إن المشكلة الحقيقية فيما يخص الإخوان أن الكثير ممن يكتبون ويتحدثون عنهم في وسائل الإعلام المختلفة لم يقرأوا جيدا فكر وتاريخ الجماعة والناحية التنظيمية بها، ولهذا تأتى الكثير من المعلومات التي يقدمونها عنهم خاطئة وبعيدة عن الواقع فضلا عن الآراء التي تترتب عليها، وحتى كثير ممن درسوا جيدا تاريخ وفكر الجماعة من الباحثين في شئون الحركات الإسلامية نجد كثيرا من كتابتهم بعد
الانقلاب قد غلب عليها توجههم السياسي وانخرطوا في موجات وحملات الهجوم على الإخوان واتهموهم باتهامات كانوا هم من ينفونها في دراساتهم ومقالاتهم عنهم قبل الانقلاب
وهنا أتوقف عما يردده بعضهم عن نهاية الإخوان، أو على الأقل عدم قدرتهم - لدى البعض الآخر- على استعادة قوتهم إلا بعد عقود
والواقع أن هذه التوقعات بعيدة عن الواقع، وأنا هنا أتحدث عن شعبية الإخوان سواء وجدوا على الساحة بشكل رسمي، أو تمت محاصرتهم في دائرة معينة كما كان يفعل نظام مبارك
لقد انشغل الكثيرون بالحديث عن قوة الإخوان والبحث عن أعدادهم، وقد تراوحت التقديرات ما بين 350 ألف الى850 ألف أي أن الأعداد في النهاية لا تتجاوز بضع مئات الآلاف، وحتى لو أخذنا بأعلى تقدير وهو 850 ألف فإنه لا يشكل نسبة كبيرة من مجموع عدد الناخبين المسجلين في كشوف الانتخابات، والذى بلغ عددهم حاليا 53 مليون
والواقع أن من يقيسون قوة الإخوان بأعداد أعضائها التنظيمين يقعون في خطأ فادح لأننا لو ألقينا نظرة على أكبر الأحزاب في الدول الديمقراطية سنجد أعدادها لا تمثل نسبة كبيرة من أعداد الناخبين، ومع ذلك تحصل على الأغلبية فقوة الحزب لا تقاس بعدد أعضائه بل بنسبة المؤيدين له من أبناء الشعب غير المنضمين له رسميا
فمعرفة عدد الإخوان لا تقدم ولتؤخر إذا قسنا قوتهم بعدد الأعضاء فقط فحتى لو صرحت الجماعة بعدد أعضائها فهو غالبا لن يخرج عن بضع مئات الألاف ولكن مع ذلك لابد من التوقف عند كيفية حساب عدد الإخوان لأن إطلاق تقدير لعدد الإخوان بذكر رقم معين لا يعطى دلالة حقيقية على العدد الحقيقي للإخوان والمسألة هنا تحتاج إلى بعض التفصيل
فهناك ثلاثة مستويات لقياس عدد الإخوان:.
المستوى الأول عدد الأعضاء التنظيميين
المستوى الثاني: عدد المحبين والمؤيدين والأخوات
المستوى الثالث: عدد المتعاطفين
فالعضوية داخل الإخوان تقوم على خمس مراتب تبدأ بالمحب ثم المؤيد ثم المنتسب ثم المنتظم ثم العامل وهى أعلى مرتبة في الجماعة ،والذين يشغلون المهام الرئيسية فيه، ويتم تصعيد العضو من الدرجة الأدنى إلى الدرجة الأعلى من خلال اجتياز برنامج ثقافي وتربوي خلال مدة محددة تختلف من درجة لأخرى
ومن هنا يجب التوقف عند عملية حساب أعضاء الجماعة فالإخوان يحسبون عدد المنتمين إليهم ابتداء من درجة منتسب فإذا تم حساب الأعضاء من درجة منتسب فبالتأكيد فإن العدد لا يتجاوز بضع مئات من الآلاف لكن إذا أضيف اليهم درجتي المحب والمؤيد فإن العدد يتضاعف مرة واحدة على الأقل وإن كان من المفترض نظريا أن تتضاعف أكثر من مرة لأن درجتي المحب والمؤيد يشكلان سفح الهرم في البناء التنظيمي للجماعة، وكلما تم الارتقاء إلى الدرجة الأعلى المفترض أن يقل العدد، وعلى هذا الأساس فالمفترض نظريا أن عدد العاملين هو الأقل إذا سارت الأمور في نصابها الطبيعي من الناحية التطبيقية والعملية مع ملاحظة أن نسبة الخروج من الجماعة تقل في مراتب العضوية العليا، وهى أقرب للثبات إلى حد ما في مرحلة العامل بينما تزيد في المراحل الأولى خاصة في المحب والمؤيد الذين لا يعتبرون في الأصل من أعضاء الجماعة
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الأخوات المسلمات لا يتم حسابهن أيضا ضمن الأعضاء فإن ذلك يعطى دلالة على أن الأرقام المجردة عن عدد الإخوان لا تعبر عن حقيقة قوة الجماعة من الناحية العددية، وممكن أن أضرب مثلا تقريبيا فلو افترضنا أن هناك أسرة من الإخوان مكونة من الأب والزوجة وبنتين وولدين تخطوا مرحلة الطفولة فإننا نكون من الناحية الرسمية أمام عضو واحد، ومن الناحية الفعلية أمام ستة ينتمون بالفعل للإخوان فالزوجة والبنتين لا يحتسبان، والولدين إن لم يكونا قد وصلا فعليا إلى درجة منتسب فإنهم لا يعتبران رسميا ضمن الجماعة
نخلص من ذلك أننا إذا أحصينا عدد الإخوان طبقا لنظام الجماعة بداية من درجة منتسب مع استبعاد الأخوات لن يتجاوز العدد بالفعل بضع مئات من الألاف، وأعتقد أن رقم 850 الف مبالغ فيه ،وأعتقد أن عدد الإخوان طبقا لهذا المعيار يتراوح ما بين 350 إلى 400 ألف ولن يتجاوز في كل الأحوال نصف مليون (لعل السيسي كان يشير إلى عدد الإخوان التنظيميين في تصريحه لا يمكن لـ200 أو 300 ألف أن يهددوا البلد) فإذا أضفنا إليهم المحبين والمؤيدين والأخوات فإن العدد يتخطى المليون
أما المستوى الثالث فهم المتعاطفون مع الجماعة وهم يشكلون الرصيد الاحتياطي للجماعة، والقوة الضاربة لها، ومصدر قوتها في الانتخابات المختلفة، وبالرغم أنه لا يوجد من الناحية التنظيمية للجماعة مرتبة للعضوية باسم المتعاطف إلا أن أدبيات الجماعة وتحركاتها على الأرض تعمل على كسب وتأييد هذه الفئة التي تكون الكتلة الصلبة لها، والتي تضمن لها نسبة مقدرة سلفا من الأصوات في أي انتخابات تخوضها الجماعة
ولكن هل يمكن تقدير عدد هؤلاء المتعاطفين؟ الواقع أنه على عكس المنتمين للجماعة بمستوياتهم المختلفة الذى يمكن حصرهم من جانب الجماعة فإنه من الصعب حصر أعداد المتعاطفين مع الجماعة علي وجه الدقة، والمتعاطف مع الجماعة لا يرتبط بأي رباط تنظيمي معها ولا يشارك غالبا في أنشطتها المختلفة سواء لطبيعته الشخصية التي لا تحب التقيد بأي التزامات، أو لتجنب المضايقات الأمني، وإن كان يمكن القول أن هناك تصورا بمعرفة أعداد كبيرة منهم خاصة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة دون وجود حصر لصعوبة القيام بذلك
ولكن يمكن حساب نسبتهم بصورة تقريبية بواقع 5 لكل واحد من الإخوان، ولو افترضنا أن عدد الإخوان بالمحبين والمؤيدين والأخوات مليون فيكون العدد الإجمالي للإخوان والمتعاطفين معهم 6 مليون، وهى الكتلة الصلبة للإخوان والتي تضمن لها نسبة تدور حول 25% من الأصوات ولعل ما حصل عليه مرسى في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية تدلل على ذلك حيث حصل على 5 مليون و765 الف صوت تقريبا ، ويمكن الجزم أن هذه الأصوات هي مجمل أصوات الكتلة الصلبة للإخوان حيث جاء نزول مرسى في أجواء شعبية غير مواتية بعد استبعاد الشاطر، وقصر مدة الدعاية له، ورد الفعل السلبى على قرار نزول الإخوان الانتخابات بعد إعلانهم في السابق عدم نزولهم سباق الرئاسة، وتأييد الدعوة السلفية وبعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لعبدالمنعم أبو الفتوح لذلك يمكن القول باطمئنان أن الأصوات التي أعطيت لمرسى هي الأصوات المؤيدة تقليديا للإخوان وهى أرقام لا تبعد كثيرا عن رقم 6 مليون مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة المتعاطفين مع الإخوان تأثرت بظهور الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية الأخرى وبصفة خاصة حزب النور
ويمكن القول إجمالا إن خريطة توزيع القوى السياسية في
مصر قبل الانقلاب، والتي تتمتع بوجود كتل صلبة تأييدها هي الإخوان ثم النور ثم الكنيسة وما يسمى بالأحزاب المدنية ويتضح من الانتخابات السابقة سواء الرئاسية أو مجلس الشعب أن نسبة مشاركة من لهم حق التصويت تدور حول نسبة 50% تقريبا وإذا كان عدد من لهم حق التصويت 53 مليون فإن عدد من يذهبون فعليا للانتخابات يدور حول رقم 26 مليون ونصف يزيد قليلا أو ينقص قليلا، وتدور نسبة الكتلة الصلبة للإخوان منهم حول 25 % بينما تشكل نسبة الكتلة الصلبة لحزب النور ومن بعده الكنيسة والقوى التي تطلق على نفسها المدنية 25% وبصفة عامة تشكل الكتلة الصلبة لهذه القوى مجتمعة بما فيها الإخوان حوالى 50% تقريبا ويبقى النصف الآخر الذى ليس له موقف سياسي محدد وهذه النسبة الكبيرة تحكمها اعتبارات مختلفة، وهى تتسم بالتقلب وعدم الثبات ولهذا من الصعب تحديد توجهاتها بدقة وهى تنقل تأييدها من قوة إلى أخرى، ومن شخص إلى أخر خاصة في حالة السيولة والتقلبات السريعة التي تشهدها مصر بعد الثورة لكن في كل الأحوال فإن جميع القوى تحصل على نسبة صغرت أو كبرت من هذه الكتلة
هذه هي الخريطة السياسية للقوى المختلفة قبل 30 يونيو فهل تغيرت الخريطة خاصة في الفترة الأخيرة من حكم محمد مرسى قبل وقوع الانقلاب؟
لاشك لدى أي مراقب ومعايش للأحداث في مصر أن شعبية الإخوان قد تأثرت كثيرا، وفقدت الكثير من شعبيتها نتيجة عوامل متعددة ولكن يظل السؤال ما هو المدى الذى وصل إليه تأكل شعبية الإخوان؟
لقد كان الإخوان ماضون قبل الانقلاب في طريق الانتخابات البرلمانية، و دعوة القوى السياسية ومن يتحدثون عن ملايين التوقيعات المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة للانخراط في الانتخابات البرلمانية، وتوظيف هذه الملايين في الفوز بأغلبية البرلمان، وتشكيل الحكومة بالرغم من الحديث عن انخفاض شعبيتهم لإدراكهم عدم قدرة المعارضة على تحقيق الأغلبية
والواقع أن المعارضة نفسها كانت تدرك أنها لن تستطيع تحقيق الأغلبية، وأن الإخوان بالرغم من انخفاض شعبيتهم، وتوقع تراجع نسبتهم في البرلمان سيحصلون على الأكثرية، وفى كل الأحوال سيبقون الحزب الأول في البرلمان، والحقيقة أن هذه الحسابات كانت تقوم على عدم وجود أرضية حقيقية لما يسمى بالأحزاب المدنية بالرغم من كل الضجيج الذى تثيره كما أن نسبة الأصوات التي سيفقدها الإخوان لن تصب في صالحهم بل في صالح الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية الأخرى بالإضافة للمستقلين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الكتلة الصلبة للإخوان التي تدور حول 25% بالإضافة إلى الألة التنظيمية للإخوان كانت قادرة على جذب نسبة من الأصوات المتأرجحة وكذلك طبيعة الانتخابات البرلمانية التي يتم فيها الانتخابات على أسس شخصية وخدمية كانت تصب في صالح الإخوان ولهذا وبالرغم من تراجع شعبية الإخوان فأعتقد أنهم كانوا قادرين على تحقيق نتيجة لا تقل عن ثلث المقاعد وهو ما كان يضمن لهم إذا تحالفوا مع بعض القوى الأخرى وبعض المستقلين تحقيق الأغلبية
ثم جاء الانقلاب الذي كان بمثابة قبلة الحياة وطوق النجاة للإخوان لاستعادة التعاطف والتأييد الشعبي الذى افتقدوا الكثير منه قبل الانقلاب ،ولعل تصريح وزير داخلية الانقلاب والذي ذكر فيها أنه لو أجريت الانتخابات البرلمانية، في الوقت الحالي، سيفوز بها "الإخوان المسلمين" واضح الدلالة في هذا الصدد