بينما كان عبدالفتاح السيسي يحمل الورود الحمراء في موسكو لدى مشاركته في احتفالات روسيا بيوم النصر في الحرب العالمية الثانية، السبت.. كانت أجهزته الأمنية ترتكب مذبحة مروعة، في قرية
البصارطة بمحافظة
دمياط، شمال القاهرة، أسفرت عن مصرع ستة
مصريين، وإصابة واعتقال العشرات، على خلفية قمع احتجاجات خرجت في القرية، مطالبة بإطلاق سراح 13 فتاة، وثلاثة رجال، اعتقلوا الثلاثاء، لدى مشاركتهم في مسيرة سلمية مسائية.
وبرغم تعتيم الإعلام الرسمي في مصر على ما جرى في القرية، إلا أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فضحوا ما حدث في القرية التي تُعد إحدى أكثر المناطق التي تطلق مظاهرات معارضة لنظام السيسي، بمحافظة دمياط.
وأعادت وقائع اقتحامها إلى الأذهان ذكرى السيناريو نفسه الذي تعرضت له قرى: الميمون في بني سويف، ودلجا في المنيا، وناهيا وكرداسة في الجيزة، وغيرها من القرى التي حاصرتها قوات الأمن، وارتكبت فيها مجازر مروعة، وبرغم ذلك ظلت مستعصية على نظام السيسي.
فذكرت صفحة "البصارطة تتحدى الانقلاب" على موقع "الفيسبوك"، الأحد، أن الشباب الذين قُتلوا لدى اقتحام أجهزة الأمن القرية، السبت، وعددهم خمسة، "كانوا عايشين لما اتقبض عليهم، واتقتلوا بالرصاص بعد الاعتقال.. ببساطة: الشباب الخمسة اتصفوا جسديا"، محذرة من أن البصارطة تتعرض للإبادة.
واحتجاجا على المذبحة فقد قطع نشطاء خط السكة الحديد الوحيد الرابط بين دمياط والمحافظات، مساء السبت، ورفع الأهالي لافتة مكتوب عليها :"عاوزين بناتنا"، وقالوا إن "مجزرة رابعة مصغرة بتتعاد من تاني"، حيث إن "13 بنتا اعتقلن.. وسبعة شهداء من الأهالي.. وتكسير 30 شقة.. حرق 30 موتوسيكل... حرق محلات وورش... غلق مدارس.. واعتقالات بالجملة... ودبابات للجيش في وسط البيوت".
وكتبت مروة أبو جلالة في صفحتها على "فيسبوك"، أن أخاها قد استشهد، وأنه كان حيا لما اعتقل، علاوة على استشهاد عمها أيضا، وذلك مع استمرار محاصرة القرية، وإطلاق الرصاص الحي في شوارعها، وإلغاء الامتحانات بمدارسها.
وشارك المئات من أهالي القرية، مساء السبت، في تشييع جنازة الطالب بكلية الدراسات الإسلامية، عمر سادات أبو جلالة، المعرف بدماثة خلقه، وحفظه للقرآن، وخدمته للأهالي، بعد أن قتلته الشرطة صباح السبت عقب اختطافه مصابا، ثم قتله بدم بارد بثلاث رصاصات بالبطن والوجه.
وجابت الجنازة الشوارع الرئيسة بالقرية، وسط هتافات: "يا بصارطة شدى حيلك.. إحنا وراكي مش هنسيبك".
وحول مقتل المخبر فاروق العطوي، بمركز شرطة دمياط، قال النشطاء إن اثنين من الشباب أُُصيبا بالرصاص الحي، ثم قام المخبر بتصفيتهما أمام أحد المجندين، فغضب الأخير بانفعال لهول ما رأى، من قتل المصابين خارج إطار القانون، فقتل المخبر، برصاص ميري، وتحفظ المركز على أمين الشرطة القاتل، وجثة القتيل في مشرحة المستشفى.
ولاحقا، تخلصت الشرطة من المجند "الشاهد على المجزرة" بقتله، وتصفيته، واستدعوا تعزيزات عسكرية، وحاصروا القرية، ودمروا البيوت والمحلات، واعتقلوا أعدادا كبيرة من الأهالي، ومن حاول الهرب منهم، أطلقوا عليه الرصاص الحي، فقتلوا خمسة، واختطفوا خمسة مصابين آخرين، ومنعوا الدخول والخروج من القرية، والموظفين من الذهاب لأعمالهم.
وما زالت قوات الشرطة والجيش تفرض طوقا أمنيا، الأحد، على مداخل ومخارج البصارطة، وانتشرت المدرعات في الشوارع الرئيسة، لمنع الأهالي من الاستمرار في احتجاجاتهم.
تلفيق التهم للفتيات المعتقلات
وتضم قائمة الفتيات المعتقلات 13 فتاة، اتهمتهن وزارة الداخلية بأنهن كن يحملن سلاحا، وسجلت لهن محاضر ملفقة بإحراز بنادق خرطوش معهن.
وذكر نشطاء أنه تم ترحيل الفتيات إلى سجن بورسعيد، بعد أن أصدرت النيابة العامة قرارا بحبسهن 15 يوما على ذمة التحقيقات.
وكشف محامو الدفاع عن المعتقلين بدمياط أن قوات الأمن أجبرت الفتيات على تسجيل اعترافات بجرائم لا علاقة لهن بها.
وذكرت مصادر أن الفتيات تعرضن لإيذاء جسدى وتهديدات بالاغتصاب حتى يقمن بتسجيل ما يملى عليهن من اتهامات.
وقالت والدة إحدى الفتيات، إن "قوات الأمن اختطفت البنات، خلال مظاهرة ضد النظام، بمساعدة بلطجية، قاموا بمحاصرتهن، وسط ترديد عدد من مؤيدي السيسي: "الله أكبر.. الله أكبر".
هاشتاج "#البصارطه"
ودشن نشطاء هاشتاج "#البصارطه" للتعريف بما ترتكبه قوات الأمن من انتهاكات في القرية.
وقال الدكتور محمد عوف: "مجزرة #البصارطة أبشع مليار مرة من فلوس أبو تريكة، ناس ماتت بدم بارد اكتب عنهم عشان ما تشيلش دمهم".
وقال فيصل قرقوش: "النظام العسكري الفاشي ينتقل من معاقبة الأفراد إلى معاقبة المجموعات، ومن محاصرة الأشخاص إلى محاصرة القرى والنجوع".
استنكار حقوقي واسع
من جهتهم، استنكر عدد من النشطاء والسياسيين والإعلاميين المجزرة.
وقال القيادي بحركة "قضاة من أجل مصر"، المستشار وليد شرابي عبر صفحته على "فيسبوك": "اليوم أحرار البصارطة، وغدا سيبحثون عن حصد أرواح طاهرة جديدة تُصفى دماؤهم من أجل أن تعطي الانقلاب وقود البقاء".
وقال المتحدث باسم الجبهة السلفية الدكتور سعد فياض: "اعتقال أمن دمياط 13 فتاة، والضغط عليهن للاعتراف بتهم ملفقة.. جريمة جديدة وحقيرة للداخلية في عهد الوزير الجديد، وهي جريمة تستوجب الانتفاض في الشوارع والمحافظات كافة، وليس في قرية البصارطة فقط".
وقال المذيع بفضائية الجزيرة أيمن عزام في تغريدة بموقع "تويتر": "ما حدث من انتهاكات في قرية البصارطة فجور وبغي، ويستحق الثأر الهادف، وتأديب الطغاة".
وعلق المتحدث باسم جماعة "الإخوان المسلمين"، محمد منتصر، على اقتحام القرية، واصفا إياه بأنها "رمز للرجولة، وللأحرار".
وقال في بيان أصدره السبت: إن "ما يحدث في قرية البصارطة في دمياط لهو أكبر مثال على الشهامة والرجولة والغضبة لله وللعرض، فبعد اعتقال 13 فتاة ثارت القرية لكرامتها ولشرفها وثارت أمواج الغضب عارمة بين الشباب ليدفع الشباب الثمن بتقديم شهداء من خيرة شباب هذا الوطن".
وأصدر "التحالف الوطني لدعم الشرعية" في دمياط بيانا حول الأزمة، قال فيه: "حرائر دمياط الأبيات.. لقد دخلت الثورة بكن في دمياط منعطفا جديدا لا تراجع فيه، ولا هوادة، ولا مهادنة".
وقال "المجلس الثوري لنساء مصر": "إننا أمام قوات أشد من المحتل، وأعتى منه في الظلم والاستبداد، وهو ما يعني أننا أمام جريمة حرب ترتكبها قوات حاملة للسلاح في مقابل شعب أعزل حتى من العصي".
صحيفة "البوابة" تمهد للمجزرة
وكانت صحيفة "البوابة" الداعمة للانقلاب استبقت المجزرة في عددها الصادر السبت بمانشيت يقول: "اقتحموها الآن وليس غدا.. "البصارطة".. "البوابة" تخترق "ولاية الإخوان" في دمياط".
وقالت الصحيفة التي تمثل ذراعا إعلامية للمخابرات المصرية: "تحولت قرية البصارطة بمحافظة دمياط، إلى مستعمرة إخوانية جديدة، تثير الذعر في قلوب مواطنيها بقوة السلاح والإرهاب، ما دفع الأهالي لإعلان اعتزامهم الرحيل عن القرية، هروبا من استهداف عناصر جماعة الإخوان، واستغاث أهالي البصارطة بـ"البوابة"، وحذروا من تحولها إلى "سيناء جديدة"، بعد أن أصبحت وكرا يؤوي العناصر المتطرفة من جماعة الإخوان".
الرواية الرسمية
وبحسب الرواية الرسمية للسلطات المصرية، قال مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية إن الأجهزة الأمنية بدمياط وجهت حملة فجر السبت بالتنسيق مع قطاعي الأمن الوطني والأمن العام مدعومة بقوات الأمن المركزي بقرية البصارطة بدائرة قسم شرطة أول دمياط استهدفت ضبط عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي المتورطين في حوادث إرهابية، والصادر بشأنهم قرارات بالضبط والإحضار من قبل الجهات القضائية".
وتابعت الداخلية في بيانها: "فور وصول القوات بادر مجموعة من العناصر الإخوانية بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها فبادلتهم ،وتم السيطرة على الموقف، وأسفر التعامل عن استشهاد الخفير النظامى فاروق إبراهيم محمد العطوي، ومصرع ثلاثة من العناصر الإخوانية، وضبط 18 من أعضاء وأنصار الإخوان في القرية".