شهدت الحرب في
سوريا استخدام أنواع عديدة من الأسلحة، فصنع نظام الأسد كل ما يمكن أن ينفجر ويدمر ويقتل، وألقاه على الناس إما عن طريق البراميل المتفجرة، أو عن طريق إرسالها بصواريخ الكاتيوشا أو مثيلاتها حيث تستخدم الصواريخ كناقلة للشحنة القاتلة المكونة من إسطوانة أوكسجين محشوة بالشظايا والمواد المتفجرة، وتحدث دمارا هائلا عند انفجارها.
في المقابل، لم يتوفر لدى الثوار سوى الأسلحة الفردية الخفيفة والمتوسطة، وبعض مضادات الدروع القديمة الطراز والتي طورت معظم المدرعات لمقاومتها.
وكما العادة في كل الحروب، كان الابتكار ضرورة للمقاومة والبقاء، فلجأ الثوار إلى عدد من الطرق لمواجهة الآلة العسكرية المتكاملة التي يمتلكها النظام، بينها المدافع والقذائف المصنعة محليا.
لكن كل ذلك لم يكن كافياً لمواجهة القصف العنيف والقنص والطيران الحربي، فقام الثوار بحفر
الأنفاق التي اكتشفو فيما بعد أنها ليست مفيدة للتنقل فقط، بل يمكن استخدامها للتخفي عن العدو والوصول إلى مناطق تمركزه والتسلل إليها أو تفجيرها، فتحولت الأنفاق إلى سلاح نوعي في غاية الأهمية للثوار. لن هذا التكتيك بات يستخدم من قبل قوات النظام السوري أيضا.
ففي حي جوبر
الدمشقي، صمم الثوار شبكة معقدة من الأنفاق المخصصة لعبور الأفراد، ساعدت بشكل فاعل على استمرار صمود الحي لأكثر من عامين ونصف العام أمام محاولات النظام اليومية لاقتحامه.
ومنذ أيام قامت عدة فصائل في الحي بهجمة عسكرية للسيطرة على عدد من النقاط الهامة التي تتمركز فيها قوات النظام على أطراف الحي، لكن من الصعب اقتحام تلك المناطق بشكل مباشر بسبب المدرعات الثقيلة، والحشود الضخمة التي تتمركز فيها، فلجأ الثوار إلى حفر نفق بطول 150 مترا للوصول إلى الخطوط الخلفية لقوات الأسد، والتسلل لاستغلال عامل المفاجأة، وهو ما تحقق بالفعل، فقتل العشرات من جنود النظام، وأسر خمسة قتلوا لاحقا في غارة جوية لقوات الأسد، فيما سيطر الثوار على مساحة كبيرة من المنطقة.
لم تنته المعركة عند هذا الحد، فاكتشف الثوار أثناء التمشيط شبكة أنفاق قامت قوات الأسد بحفرها للتنقل والتخفي ومحاولة الوصول إلى مناطق سيطرة الثوار.
ودفعت ضراوة المعارك والغطاء الناري العنيف لقوات الأسد؛ الثوار لتفخيخ كافة الأنفاق وتفجيرها خشية استعادتها واستخدامها مرة أخرى من قبل النظام، الذي سارع هو الآخر لاستهداف أنفاق الثوار بصواريخ الفيل ذات القدرة التدميرية العالية لمنعهم من التنقل فيها.
لكن لم تكن جوبر الوحيدة التي استخدمت الأنفاق كسلاح ضد قوات الأسد. ويقول الناشط عبد الوهاب، في حديث مع "عربي21"، إن ثوار
داريا استخدمو الأنفاق في عدد من العمليات ضد قوات الأسد، وتم أسر عدد من جنود النظام ممن وجدوا في أنفاق تابعة لهم.
وتشهد المدينة بشكل دوري تفجيرات للأبنية عبر أنفاق حفرها النظام، حيث يهاجم الثوار بين الحين والآخر هذه الأنفاق ويتسللون إليها.
وأوضح الناشط أن العشرت من قوات الأسد قتلوا على يد الثوار عندا كانوا يتحصنون داخل تلك الأنفاق، حين قام الثوار بتفجيرها، كما يتم أحيانا يتم إغراقها بالماء. وأشار إلى أن قوات النظام تستخدم المعتقلين والشبان ممن يتم خطفهم من العاصمة؛ في حفر الأنفاق، كما يستخدم هؤلاء المعتقليون كدروع بشرية أثناء العملية.
وفي برزة، يقول مهند الشامي، في حديث لـ"عربي21"، إن الأنفاق ساهمت بشكل كبير جدا في استمرار صمود الحي إلى حين توقيع الهدنة، فعملت على تغطية تحركات الثوار في حي برزة المكشوف من جميع الجهات على ثكنات عسكرية ومناطق الشبيحة.
ولفت الشامي إلى أنه أثناء الحصار عملت قوات الأسد على حفر نفق ضخم تحت منطقة ضهر المسطاح التي كانت محور الاشتباكات اليومية ، عندما كانت تحاصر الحي منتصف العام 2013، وزرعت في النفق كميات كبيرة من المواد المتفجرة ثم فجرته، مما أدى إلى حدوث هزة أرضية حقيقية شعر فيها جميع سكان العاصمة.