نشرت صحيفة لوبوان الفرنسيّة تقريرًا حول صعوبة الحرب ضدّ داعش في ظلّ تواصل إقصاء
السنة في
العراق وسوريا، قالت فيه أنّ "التّنظيم لم يتقهقر كثيرًا خلال الستة أشهر الماضية رغم تصريحات وزيرة الدّفاع الأمريكية الجديدة أشتون كارتر التي قالت فيها إنّ هزيمته حتميّة، وإنّ
التحالف الدّولي الذي تقوده الولايات المتحدة يتقدّم بثبات أمام مقاتلي داعش".
فرغم أنّ التنظيم تكبّد خسائر ثقيلة أمام القوات الكرديّة في شمال العراق وبلدة كوباني السوريّة فإنّه لم يتراجع كثيرًا.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال الفرنسي فنسنت ديبورت أستاذ العلوم السياسيّة ومدير الكلية الحربيّة قوله: "حصل بلا شكّ احتواء وتجميد لتقدّم داعش، ولكن لم يتم استرجاع أيّ من المناطق التي يسيطر عليها".
ومنذ أغسطس الماضي شنّ التحالف 1383 ضربة جويّة في العراق و 1094 في
سوريا بقيادة الولايات المتّحدة التي تكفّلت بتسعين في المائة من الطّلعات بمفردها، رغم أنّ التنظيم يضمّ اثنين وثلاثين دولة من بينها دول خليجيّة وغربيّة وكذلك فرنسا، التي وصفت الصحيفة دورها بالثانوي في هذه الحرب، وذكرت الصّحيفة أنّ فرنسا يمكنها بدءًا من هذا الأسبوع الاعتماد على حاملة الطّائرات شارل ديغول التي تأوي 12 طائرة رافال وتسعة من طائرات "اللّواء الأعلى" ولكنّها قللت من أهمية هذه التعزيزات ونقلت عن الجنرال فنسنت ديبورت أنّ "فرنسا شريك ثانوي في الحرب على داعش بما أنّها شنت منذ الخامس عشر من سبتمبر الماضي حوالي مائة هجوم فقط أي بمعدّل أقل من هجوم واحد في اليوم، وعلى كلّ حال فالضّربات الجويّة لا تعني كسب المعركة على الأرض".
وقالت لوبوان إنّ "العمليات على الأرض تقوم بها ميليشيّات شيعيّة مدرّبة ومسلّحة من قبل إيران وقوات البشمركة من كردستان العراق التي تتلقى دعمًا غربيًا ووحدات حماية الشّعب الكردي المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، فيما تكتفي الولايات المتحدة بتوفير 1830 من الخبراء والمستشارين الميدانيين وتوفر إيران أفرادا من الحرس الثوري وأرسلت فرنسا حوالي خمسين ضابطا".
ونقلت الصحيفة الفرنسية تصريحًا لوزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان قال فيه إنّ "الإسناد الجوي لحلفائنا العراقيين والأكراد مكّن من حصر ديناميكية توسع تنظيم داعش وتقوية الخطوط الأمامية للقوات التي تواجهه، هذا كان هدفنا الأساسي وقد نجحنا فيه".
وفي هذا السياق أضاف بيتر هارلينغ من منظمة مجموعة الأزمات الدولية "أن حصر تقدم داعش على الأرض ليس صعبًا جدًا لأن التنظيم يواجه عراقيل طبيعية متعلقة بالجغرافيا والتركيبة السكانية لسوريا والعراق، ويجب أن ينصبّ التفكير الآن على إيجاد بديل لتنظيم داعش الذي يستغلّ التوسع الشيعي وتقدم الفصائل الكردية وجرائم النظام السوري للتسويق لفكره واجتذاب المقاتلين".
وقدّرت الصحيفة الفرنسية أن "التنظيم الإرهابي لم يخسر الكثير باعتبار أن سقوط آلاف القتلى في صفوفه تزامن مع نجاحه في تجنيد الآلاف أيضًا من القبائل السنية باسم محاربة الإمبريالية الأمريكية، وهذا أمر مقنع للسنة الذين تضرروا كثيرا من الغزو الأمريكي وعانوا من الهيمنة الشيعية على العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وهو ما دفعهم لمعارضة استبداد رئيس الوزراء نوري المالكي وقبول مقاتلي داعش عندما استولوا على مساحات شاسعة من غرب العراق في يوليو الماضي، ونفس الشيء بالنسبة للسنّة في شرق سوريا الذين رحبوا بالتنظيم في البداية واعتبروه مخلًّصا لهم ضد القمع الغاشم للنظام العلوي قبل أن يصابوا بخيبة أمل بعد تعدد العمليات الوحشية التي ارتكبها التنظيم".
ولكن قالت الصحيفة إن "الكثير من القبائل السنية تواصل دعم داعش إما لأغراض سياسية ومادية أو لأنها ترى أن القوات الشيعية والكردية أخطر عليها من إرهاب داعش، خاصة وأن دخول القوات الكردية والشيعية للمناطق المحررة من قبضة التنظيم تخللتها أحداث عنف طائفي".
ونقلت الصحيفة عن مريم بن رعد الباحثة في معهد دراسات الشرق الأوسط أنّ "العمليات الانتقامية ضد السنّة حدثت خاصة في ديالى شرق البلاد، فيما لعب الجيش العراقي الذي يقصي السنة من صفوفه دورا مساندا للميليشيات الشيعية".
وأضافت الصحيفة أن "الطابع الطائفي للجيش العراقي الذي أغرق البلاد في الفوضى يهدّد بإفشال الحرب ضدّ تنظيم داعش".
ونقلت الصحيفة عن القيادة العسكرية الأمريكية أن "الولايات المتحدة تستعد لشن هجوم بري في الربيع المقبل لتحرير الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية ذات الأغلبية السنية بالاستعانة بحوالي 20 أو 25 ألف رجل من البشمركة والميليشيات الشيعية وجنود الجيش العراقي، وسيمكّن استرجاع الموصل في حال نجاح العملية من تقوية العلاقات مع السكان المحليين وإظهار نتائج ميدانية ملموسة".
ولكن نقلت الصحيفة مخاوف الباحث بيتر هارلينغ من أن "المعركة ستؤدي لتدمير المدينة وتشريد السكان وفراغ سياسي في ظل غياب أي مخططات لإعادة الإعمار وملء الفراغ، وستؤدي بالتالي لعنف طائفي بين القوات الكردية والشيعية والسكان المحليين الذين يُنظر إليهم على أنهم احتضنوا التنظيم الإرهابي".
وقالت الصحيفة إن "الحقيقة على الميدان تشير إلى أنّ الحملة الدولية والضربات الموجهة لتنظيم داعش لم تؤد لشيء غير تقوية سطوة الشيعة والأكراد في العراق على حساب السنة، ولكن يبدو أن رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي لم يتعِظ من هذه المؤشرات الخطيرة، إذ نقلت الصحيفة في هذا السياق تصريح مريم بن رعد التي قالت إن "رئيس الحكومة الجديدة مثّل خيبة أمل كبيرة للطائفة السنية، وحتى لو تواصلت العمليات العسكرية فإنها لن تكون كافية في ظل موت المسار السياسي في العراق، وحتى لو تمت إزاحة تنظيم داعش عسكريا فإن فكره سيظل يجد من يحتضنه داخل القبائل السنية ما لم يتم تشريكها بجدية في العملية السياسية".