خلف الهحوم على
الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" 12 قتيلا، بينهم 10 صحافيين وشرطيان. وفي الوقت الذي تتوالى فيه الأنباء عن استسلام واحد من المهاجمين الثلاثة، الذين أعلنت السلطات الأمنية الفرنسية عن أسمائهم، فإنه لا يزال هناك مهاجمان هاربان. والمهاجمون الثلاثة هم شريف وسعيد كواشي (في الثلاثينيات من العمر) وحميد مراد (18 عاما).
ولكن أسئلة لا تزال تطرح حول الهجوم الذين نفذوه يوم الأربعاء. والسؤال المهم هو: من نفذ الهجوم؟
تقول صحيفة "فايننشال تايمز" إنه بناء على شهادات من شهود عيان كثر راقبوا الهجوم فإنه مختلف عن أي هجوم نفذ على الأراضي الأوروبية في السنوات الأخيرة.
ويصف التقرير المهاجمين بأنهم تصرفوا بحرفية، وبدوا هادئين وغير متعجلين لإنهاء المهمة، وكانت طريقتهم في التعامل مع الإسلحة وإطلاق النار تظهر ضبطا للنفس وخبرة تلقوها في مكان ما، كما أنهم كانوا خبراء ودقيقين في كيفية استخدام الذخيرة المتوفرة معهم، وعملوا كفريق، حيث كان واحد يغطي ظهر الآخر. وتتساءل الصحيفة: بماذا ينبئ هذا كله؟
ترى الصحيفة أن الهجوم خطط له بمساعدة منظمة إرهابية أجنبية، ولا يوحي بأن العملية "فردية"، أو تعبر عن مجموعة من الراديكاليين، الذين قرروا القيام بعمل انتقام أو احتجاج، وأنهم لم يتلقوا تدريبا أو توجيهات من الخارج.
ويجد التقرير أن مشاركة
فرنسا في التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد
الدولة الإسلامية، يعني أن الجماعات
الإرهابية في سوريا هي المشتبه به الرئيس بالوقوف وراء الهجوم.
وتبين الصحيفة أنه حتى الآن لم يثبت أن الهجوم من تدبير الدولة، التي تركز على بناء وجودها في كل من سوريا والعراق، فهي لم تلهم سوى مجموعة من الأفراد الذين تصرفوا بطريقة فردية سواء في بلجيكا أوكندا أو أستراليا، لأنها تتعرض للهجمات المستمرة فليس لديها الوقت الكافي لتصدير إرهابها إلى الخارج، ولا توجد أدلة قوية أو كافية عن قيام الدولة الإسلامية بتدريب أعضائها وإرسالهم للخارج وتكليفهم بعمليات إرهابية ضد المصالح الغربية.
ويلفت التقرير إلى أن هناك سيناريو آخر يشير إلى جماعات مرتبطة بتنظيم
القاعدة، مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أو جبهة النصرة في سوريا.
وتعتقد الصحيفة أن هذا السيناريو مقبول، خاصة أن تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري يحاول تأكيد قوته ومصداقيته بعد صعود الدولة الإسلامية. وزعم شاهدا عيان أن المهاجمين أعلنوا ولاءهم للقاعدة.
وينقل التقرير عن أحد سكان باريس، الذي تعرف على المقاتلين، قوله إنهم قالوا له إنهم جاءوا من اليمن، وهذا يشير إلى تنظيم القاعدة في اليمن، وهو الفرع المتخصص بتصدير الإرهاب للغرب.
وتنقل الصحيفة عن باتريك سكينر، المسؤول السابق في وحدة مكافحة الإرهاب بـ "سي آي إيه" قوله: "أول ما فكرت به هو أن القاعدة كانت تبحث عن تأكيد حضورها من خلال عمل كبير".
ويضيف سكينر، الذي يعمل في مركز استشارات صوفان، أنه بالمقارنة مع القاعدة فهجمات تنظيم الدولة أو المتعاطفين معه متساوقة مع أخلاقيات وطريقة تفكير التنظيم، وتقوم على العنف الفوضوي لتحقيق الصدمة، بحسب الصحيفة.
ويوضح التقرير أن السلطات الأمنية الغربية تخشى، ومنذ وقت طويل، الخطط الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، خاصة في ظل التركيز الدولي على الدولة الإسلامية.
وبحسب مسؤول أمني بريطاني فتنظيم القاعدة في اليمن كان ناشطا في الفترة الماضية، حيث عمل بدرجة كبيرة على تقوية صلاته مع تنظيم القاعدة في سوريا –جبهة النصرة. والسبب واضح، فالقاعدة في اليمن لديها الخبرة والحرفية للقيام بالعمليات، لكن جبهة النصرة لديها المقاتلون الأجانب وتدربهم للقيام بعمليات إرهابية في بلادهم، وفق التقرير.
وتذكر الصحيفة أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن القاعدة تفضل القيام بهجمات وتفجيرات، وليس عمليات إطلاق نار، كما أن القاعدة في اليمن مشغولة في هذه الأيام بمواجهة الجماعة الحوثية، التي تحاول السيطرة على البلاد.
ويعرض التقرير لرأي رفائيلو بانتوشي من المعهد الملكي للدراسات المتحدة، الذي يقول: "لا يمكننا التوصل لنتيجة حقيقية الآن، ولكن يمكننا القول إن هجمات كهذه تظهر التزاما قويا بالقضية التي يدافع عنها المهاجم، ومن أجل الوصول إلى هذه المرحلة فقد خضع المهاجم لعملية تدريب وتثقيف عميقتين".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن بانتوشي يخشى من حصول عمليات جديدة مثل هذه، ويقول: "يحاول البعض القيام بعمليات كهذه منذ فترة، وبعد نجاحهم فهناك خوف من قيامهم بعمل جديد، إلا إذا تم القبض عليهم".