نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالة للصحافي سام داغر يقول فيها إن هناك أدلة جديدة على أن
التفجير الذي وقع في مكاتب تابعة لمكتب الأمن القومي في شهر تموز/ يوليو عام 2012 في اليوم الرابع من هجوم المعارضة على دمشق، الذي قتل فيه
آصف شوكت، صهر رئيس النظام السوري بشار
الأسد، لم يكن من فعل جماعات المعارضة، بل من فعل أيد داخلية.
ويذكر التقرير أن أوباما أمر بتشكيل فريق عمل يجهز لما بعد بشار الأسد بعد هذه الحادثة، بحسب السفير الأميركي في
سوريا آنذاك روبرت فورد.
ويضيف الكاتب أن الانفجار شكل تحولا في مسار الأحداث في سوريا، حيث أصبحت أكثر عنفا، ودخلت إيران وحزب الله بالإضافة الى الميليشيات الموالية للنظام التي دربتها إيران. ومنعت هذه الحادثة أي مسؤول سوري من أن يتحدث عن استيعاب المعارضة. وخلال أقل من عام من هذا التحول بدأ النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الثوار والمدنيين.
ويبين داغر أن أكثر من 20 شخصا خارج سوريا بعضهم كان من رجال النظام يقولون اليوم إن التفجير كان بسبب خلاف داخلي بين عائلة الأسد وحلفائها المتشددين من جهة، والمسؤولين الذين كانوا يسعون للتفاوض من جهة أخرى. وقد رفض مكتب الأسد إجراء أي مقابلات مع رئيس النظام السوري، كما أن اللواء علي مملوك واللواء ديب زيتون وهما من كبار المسؤولين الأمنيين داخل النظام رفضا التعليق.
وتشير الصحيفة إلى أنه بينما يعتقد اللواء مناف طلاس، الذي يعيش في المنفى، بأن النظام كان على علاقة بالتفجير، واللواء طلاس نفسه هرب قبل مقتل شوكت بأسبوعين؛ وذلك بعد أن وجد حراسه ست عبوات ناسفة مزروعة خارج مكتبه في قاعدة عسكرية في دمشق. وهو يتهم النظام بمحاولة قتله. وأضاف طلاس إنه وشوكت كانا من بين من يدعون لحوار مع المعارضة المسلحة والمدنية، بعكس قيادات مخابرات الأسد، الذين أرادوا القضاء على المعارضة.
وتنقل الصحيفة عن طلاس قوله: "إن بشار لم يسع أبدا للقيام بأي إصلاحات حقيقية، لكنه بدلا من ذلك فضّل أن يدمر البلد على أن يخسر السلطة .. لقد باع سوريا للإيرانيين".
ويذهب الكاتب إلى أن التفجير فتح الباب أمام الإيرانيين وحزب الله للانخراط بدور أكبر في الدفاع عن النظام، وقد رفض كل من السفير الإيراني في سوريا والمتحدث باسم حزب الله المقابلة أو التعليق على الحادث.
وينقل التقرير عن السفير الأميركي السابق في سوريا فورد، الذي يعمل حاليا مع معهد دراسات الشرق الأوسط، قوله إن قيادات من المعارضة السورية أخبرته بأنه لم تكن هناك علاقة للمعارضة بالتفجير المذكور، مضيفا "ليس لدي دليل مقنع على أن التفجير كان عملا داخليا، ولكن المزاعم بهذا واسعة الانتشار".
ويلفت التقرير إلى أنه قبل بدء الصراع في سوريا في ربيع عام 2011، كان ينظر إلى بشار الأسد وزميله في الكلية الحربية مناف طلاس، على أنهما صنف جديد من القيادات الشابة والعصرية والمنفتحة على الإصلاح.
ويقول طلاس: "بدأ بشار في القيام بخطوات إصلاحية بين عامي 1998 و2000، حتى قبل أن يصبح رئيسا، وكنت قريبا منه، وكان الناس يأملون أن يكون قادرا على إحداث تغيير"، وفق "وول ستريت جورنال".
ويذكر كيف تسبب مقتل متظاهرين اثنين في 11 آذار/ مارس 2011 في درعا إلى تغيير مجرى الأمور، وبحسب طلاس فإن الأسد اتصل به بعد يومين من هذه الحادثة، فأشار عليه بعزل محافظ درعا، وإطلاق سراح المعتقلين، واعتقال مسؤول الأمن ودفع ديات لأهالي المقتولين وزيارة المدينة. ويضيف أنه قال له: "مجتمعنا مجتمع قبلي وسيثمن مبادرة حسنة كهذه".
وتستدرك الصحيفة بأنه تم قتل المزيد من المتظاهرين، وخرج الرئيس في 30 آذار/ مارس ليقول إن سوريا تواجه
مؤامرة عظمى تمتد خيوطها من الداخل إلى بلدان قريبة وبعيدة.
ويفيد التقرير أن طلاس كان وقتها يقود فرقة قوامها 3500 رجل من الحرس الجمهوري، وتقع على عاتقه حماية الرئيس والعاصمة، ويقول طلاس إنه أرسل قوة من 300 رجل إلى دوما لضبط مظاهرات فيها، ولكنهم دفعوا جانبا من قوات يرأسها حافظ مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي كان وراء قتل أكثر من عشرة متظاهرين خلال شهر نيسان/ أبريل 2011. وأضاف طلاس للصحيفة أن بعض رجاله قتلوا؛ لأنهم رفضوا فتح النار على المتظاهرين.
ويقول إن أحد أحسن الضباط عنده طلب إعفاءه من هذه المهمة عند عودته من دوما "فقلت له اصبر قليلا، فقد وعد الرئيس بإصلاح الأمور خلال ثلاثة أسابيع .. ولكنه انتحر في اليوم الثاني"، بحسب التقرير.
ويعرض الكاتب لقول طلاس إن موقفه كان ضد إطلاق النار على المتظاهرين، ودعا إلى التفاوض معهم، وهذا الموقف تسبب في تهميشه لتعارضه مع المتشددين المقربين من الأسد، ويقول إن آخر لقاء له بالأسد كان في شهر أيار/ مايو، حيث قال للأسد: "أنا صديقك، ونصحتك بعدم اختيار الحل العسكري، بل اختر حلا سياسيا"، فأجابني: "إنك رخو جدا".
ويذكر التقرير أن فاروق الشرع، الذي كان نائب الرئيس في وقتها، وكان يدفع باتجاه الحوار مع المعارضة، وقع بعد ذلك، ويقول اقرباؤه إنه وضع قيد الإقامة الجبرية بعد رئاسته لمؤتمر حوار في دمشق في أوائل تموز/ يوليو.
ويقول وليد جنبلاط إنه قابل الأسد آخر مرة في حزيران/ يونيو 2011: "وقال لي الأسد في آخر اللقاء (لا أريد أن يحبني الناس، أريد أن يرهبني الناس)".
ويشير داغر إلى أن شوكت قد زار في كانون الأول/ ديسمبر 2011 حمص، وتوصل إلى اتفاق مع المعارضة على خطة لوقف إطلاق النار يتوقف فيها النظام عن سجن المعارضين، وتتوقف فيها المعارضة عن مهاجمة حواجز الجيش، ويقول أحد المعارضين الذين حضروا تلك المفاوضات إن شوكت ظهر ممثلا للنظام، وكان مهتما بالتفاوض.
ويعلق طلاس بأن سلطة شوكت بدأت تتآكل بعد عودته من حمص، ومع إصراره على أداء دوره بدأت المواجهة الحقيقية.
وتجد الصحيفة أنه بحسب السيد طلاس وعدد من الناس المطلعين فإن شوكت كان يشكل خطرا على الأسد، حيث إنه رأس في السابق المخابرات العسكرية، وهي أكثر المؤسسات التي تبعث على الخوف، ولديه مجموعة من الضباط المخلصين، ويضيف طلاس أن شوكت كان من الحلقة المقربة للرئيس مع أمه وزوجته وأخته وأخيه ماهر، الذي يقود الجيش وأبناء خاله من عائلة مخلوف، والحلقة الثانية هم مسؤولو المخابرات والأمن.
ويتفق جنبلاط مع هذه الرواية، حيث يقول: "في رأيي تخلصوا منه، كانوا يخافون منه".
ويكشف الكاتب عن وجود محاولة سابقة لقتل شوكت قبل شهرين من التفجير، عن طريق كباب وحمّص مسمم من مطعم في دمشق.
ويستدرك التقرير بأن التفجير كان إيذانا بتحول في سياسة حزب الله وإيران عندما أصبح إنقاذ نظام الأسد هو أولويتهما الأولى، بحسب المسؤولين العراقيين واللبنانيين المقربين من الجهتين.
ويختم الكاتب بالإشارة لقول طلاس إنه في اليوم الذي قتل فيه شوكت كان اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني في دمشق، وفي ذلك اليوم خطب حسن نصر الله في مؤيدي الحزب في بيروت في ذكرى حرب 2006، وركز على أهمية نظام الأسد في انتصار الحزب في تلك الحرب.