منذ تشكيلها عام 1970، لم تتردد صحيفة "شارلي إيبدو" الأسبوعية عن نشر صور مستفزة ساخرة من المسؤولين والنجوم والأديان، وساخرة من كل ما يسمى باللياقة السياسية، معتبرة ذلك دفاعا عن "حرية التعبير".
وتأسست الصحيفة، ذات التوجهات اليسارية، لتخلف صحيفة "هارا كاي" الأسبوعية، التي أسسها الكاتب فرنسوا كافانا والفنان الساخر جورج بيرنيي الملقب الأستاذ شورون، بعد أن حظرتها السلطات الفرنسية حينها، بسبب محتواها الذي اعتبرته "عدائيا للغاية"، إذ صدمت الفرنسيين عام 1970 بصفحة أولى ساخرة حول وفاة شارل ديغول، مؤدية لحظرها.
تاريخ من الاستفزاز والهجمات
الصحيفة التي كانت منذ تأسيسها مثارا للجدل، أعادت في شباط/ فبراير 2006، على غرار صحف أوروبية اخرى، نشر 12 رسما للنبي محمد عليه السلام كانت نشرتها صحيفة ييلاندس بوستن الدنماركية، وذلك تحت شعار حرية التعبير، مثيرة تظاهرات عنيفة في العالم الإسلامي، وأصبحت "
شارلي إيبدو" منذ ذلك التاريخ هدفا لتهديدات متكررة من مجموعات إسلامية متطرفة.
وكان القضاء الفرنسي برّأ في 2008 الصحيفة من تهمة "الإساءة للمسلمين"، معتبرا أن الرسوم المثيرة للجدل استهدفت "بوضوح قسما" هم الإرهابيون" و"ليس المسلمين جميعهم".
بينما أصرت تشارلي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، ورغم التهديدات، على موقفها وأصدرت عددا خاصا تحت عنوان "شريعة إيبدو" مع رسم للنبي محمد جذلا في الصفحة الاولى. وبيع من العدد 400 ألف نسخة، في وقت لم تكن تتجاوز فيه مبيعاتها 75 ألف نسخة، ما أدى لتعرض مقر الصحيفة حينها إلى حريق، ليوضع من حينها مدير الصحيفة والرسام ستيفان شاربونييه (48 عاما) المكنى "شارب" والمهدد بالقتل، تحت الحماية الأمنية.
ومن فترة لأخرى، يتعرض موقع الصحيفة لعمليات قرصنة، بينما أثارت رسوم جديدة نشرتها الصحيفة في 2012 انتقادات شديدة في العديد من البلدان المسلمة.
في كانون الثاني/ يناير 2013، نشرت الصحيفة إصدارا مؤلفا من 64 صفحة، ووصفت هذا العدد بأنه الجزء الأول لسلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية الصادمة التي تزعم أنها تصور حياة النبي محمد عليه السلام، متوعدة الناس "بالصدمة" مما نشرته حينها.
واعتادت الصحيفة على رفع القضايا ضدها، واضطرت للتوقف عن الصدور من 1981 إلى 1992، وهي مهددة بالإفلاس وتعاني عجزا وتبيع ما معدله 30 ألف نسخة، وأطلقت في الآونة الأخيرة نداء لجمع تبرعات حتى لا تضطر للتوقف عن الصدور.
حرية أم استفزاز؟
الصحيفة بخطها التحريري تعرضت لانتقادات من الحكومة الفرنسية نفسها، كما رفعت ضدها دعاوى قضائية، بجانب إثارة مشاعر ملايين الناس في العالم بعد
السخرية من رموزهم الدينية والسياسية.
وبتمسكها بلهجة السخرية من الإسلام ورموزه، سببت الصحيفة متاعب لباريس، ودفعتها في بعض الأوقات إلى إغلاق سفارات وقنصليات ومراكز ثقافية فرنسية في عدد من دول العالم، كما أثارت انتقادات من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي وصف قرار نشر الرسومات بأنه "مستفز".
من جهته، قال ريشار مالكا وهو محامي الصحيفة الأربعاء إن "هناك تهديدات دائمة منذ نشر رسوم محمد"، مضيفا أنه "منذ ثماني سنوات ونحن نعيش تحت التهديد، ورغم الحماية فإنه لا يمكن القيام بشيء ضد همج مسلحين بكلاشينكوف".
وتابع بأنها "صحيفة لا تفعل ببساطة سوى الدفاع عن حرية التعبير والحرية بكل بساطة وحريتنا جميعا. ودفع صحافيون ورسامون بسطاء اليوم ثمنا غاليا لذلك".
وتعرّض مقر الصحيفة الأربعاء، في نفس اليوم الذي تنشر فيه، لهجوم مسلحين أدى لمقتل 12 من العاملين بها، من بينهم أربعة رسامي كاريكاتير، ورئيس التحرير.