قبل شهور من لقاء الصديقين، ارتكبت العصابات الصهيونية مذبحة
دير ياسين وهي مجزرة يخجل إبليس نفسه من ارتكابها، ولم يكتف مجرمو العصابات الصهيونية بقتل الأطفال والنساء، بل اغتصبوا امرأة أمام والديها، ثم قطعوا أجزاء من جسدها ثم أحرقوا جسدها.
وأخذ الصهاينة بعض الناجين من المجزرة واستعرضوهم على عربات النقل، كانت تلك المجزرة الهمجية حاضرة في الأذهان حين التقى
عبد الناصر للمرة الأولى في قرية عراق المنشية، التي كانت تحاصرها العصابات الصهيونية، بصديقه يروحام كوهين الذي كان المقبور عبد الناصر (يتعاطف معه) كما قال هو شخصياً في حوار أجراه معه صحفي فرنسي في مجلة جون افريك، وأعادت مجلة روز اليوسف نشره سنة 1991 الذي قال فيه، "كنت أنا ومجموعتي نحتل مركزاً هاماً جدا والكابتن الإسرائيلي الذي واجهنا في هذا القطاع، وأنا ما زلت أذكر اسمه كان اسمه " يروحام كوهين "، وكان عندي تعاطف معه لأنه كان ضابطا جيدا".
ثم التقاه عبد الناصر بعد ذلك التاريخ بسنة في أثناء البحث عن المفقودين واستعادا ذكرياتهما المشتركة.
وشعور عبد الناصر بالإعجاب والتعاطف والصداقة لم يتوقف على ضابط مخابرات العصابات الصهيونية، بعد شهور من مذبحة دير ياسين، بل إن ذلك ((التعاطف)) استمر ملازما له طيلة حياته حتى مات سنة 1970.
ففي سنة 1954 وبعد وضع الرئيس محمد نجيب قيد الإقامة الجبرية، كان التعاطف قد تحول إلى خطابات غرامية ملتهبة تبادلها عبد الناصر مع رئيس الوزراء الصهيوني وقتها موشيه شاريت، الذي عبر فيه عن تمنياته بـ ((السلام)) بين ((الشعبين)) !!
بالمناسبة كانت إذاعة صوت العرب تبث بيانات وخطب حماسية عن اتحاد العرب لتدمير الكيان الصهيوني وعداوة عبد الناصر له، بينما كانت إذاعة صوت القاهرة باللغة العبرية تبث رسائل تطمين للكيان الصهيوني، فقد ذكر ثروت عكاشة أحد الضباط الأحرار الذي كان يشغل منصب الملحق العسكري في باريس، ثم سفيراً في روما الذي كان يتولى قناة اتصال ثانية بين عبد الناصر وناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، أنه تلقى زيارة في مكتبه بالسفارة المصرية في روما، من ناحوم جولدمان تحدث معه فيها عما أعلنته إذاعة صوت القاهرة باللغة العبرية، أنه عندما تتم وحدة الدول العربية ستجد إسرائيل نفسها بين خيارين؛ فإما أن تعيش معزولة وإما أن تندمج في هذه الوحدة.
وفي ذلك اللقاء أعرب جولدمان عن ترحيب حكومته بالاندماج في وحدة مع العرب، مع احتفاظ الكيان الصهيوني باستقلاليته وحريته.
ويبدو أن العسكر يتميزون عن غيرهم بالعواطف الجياشة تجاه الصهاينة، خصوصا إذا لم يكن الحديث يدور باللغة العربية التي يفهمها المصريون والعرب، فكما كانت عواطف عبد الناصر جياشة تجاه ضابط المخابرات الصهيوني على صفحات جريدة جون افريك الفرنسية، كذلك كانت عواطف
السادات رقيقة تجاه صديقه مناحم بيجن (الذي كان بالمناسبة قائد إحدى العصابات الصهيونية التي ارتكبت مذبحة دير ياسين).
ففي المؤتمر الصحفي الذي انعقد في ختام زيارة السادات للارض المحتلة ليتسول اتفاق استسلام من العدو الصهيوني، ختم السادات حديثه قائلاً : "أطيب تمنياتي لصديقي رئيس الوزراء بيجن وعائلته، وشكري العميق للشعب الإسرائيلي، الذي لن أنسى ترحيبه".
شاويش الانقلاب، ذهب أبعد من الاثنين، فجيش المعونة الأمريكية يرتكب كل يوم دير ياسين وبحر البقر جديدة، وهو يتبجح ويصرح لصحيفة كورييري ديلا سيرا، أنه سيضمن أمن إسرائيل ويقول لصحيفة أخرى أنه يتحدث كثيراً مع نتن ياهو.
الفارق بين (تعاطف) عبد الناصر و(شكر) السادات واخلاص شاويش الانقلاب، يتمثل في طبيعة المرحلة التي تتطلب تدرجاً، فعبد الناصر يمهد والسادات يوقع والشاويش يبيع سيناء.
المضحك أن نرى بعد كل هذا، بعض المساكين ما يزالون مصرين على الاستشهاد بعبارة (صديقي العزيز بيريز) التي وردت في خطاب بروتوكولي، نشرته على غير العادة الصحف الصهيونية ثم التقطته وسائل الإعلام في مصر (بخطة معدة مسبقاً) في محاولة تلطيخ اسم أول رئيس منتخب لمصر.
رحم الله شهداءنا في دير ياسين وبحر البقر وقانا والنهضة ورابعة والعريش !!