كتب روبرت فيسك في صحيفة "الإندبندنت"، معلقا على الجرائم التي ارتكبتها وكالة الاستخبارات الأميركية "
سي آي إيه" في فترة ما بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، وما جاء في ملف
التعذيب .
يقول الكاتب إن "العالم الإسلامي يعرف عن هذه الجرائم منذ سنوات، وظل (الغرب) يريدها أن تبقى وحتى النهاية (سرا)، حتى يتأتى حماية الساديين والمرضى النفسيين الأشرار الذين أداروا معتقلات التعذيب نيابة عنا، تجب حمايتهم بل والثناء عليهم من
البوشيين -نسبة إلى جورج بوش- لأنهم حموا حضارتنا".
ويضيف فيسك أن "أكاذيبهم علينا وعلى ضحاياهم أيضا جاءت من أجل الحرية، وعلينا ألا نتحدث عن (سجناء) مسلمين يقفون على أرجل مكسرة يخرج الزبد من أفواههم بعد 82 ساعة من التعذيب بأسلوب الإيهام بالغرق، أو تم إدخال الحمص في أمعائهم عبر فتحة الشرج".
ويتحدث الكاتب عن رد فعل الجمهوريين وجماعة جورج بوش، الذين حدث التعذيب في عهدهم "فهم يشتمون رائحة كريهة حولهم. لكن
التقرير الذي انبعثت منه هذه الرائحة الكريهة كلها نشر (لدواع أيديولوجية)، فما يزعمونه الآن لمنع نشره يوازي المزاعم الواهية والفاسدة عن العلاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة وامتلاك النظام العراقي أسلحة دمار شامل، ويورانيوم النيجر، وغيره من الكلام التافه الذي تم نشره قبل أن نمضي في طريق الذبح الذي استمر 11 عاما في العراق".
ويبين فيسك "في الحقيقة إنه الكلام التافه ذاته الذي باعوه لنا قبل أن تنشر صور أبو غريب الفاضحة، وقولهم إنها (ستؤدي لتعريض حياة الأميركيين في أنحاء العالم كله للخطر) كما قال زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل".
ويرى فيسك أنه لهذا "قمنا بإغلاق أبواب سفارتنا ورفعنا درجة التحذير الأمني للأحمر، وأي رمز كاف لترهيب الأميركيين وأصدقائهم. وطبخنا الكذبة، التي كانت سامة مثل بقية أكاذيب (سي آي إيه) من أن العرب سيغضبون بشدة عند قراءتهم عن الفظائع التي ارتكبها رجالنا باسم الحرية والغرب. وهو الكلام ذاته الذي رددوه حول نشر صور أبو غريب. فالعرب سيغضبون عندما سيشاهدون لقطات للأطراف الإنسانية والرجل المقنع المعلق بأسلاك كهربائية، وقد يغضبون ويلجأون للعنف، وهذا الكلام ذاته الذي يرددوه حول تقرير التعذيب ودور (سي آي إيه)".
ويتابع الكاتب "هذا كله كلام لا قيمة له. ففساد (سي آي إيه) الأخلاقي لن يغضب العالم الإسلامي؛ لأنه غاضب على هذه الجرائم ومنذ سنين. فقد كان
المسلمون هم الضحايا، وكانوا الشهود، ويعرفون الحقيقة منذ مدة قبل أن نعترف بها، فهؤلاء الرجال والنساء المساكين إن ضممنا ضحايا أبو غريب، الذين لم يسمح لنا بمشاهدة صورهم، عاد معظمهم لبيوتهم وأخبروا عائلاتهم وأصدقاءهم عن الظلم الذي ارتكب بحقهم، وشهاداتهم هي الوحيدة التي نعرفها، وكانوا يقولون الصدق".
ويواصل فيسك قائلا إن "مخاوف أسيادنا -من رجال البنتاغون والبوشيين و(سي آي إيه)- ليس فيما إن كان العرب سيغضبون من هذا الكشف. فهم قلقون من الخزي والعار الذي سيصيبنا على ما اقترفته أيديهم باسمنا، ما سيقودنا للنظر إليهم على أنهم مجرمو حرب (وهم في الحقيقة كذلك) أو قد نقوم بوضعهم في، وهنا أحب التعبير الأميركي للسجن (مركز التصحيح). فالكثير من هؤلاء رجالا ونساء بحاجة إلى علاج نفسي (معالجة لإبعادهم عن التشدد). ففي الوقت الذي نرغي بالقول إنه يجب إبعاد شبابنا عن التشدد ومنعهم من الانضمام لتنظيم (داعش)، لكننا لا نلتفت إلى الأخطر وهم المجرمون الراديكاليون غير الأسوياء في (سي آي إيه) وتقبل وسائلهم في التحقيق من خدماتنا السرية".
ويقول فيسك: "نعم، نحن غاضبون وحانقون على ما كشف عنه، وهو ما قاد بعض الجمهوريين، وليس كلهم، لشجب (سي آي إيه)، رغم أن ما نشر هو نسخة تعرضت للشطب والحذف ولم ينشر الأصل، تماما كما حدث في صور أبو غريب التي نشر منها جزء ومنع نشر الكم الأكبر. نحن من نتساءل: هل ارتكبنا هذا كله؟ هل قام موظفونا بممارسة هذه الأفعال في غرف التعذيب وباسمنا؟".
ويستدرك الكاتب قائلا: "كان يجب علينا أن نعرف هذا كله عندما بدأ ديك تشيني -نائب بوش- يتحدث عن (الجانب المظلم)، وعندما أنكرت (سي آي إيه) وجود سجون سرية في بولندا ورومانيا، وعندما بدأ
المعتقلون يعودون إلى بلادهم ويحكون لنا عما عانوه. وأتذكر رد فعل أسيادنا على ما قاله هؤلاء (هذه دعاية)، وأكدوا لنا أن هذه دعاية يقوم بها حزب البعث السابق، أو هي دعاية يقوم بها المتمردون والإرهابيون أو هي دعاية إسلامية، وقد استخدم البريطانيون الكلام نفسه عندما كانوا في نزاع مع أيرلندا الشمالية (دعاية يقوم بها الإرهابيون أو الجيش الأيرلندي الحر)، واستخدم هذا الكلام الفرنسيون في الجزائر. وفي اللحظة التي تسمح فيها لرجال (سي آي إيه) الذين تشجعوا في الفترة الأخيرة بمسلسلات تلفزيونية تحض على الوحشية والاغتيالات والتعذيب ضد الإرهاب، فإنك في نفس السلة مع الرجال الأشرار. فنحن الرجال الأشرار أيضا، وهو ما أخبرنا به تقرير لجنة الاستخبارات في الكونغرس هذا الأسبوع".
ويختم فيسك معلقا على كلام أوباما بالقول: "بالنسبة للمسكين أوباما يمكن أن تقرأ تصريحه بالطريقة التي تريد (سأواصل استخدام سلطتي رئيسا للتأكد من عدم اللجوء لهذه الوسائل مرة أخرى)، تماما كما وعد بإغلاق سجن غوانتانامو وللأبد، وتماما كما استخدم الطائرات دون طيار أكثر من البوشيين. حسنا فنحن لسنا سيئون مثل (داعش)، فنحن لا نقطع الرؤوس أو نغتصب النساء. وكما ذكرنا رئيس وزراء بريطاني سابق عندما كنا نملأ القبور في العراق بالجثث، فعلى الأقل نحن لسنا سيئين مثل صدام".