نشرت صحيفة إلدياريو الإسبانية تقريرا حول الزيارة الأخيرة للرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي لإسبانيا، اتهمت فيه الحكومة والملك بتجاهل قمع الحريات واضطهاد المعارضة في مصر، وشبهت فيه السيسي بالدكتاتور التشيلي الراحل، أوغستو
بينوشيه، الذي انقلب على الرئيس المدني المنتخب، وأرسى حكما عسكريا دمويا ذهب ضحيته الآلاف من التشيليين.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن لقاء الملك فيليب السادس والحكومة الإسبانية بقيادة ماريانو راخوي مع السيسي، أثار سخطا كبيرا؛ لأن تقارير دولية عديدة تتهمه بممارسة القمع والعنف ضد المعارضة، وعلى رأسها تقرير هيومن رايتس وتش، الذي طالب بفتح تحقيق حول ارتكابه جرائم ضد الإنسانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ردود الفعل أتت سريعة من الجالية المصرية في إسبانيا التي احتجت على الزيارة، ونقلت عن يحيى حامد، وزير الاستثمار السابق في عهد الرئيس مرسي والمتحدث باسم الإخوان المسلمين في المهجر رفضه هذه الزيارة، حيث قال إن "إقامة عشاء على شرف السيسي تمثل يوما أسود في تاريخ الديمقراطية. كيف يسمح الملك والحكومة لأنفسهم باستقبال شخص نفذ انقلابا عسكريا، وتلوثت يداه بدماء آلاف المصريين".
وقال يحي حامد للصحيفة: "حكومة وملك إسبانيا استقبلا نسخة جديدة من أوغستو بينوشيه". وأضاف: "جماعة الإخوان المسلمين تتميز بالسلمية، ولكن الحظر الذي تعرضت له في مصر، والاضطهاد والمحاكمات الجائرة، أدت ببعض الشباب للميل نحو التطرف والعنف، ولكننا لا زلنا على موقفنا من رفض العنف والتطرف، كما أن الاعتقالات العشوائية والجماعية دفعت بالكثيرين لمغادرة البلاد عبر الهجرة السرية على متن ما يسمى بقوارب الموت".
كما أشارت الصحيفة إلى بيان صادر عن "ائتلاف المعارضة المصرية في المنفى"، انتقدت فيه "استقبال رئيس يداه ملطختان بالدماء، وخضوع الملك والحكومة الإسبانية لإملاءات الشركات التجارية التي لها مصالح اقتصادية في مصر، وتجاهل ضرورة مقاطعة الأطراف التي قامت باغتيال مرحلة الانتقال الديمقراطي". ودعا البيان إلى تعريف الرأي العام الإسباني بالوجه الحقيقي لهذا النظام الذي يمارس الاضطهاد ضد كل التيارات المعارضة في مصر، على اختلاف توجهاتها، ويرتكب عمليات الخطف والقتل دون محاكمة قانونية، من أجل إرساء دولة الخوف والصمت".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا البيان حمل توقيع حزب العدالة والتنمية المصري، والحزب الإسلامي المعتدل "الوسط"، ومها عزام عضو "مجلس الثورة المصري"، وأحمد بكري من اتحاد الطلبة المصريين.
وبحسب الصحيفة، فقد شهدت مصر منذ "انقلاب السيسي" وفاة 3 آلاف شخص بسبب العنف الذي تمارسه قوات الأمن ضد المتظاهرين، كما تعرض عشرات الآلاف للسجن، بعضهم تمت محاكمته بتهمة التظاهر أو الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، التي تم حظرها من السيسي.
وأضافت أن جميع أطياف الشعب المصري كانوا عرضة للقمع، على غرار النشطاء اليساريين والليبراليين والاشتراكيين والعلمانيين، ومن بينهم الشابة يارا سلام، والمدون علاء عبد الفتاح ، وسناء سيف الناشطة ضمن مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية".
وقالت الصحيفة إن العديد من المنظمات الإنسانية، على غرار منظمة العفو الدولية، دعت حكومة ماريانو راخوي للتطرق خلال اجتماعها مع السيسي إلى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ولكن الحكومة استغلت هذه الزيارة من أجل توقيع اتفاقيات مع الجانب المصري للتعاون في مجالي الأمن والبنية التحتية.
وتضمنت هذه الاتفاقيات عقدا ينص على مشاركة الشركات الإسبانية في إنشاء خط نقل سريع سيربط القاهرة بالأقصر، بالإضافة إلى مشروع طريق القاهرة والإسكندرية الذي تم البدء فيه بمشاركة الشركات الإسبانية، منذ أن كان "
الدكتاتور السابق مبارك في السلطة"، وتعطل العمل فيه عند اندلاع الثورة المصرية.
وأوردت الصحيفة أنه بعد اجتماعه بوزير الخارجية ووزير الاقتصاد وبعض رجال الأعمال الإسبان، تحول السيسي إلى القصر الملكي لتلبية دعوة الملك فيليب السادس لحضور مأدبة عشاء على شرفه. وقد أكد الملك خلال هذا اللقاء "الدور المهم الذي تؤديه مصر لضمان الاستقرار والتوازن في منطقة الشرق الأوسط، كما لاحظت أن الملك والحكومة تجنبا خلال تصريحاتهما التطرق لانتهكات حقوق الإنسان في مصر.
في المقابل أوردت الصحيفة أن كاتب الدولة المكلف بالشؤون الخارجية، إغناسيو إيبانيز، أكد أن "المواضيع المتعلقة باحترام حقوق الإنسان تم التطرق إليها خلال المباحثات بين الجانبين، وحذر من وجود انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في مصر".
وبحسب الصحيفة، استغل السيسي هذه الفرصة كعادته للظهور كمحارب للإرهاب والتطرف والكراهية، كما كان يفعل من قبله "الدكتاتور حسني مبارك"، الذي أظهر تأييده للفريق السيسي. وأضافت أن الاستبداد الذي طبع فترة حكم مبارك كان قد أدى إلى جنوح البعض نحو التطرف، وأدى أيضا لانخراط المجتمع المصري في ثورة سنة 2011. كما أن الاضطهاد الذي يمارسه السيسي الآن ضد بعض الشباب على خلفية أفكارهم، دفع بهم للتفكير في اللجوء للعنف.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الزيارة تأتي في إطار اعتراف الولايات المتحدة وأوروبا بهذا النظام العسكري، حيث قامت واشنطن بتجديد دعمها السنوي للجيش المصري الذي يبلغ 1.3 مليار دولار، وهي ثاني أكبر مساعدة عسكرية تقدمها الولايات المتحدة، بعد إسرائيل. وأشارت أيضا إلى أن السيسي الذي نظم انتخابات بعد الانقلاب، فاز فيها بكل أريحية، يحظى بدعم القصر السعودي.
ووصفت الصحيفة هذه الجولة التي يقوم بها السيسي في إسبانيا واليونان وقبرص، بأنها "حملة لتبييض صورة النظام الحاكم في مصر"، الذي قبلت الدول الغربية بالتعامل معه في إطار سياسة "الواقعية".