لا شبه بين سلمان بن عبد العزيز وصدام حسين وإن كان كلاهما ملكيان حكماً وسلطاناً مع اختلاف التسميات! وكان الأخير قد علق في حرب مع إيران، من غير إعداد أو اتفاق مع الدول العربية، وأجبر الخميني على جرع السم بعد ثمان سنوات من الحرب وملايين الضحايا التي أجهدت الطرفين، لكن
العراق هو الذي ينازع الموت الآن مقتولا بالسم الإيراني بينما تنبعث إمبراطورية كسرى من جديد، فهي تصدّر "ثورتها" الإسلامية بنجاح غير مسبوق إلى أربع دول عربية، فبات المسلمون هم الكامخ بين الشاطر إسرائيل والمشطور كسرى ئيل.
وصف إعلام البعث العراقي إيران في حربه القومية بالمجوسية لأنه لا يستطيع أن يستفيد من تطييفها بحكم كون الشيعة جزءا كبيرا من شعب العراق. والملاحظ أن إعلام المملكة
السعودية الذي يوصف بالوهابي من خصومه لا يني يصف إيران بالمذهبية والطائفية، إلا أنه لا يستفيد من الطائفية التي يمكن أن تكون ميزة إيجابية بشرط العدل كما يستفيد اليهود من دينهم الذي بنوا به دولة يهودية، فقناة "العربية" السعودية على سبيل المثال لا تكفّ عن التشهير الطائفي بالشيعة وإيران، لكنها أكثر علمانية من إعلام صدام حسين نفسه، بل إن العربية تتفق مع الإعلام الإيراني مثلا في موالاة السيسي –بسبب جاذبيته للنساء والرجال ولدانا وشيبا- ومحاربة الربيع العربي حتى يخيل إليك أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما. طائفية السعودية مبسترة وخالية من الدسم. إنها طائفية حدود وتاج لا طائفية وجود ومنهاج مثل طائفية إيران التي تغار على رعاياها في جنبات الأرض العربية.
الطائفية في الأدبيات السياسية المعاصرة مصطلح يشاكس الوطنية والمساواة والعدل، فالطائفي شخص يمالئ طائفته ويحابيها ويعادي طائفة أخرى تشاركه المكان والهوية العامة. يمكن أن يكون المواطن طائفيا، لكن إن تحولت الطائفية القاتلة إلى منهاج ظلم مضمر أو معلن في مؤسسات الدولة فتحولها إلى عصابة مقنعة بزي رسمي نرى آثار سلبها ونهبها وسفكها للدم في سورية والعراق. وإذا قارنا طائفية قادة العالم السني، بطائفية قادة العالم الشيعي سنجد أن إيران تطبق التعريف الطائفي البسيط أعلاه وأن السعودية حكومة ودولة وخطاباً تعادي الدعوة الشيعية وتنكرها، لكنها لا توالي طائفتها السنية الممتدة في العالم، بل إنها تشترك مع إيران في بغضِ طليعتها، فهي تعادي معظم التيارات الإسلامية المتطرفة مثل القاعدة وابنتها داعش.. والوطنية المجاهدة مثل حماس، والمعتدلة والعادلة أيضا مثل الإخوان المسلمين، بدليل أنها ساكتة عن حبس ربيبها السيسي لغزة السنيّة المحاصرة منذ ما يقارب العقد وتكتفي ببعض التبرعات المالية، بينما تستحلب إيران شرعية دينية من وراء دعم حماس، كما تصمت السعودية عن قتل وتدمير أهم جماعة إسلامية في العالم والتنكيل بها إلى درجة الحرق أمام الرأي العام! لإيران عدوان هما المشروع الإسلامي "السني" والغرب، ويمكنها أن تتعايش مع الغرب القوي بالاتفاقيات لكن عداواتها للسنة عداوة لداء. بينما للسعودية عدوان هما الشيعة والإسلام السني، والثاني كان العدو الأول ولازال، والعدو الثالث إسرائيل (لن نضع علامة تعجب) يرجع للخلف درجة أو عشرة، فالسعودية والعرب قبلوا معها بالمساكنة لاكتفاء إسرائيل باحتلال القدس بينما احتلت إيران الفارسية أربع دول عربية من غير سلاح ولا كفاح، وتطمح إلى احتلال الكعبة لتعلق صورة الخميني عليها وتصبح مفاتيح الجنة الأرضية والسماوية بيدها!
عداوة إسرائيل تختفي في خطاب السعودية، وخطاب دعاتها وشيوخها وأئمتها الذين لهم رمزية وكرامة بسبب قربهم من الحرم المكي وهالته المقدسة والمباركة، لكن الواضح أن أكثرهم على دين ملوكهم. وقد قام المٌلك السعودي على أسس معروفة، والملك السعودي الجديد سلمان تعهد بالمحافظة عليها، ولم يبدر منه ما يفيد بأنه سيقطع مع الانقلاب في مصر آفة العالم العربي والإسلامي الكبرى، وإن كان ثمة إشارات تدل على أنه سيهادن تركيا السنية التي أطلقت بديلا ديمقراطيا إسلاميا يرعب الملوك العاضين على لحم البلاد العربية.
عادت الملكية السعودية الربيع العربي عداء شديداً إلى أن بلغت نيران إيران حديقتها الخلفية فأطلقت عاصفة لا تزال في السماء، والمسلمون السنّة يحسبون ورم حزم شحماً، ويبنون عليها أحلاما كبيرة مع أنها عاصفة موضعية. ويعتقد أن العاصفة ستجلب بذور الربيع العربي في الخليج رغما عن إرادتها، لكننا نتذكر بألم أنها هي التي استقبلت زين "الهاربين" بن علي، الذي حارب الإسلام في تونس كما لم يحاربه أبو لهب، وهي التي أسعفت علي عبد الله "طالح" الذي تحاربه الآن، وهي بدعوة الوهابية المنكرة للأضرحة والأصنام والبدع، تستحوذ على كل هذه الفضائيات التي تصنع الأصنام البشرية والبدع المنكرة من عرب آيدول وريلتي.. وغيرها من الأوثان! وأوثان الحجر أرحم من أوثان البشر.
اعتبر شيوخ ودعاة وأئمة ومثقفون حزم تحقيقا لحلم منتظر، وأنها أرسلت رسائل أمل كبيرة للشعوب الإسلامية المنكوبة وتأمل في أن تتحول إلى هواء يتنفسه المسلمون والعرب فالسعودية قوة مالية ورمزية كبيرة، لكن خطابها الإسلامي ضعيف وشبه معدوم، وهي تستبدل الإسلام بمصطلح الدين الذي تحبسه في شعائر ومناسك الحج والعمرة وتطبيق الحدود على الضعفاء غالبا، وتكاد حزم أن تكون عاصفة شبه معقمة من التعبئة العقائدية قوميا أو إسلاميا إذا ما قارنّا بالإرث الغنائي الحربي والقومي والتمجيدي الكبير الذي تركه البعث العراقي الصدامي الدكتاتوري، وثمة شكوك في قوة التحالف، وخوف من نكوص مصري عنها، بل إنّ الإعلام الإيراني يطمع بأن يحيد مصر الانقلابية أو يضعفها، فثمت إشارات تنبعث من الإعلام الانقلابي في مصر تشير إلى أنها يمكن أن تخدم "مسافة السكة" لمن يدفع أكثر، وأن مصر باتت تلعن الصحابة ومثل إيران، فسبحان من جميع الشتيتين بعد أن ظناّ كل الظن ألا تلاقيا، بل إن العاصفة الخجولة الطائرة تشير إلى أن السعودية ستعيش مع إيران في زواج مساكنة أو مسيار أو متعة بشرط طلاق
اليمن طلاقا بائنا.. بينونة صغرى.