تقول صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" إن الجيش السوري الحر قد تلقى رعاية من الولايات المتحدة، ولكن صعود المتشددين الإسلاميين أجبر الأردن، الذي يدعم المعارضة السورية ويسهم في استقبالها وتدريبها، على التحول في سياسة مكافحة الإرهاب.
ويقول تايلور لاك في تقريره إن الأردن دعم خلال الأربعة أعوام الماضية المعارضة السورية، لكن الإنجازات التي حققتها المعارضة في الآونة الأخيرة لم تكن مصدرا لارتياح عمّان، التي تخشى من الدور الذي تؤديه الجماعات الإسلامية المتشددة، ما قد يدفع الحكومة الأردنية لقطع الدعم عن المقاتلين.
وينقل التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، عن المسؤولين الأردنيين قولهم إن أولوياتهم قد تغيرت بعد سيطرة المقاتلين على معابر حدودية، كان آخرها معبر جابر، من الإطاحة بالنظام السوري لبشار الأسد إلى نقل المعركة للجماعات الجهادية، وبينها تنظيم الدولة في العراق والشام.
وتبين الصحيفة أن الأردن يخطط لتدريب أبناء العشائر في شرق
سوريا من أجل مواجهة
تنظيم الدولة. وتنسجم هذه الاستراتيجية مع الحملة التي تقودها الولايات المتحدة، وتهدف لتدريب مقاتلين سوريين لمواجهة تنظيم الدولة أولا، قبل توجيه أسلحتهم ضد نظام
الأسد.
ويجد الكاتب أن الخاسر الأكبر من التحول الأردني هو الجيش السوري الحر، الذي يضم عددا من المنشقين عن النظام ممن يعيشون في الأردن، وقد دعمت الولايات المتحدة ودربت بعض فصائله. ويأتي الموقف الأردني في وقت بدأ فيه الجيش السوري الحر، الذي عاني من انقسامات وخلافات، بتحقيق انتصارات ضد النظام، ولكن من خلال التعاون مع المتشددين الإسلاميين، الذين يرى الأردن فيهم تهديدا له.
وتنقل الصحيفة عن المحلل والخبير في الحركات الجهادية حسن أبو هنية قوله: "هناك خوف وإحباط في الأردن من أنه بدلا من وجود القوى المعتدلة، فقد أدى دعم المقاتلين في الجنوب إلى تقوية الجماعات المتشددة، مثل تنظيم القاعدة". ويضيف أبو هنية أن "هناك رأيا يقول إنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على المقاتلين السوريين بعد أربعة أعوام من القتال".
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة خففت أيضا من تعاونها مع الجيش السوري الحر، رغم أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بدأت خططها للتدقيق في المرشحين للتدريب ضمن برنامجها. وقد أبعد العسكريون الأمريكيون أنفسهم في الشهور الأخيرة عن الجيش السوري الحر، وقالوا إن التدريب لن يشمل إلا الجماعات المعترف بها، دون تحديد إن كان الجيش السوري الحر من ضمنها.
وتذكر الصحيفة أن البنتاغون تخطط لتدريب 5400 من "المعتدلين" السوريين في السعودية وتركيا وقطر، وهناك 400 قيد الفحص قبل بدء التدريب، بحسب ما قالته المتحدثة باسم البنتاغون الكوماندر إليسا سميث.
ويلفت لاك إلى أن المكاسب التي حققها المقاتلون السوريون في 4 نيسان/ إبريل، وسيطرتهم على معبر نصيب آخر المعابر الحدودية التي تربط دمشق بعمّان، والخسائر اللاحقة في إدلب وجسر الشغور، قد أثارت الشكوك حول قدرة النظام السوري، وأنه يعاني من انهيار داخلي، لكن الأردن عبر عن مخاوفه بعدما تأكد أن الجماعة التي تقود المعارك هي
جبهة النصرة، التي تمثل تنظيم القاعدة في سوريا. فلأول مرة يصل الجهاديون إلى الأراضي الأردنية.
ويورد التقرير أن مصادر الجهاديين تقدر عدد مقاتلي جبهة النصرة في الجنوب بحوالي عشرة آلاف مقاتل، وهم أقل من 60 ألف مقاتل يتبعون الجيش السوري الحر. ورغم أن هذا الأخير لديه قوات أكبر، إلا أنه يعتمد في معاركه مع النظام، كما حدث مع معبر نصيب، على جبهة النصرة.
وبحسب قادة في الجيش السوري فقد أصبحت الحركة بين سوريا والأردن بعد سقوط معبر نصيب صعبة، ومنعت السلطات الأردنية دخول قادة بارزين في الجيش الحر إلى الأردن.
وتنقل الصحيفة عن أحد قادة الجيش الحر أسعد الزعبي، قوله: "لا تزال الحدود مغلقة، وتركت قواتنا لتدافع عن نفسها". وبحسب الزعبي، فإن المقاتلين يتلقون الحد الأدنى من الدعم من السعودية، التي كانت مع قطر وتركيا من أكثر الداعمين الذين يوثق بهم.
ويقول الكاتب إنه لا يعرف ماذا يعني التحول في الموقف الأردني وأثره على الجيش الحر، الذي تلقى دعما لا محدودا من الأردن، وسمح لقادته بالإقامة في عمان، ووفر حركة غير مقيدة لإرسال السلاح إلى المقاتلين، وسمح للمخابرات الأمريكية بتدريب المقاتلين في معسكرات أردنية.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن نيك هيراس من المركز الأمريكي الجديد للأمن، قوله إن الأردن تبنى موقفا حذرا ومدروسا من سوريا، على خلاف الدول التي حاولت الإطاحة بنظام الأسد عبر وكلاء لها هناك. فمنذ البداية لم "يقدم الأردن وعودا للمقاتلين، وأجبرهم على توضيح نواياهم، ولم يعطهم أهمية أكبر من حجمهم" .
وتبين الصحيفة أنه خلال العام الماضي ركز الأردن جهوده عل احتواء الحركات الجهادية بدرجة أقل من هزيمة الأسد. وشدد الموقف الرسمي الأردني على أهمية التوصل إلى حل سياسي.
ويفيد التقرير بأن المراقبين يقولون إن تركيز واشنطن على قتال تنظيم الدولة يعد عاملا في تحول السياسة. فالأردن يعد من الدول المتلقية للدعم الأمريكي، وهو جزء من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وأدى القبض على طيار أردني في الرقة وحرقه حيا إلى تأجيج الغضب الشعبي، وتعهد الملك الأردني عبدالله الثاني بمواصلة قتال التنظيم.
ويكشف لاك عن أن العامل الآخر هو قلق الأردن من وقوع الدعم والسلاح، الذي يقصد وصوله إلى الجماعات المعتدلة، في يد المتشددين. ويقول عضو مجلس الأعيان ووزير الخارجية السابق جواد العناني، إن "أولوية الأردن وأولوية الولايات المتحدة هي مكافحة الإرهاب، أي داعش". ويضيف أن "الأردن لم يعد راغبا بالانجرار لدعم هذا الطرف أو ذاك في النزاع".
وتبين الصحيفة أن الأردن الآن حرف نظره باتجاه القوى التي لم تتلوث بالفساد، أو بالعلاقة مع الجهاديين، ويحاول الوصول إلى القبائل السورية والمدنيين. ويقدم الأردن الدعم لهم من أجل استعادة قراهم ومدنهم، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وينقل الكاتب عن المتحدث باسم الحكومة الأردنية ووزير شؤون الإعلام محمد المومني، قوله: "نقوم بمساعدة المدنيين والقبائل في شرق البلاد كي يستعيدوا بلداتهم وقراهم من تنظيم الدولة". ويضيف "هذا هو أمر جديد وجهد دولي لمساعدة الشعب السوري، وجزء من الحرب على الإرهاب والمنظمات الإرهابية".
ويظهر التقرير أن مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية رفضوا التعليق على برنامج التدريب الأردني للقبائل، لكن المسؤولين الأردنيين يقولون إن جهودهم هي جزء من الجهود الأمريكية والدولية للبحث عن شركاء لهم في سوريا مستعدين لقتال تنظيم الدولة.
وتوضح الصحيفة أن المسؤولين الأردنيين يأملون أن تصبح قوى القبائل أكثر مصداقية من الجيش السوري الحر. ويجد الأردنيون أن القبائل من السهل إدارتها عن بعد، كما ان شيوخ القبائل يتمتعون بسلطة على قبائلهم، وليسوا عرضة للخلافات السياسية التي أثرت على الجيش السوري الحر.
ويأمل الأردنيون أن تؤدي القوة القبلية إلى دفع القبائل التي تحالفت مع تنظيم الدولة، من خلال الترغيب والترهيب، إلى الانشقاق عنه.
وينوه التقرير إلى أن المسؤولين الأردنيين لم يقدموا تفاصيل عن برنامج تدريب القبائل، إلا أن مصادر قبلية كشفت عن اتصال الأمن الأردني بهم، وطلبوا منهم توفير "الآلاف" من أبناء العشائر للمشاركة في التدريب، ومن المحتمل أن هناك ما يزيد على خمسة آلاف مقاتل يشاركون في البرنامج.
وتورد الصحيفة ما قاله العضو في مجلس العشائر، وشيخ قبيلة كبيرة في حمص محمد عزب الدروش: "لدينا 50 ألف مقاتل من العشائر مستعدون لتأمين الحدود مع العراق واستردادها من الجماعات المتطرفة"، مستدركا بأنهم "بحاجة إلى الأسلحة للتحرر من أسر تنظيم الدولة".
ويقول المسؤولون الأردنيون إن السعوديين طالما استخدموا الأردن قاعدة خلفية لدعم المعارضة السورية، إلا أن انشغال السعودية في حرب اليمن خفف من الضغوط على الأردن، وفق التقرير.
وينقل الكاتب عن وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة، قوله: "لم تعد سوريا أولوية للسعودية، ولا يوجد دفع لدعم جانب في نزاع بلا نهاية".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن مراقبين سعوديين ومسؤولين في الدفاع يقولون إن سوريا لم تعد اولوية أولى لآل سعود، فالجهود منصبة على تحقيق الاستقرار في اليمن، قبل تقديم الدعم لسوريا. وكتب المحرر في الصحيفة السعودية "الرياض" هاني وفا: "في الوقت الحالي فإن الأولوية الأولى والأخيرة للرياض هي اليمن". وهو ما يعطي الأردن المرونة اللازمة للتركيز على أمنه، خاصة الحدود مع العراق. ويقول المعايطة: "لقد تغير التحالف في سوريا خلال الستة أشهر الماضية، والأردن تحرك معه".