبة؛ فالساحة مفتوحة للجميع وليست حكراً على أحد، وبالتأكيد وجود أكثر من كيان أمر ليس مرغوباً فيه، ولكن إذا كان هذا الواقع، فليعمل الجميع على الهدف الرئيسي وهو إسقاط الانقلاب.