استغاث أستاذ البلاغة والنقد بقسم الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر محمود شعبان من سجنه، شاكياً سوء حاله ومرضه وشلله، واستعاذ بالله من التهم الملفقة له.
استنجد من سجن العقرب، بأساتذته في الأزهر لإسعافه، وإغاثة عائلته، بعد حجز رواتبه وتعويضاته، لكن قبل الحديث عن الكمين الذي أعدّه الإبراشي له في حفرة العاشرة مساء، وكاد له كيداً، سأقرّ : أنّ مصر لا تزال تسبق سوريا بعشرين سنة عادية غير ضوئية !
إعلامياً، لا يقرأ صحف النظام السوري بلغتها الخشبية، واسطوانة المقاومة والممانعة، ولا يتابع فضائياته الثلاث سوى مواليه وجماعته، ويحدث أن يتابعها صحفي، حتى ينقّب بحثاً عن فلتة لسان، أو حتى يضحك إلى درجة أن يستلقي على أم رأسه وأبيها، ليس من الفرح، بل من الألم، مثل الطير المذبوح، فبرامجها تصلح للتعذيب العقلي، وتسبب الشلل الأحادي والخماسي و"الاثنا عشري"، ويمكن أن نرى مانشيتات صحيفة قريباً تقول:" لقي مجموعة سوريين حتفهم "مجلوطين" بحامض القهر بعد مشاهدة نشرة الأخبار.
على سبيل المثال، بثّ التلفزيون السوري حواراً مع الطفلة السورية روان قداح، اعترفت فيه بجهاد النكاح وسفاح المحارم، ولم يبق َسوى أن تقرّ بتزوير العملة، وقتل كيندي و.. ظاهرة "الصوبا".
والأمثلة من هذه كثيرة جداً، فزينب الحصني اعترفت بالاعتراف نفسه، ورأينا جثة أول ضابط سوري منشق ومخطوف من تركيا في الصور، بعد ظهوره معترفاً على التلفزيون؛ لبيان الفرق بين إعلام النظام السوري وإعلام العسكر المصري، أقول: لو كان توفيق عكاشة سورياً، وصرح أنّ
الأسد سيسقط في يونيو بعد ستة أشهر، لمات تحت التعذيب، واعترف بنكاح الجهاد وسفاح المحارم وقتل كنيدي وثقب سدّ مأرب!
إنّ التعدد والتنوع نعمة، وفضائيات مصر كثيرة، وليست ثلاثاً مثل فضائيات النظام السوري، التي تذكّر بعدد الطلقات، آخرها بائن لا رجعة فيها، سوى بالزواج من زوج ثان، أو تيس مستعار من إيران، مع أنها فضائيات "توائم سيامية"، وأعتقد أنّ الفضائيات النباحة المصرية استطاعت بنباحها إسقاط مرسي، وسلّته كما تسل الشعرة من العجين الأبيض، ونزعته من السلطة بسلاح السخرية. تصوّر معي عزيزي القارئ، أسداً برياً اصطاد صيده بالانتخاب الحر والنزيه، تحت الشمس، وتنبح من حوله عشرات الكلاب المسعورة، فإنه غالباً ما سيترك الفريسة للكلاب، ويغادر، وهو يمشي على أطراف أصابعه من التيه والفخر والكبرياء، وهو يزعم أنّه شبع من الفريسة، ويتجشأ تخمة.
بات في حكم المعروف أنّ الإعلام هو الذي يقود العالم، لكن ليس إلى درجة أن نقول مثل همنغواي "وداعاً للسلاح " فالسلاح كثير في المستودعات الغربية، ويفيض عشرين مرة عن حاجة سكان الكوكب للموت الصناعي. قيل لكرومويل: إنّ تسعة من عشرة من الشعب ضدك فقال: المهم أنّ العاشر معي، ومعه مسدس. لم يكن في عصره إعلام وفضائيات وإذاعات وإلا لاستغنى عن المسدس، أو ادّخره لغزو ليبيا، وضرب قطر.
لا نجد في الإعلام المصري، مقابلات مع معارضين مثل مرسي أو حجازي أو البلتاجي، وهم يعترفون على الهواء الصلب "بأنّه نادم"، وصرف "كل الأموال التي سرقها على الملذات الشخصية"، كما تقول جملة شهيرة في برنامج سوري مرحوم، وأنّه يقبض من الخارج، أو أنّه كان يدير ملهى ليلياً، أو أنّه قاد كتيبة جهاد النكاح في رابعة، أو أنّه تبين له حقاً وصدقاً أنّ
السيسي رسول من رسل الله، وهو أحقُّ بالولاية من مرسي العياض.
صحيح أنّنا رأينا في بداية الثورة المصرية مقابلات مع وجوه مشفرة تعترف بقبض أموال، وكنتاكي وحبوب هلوسة، لكنّ الشعب المصري، وإعلامه أكثر وضوحاً من الإعلام السوري الباطني بسنوات ضوئية. فحتى أتفه برامج الثرثرة المصرية مثيرة ومبهجة ومسلية، وأحياناً تنقلب إلى أفلام تشويق وإثارة أكثر من أفلام هوليود وبرامج اللهو اليابانية "الحصن"، على سبيل المثال؛ استضاف المفوّض كولومبو الإبراشي محمود شعبان، في مصيدة العاشرة مساء، بعد اتهامات للأخير، بالتحريض على القتل، فلبى أستاذ البلاغة المفوه، التقي، الوضاح، صاحب الجملة العذبة، والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة؛ الدعوة، وجاء ليثبت براءته، فدخل السجن. جاء واضعاً روحه على كفه وهو يحمل حقيبة "عدة السجن"، احتياطاً للكمين، وتحدى الإبراشي أنّ يعثروا له على كلمة، أو فيديو يحرض فيه على القتل فهو يحرم على الدماء شعباً وجنداً، لكنّ الإبراشي كان قد مكر مكراً، وأعدّ له مكائد كثيرة، وكلما نجا من كمين سأله الإبراشي: أنت تقرّ بشرعية السيسي أم لا، فيهرب من السؤال بذكاء؟ فراح يهينه ويذلّه، و"يدعوشه"، وكلما همّ شعبان بالدفاع عن نفسه قاطعه المضيف اللئيم، إلى أن بلغ به الحد إلى تمديد الحلقة نصف ساعة من أجل الهدف الذهبي، الذي ستسجله المخابرات على باب الاستديو؟
استطاع شعبان مصارعة ستة من زبانية الإعلام والسلطة، وهو مكموم الفم ومقيد اليدين مثل بطل فلم "جلاديدتور"، حيث هجم عليه أعضاء "كتيبة الإبراشي"، وهم على التوالي: وزير الأوقاف مختار جمعة الذي كرر مصطلحات الخوارج، وداعش والتنظيم الدولي للإخوان (هذا المصطلح يوحي بأنّ إسرائيل جمعية خيرية)، ثم اتصل بالبرنامج قائد ثورة يوليو، ومؤسس حزب تمرد ومصنع البسكويت ثم الإعلامي مفيد فوزي الذي لا يريد أحلام مزعجة بضيوف كهؤلاء، ثم نقيب الصحفيين ضياء رشوان ثم جمال زهران، إلى أن هجمت المخابرات على الاستديو؛ مسكاً للختام.
قبل أيام استضاف المفوض كولومبو على الهاتف رامي كامل "رئيس مؤسسة شباب ماسبيرو" بعد بيان أصدره يدعو إلى جنازة شعبية على ضحايا ليبيا بيد داعش، فاعتبره الإبراشي بياناً مسموماً في"هذه اللحظات الحرجة" التي يجب أن تتوحد المعارضة والحكومة صفاً واحداً وراء الرئيس "المفدّى"، من غير أي نقدٍ أو همس، خاصة أنّ ليبيا كلها معه في الاستدويو ممثلة في ضيفين مجهولين يتحدثان اللهجة الليبية ممصرة.
خلاصة القول: إنّ الجنازة الشعبية ممنوعة، خوفاً من المندسين، وتحولها إلى مظاهرة. نجا رامي كامل من الاعتقال، إما لأنّه خفف من لهجته، وآثر مغازلة السلطة، والأستاذ الإبراشي معاً، أو لأنّه كان يتحدث من الهاتف من على بعد، ولم يكن في تخشيبة الاستوديو، أو لأنّه قبطي. أما شعبان، فقد أصيب بالشلل "والرماح نواهل من دمه"، وها هو من معتقله يستنجد بالأزهر، والأزهر مشغول بالحرب على ليبيا وخوارج الداخل والعالم وكوكب زوزيكا، وتصحيح مناهج الأزهر، وربما غداً تصحيح "صحيح البخاري ومسلم "وإبداله بـ"صحيح الإبراشي و مجرم".