بعد سنوات طويلة حين يكتب المؤرّخون عن هذه الأيام أظن أنهم سيصفونها بـ "سنوات الجنون"، لا يعلم أحد منا إلى أين وصل ومتى سينتهي هذا الجنون، ولكن ما نعلمه هو أننا نحن المسلمون من نعيش حالة الجنون هذه.
فالعالم الإسلامي يعيش في أزمة حقيقية. والأزمة في
تركيا التي تُعتبر أكثر دول المنطقة استقرارا تدل على كبر هذه الأزمة، وكأن العالم الإسلامي يعيش في آن واحد حرب المذاهب الأوروبية والأزمة الاقتصادية الأمريكية في 1930، وسقوط الاتحاد السوفييتي والحروب الأهلية في منطقة الشرق.
وباستثناء ماليزيا وأندونيسيا تعيش الدول المسلمة مشاكل عديدة عميقة من أزمات وانعدام للاستقرار،ولا نعلم بالتحديد حجم الخسائر التي كبّدها هذا الوضع، ولكن الأكيد هو أنه سبّب ضررا كبيرا في الاقتصاد والبنية التحتية والكثير من القطاعات.
هذه السنوات تُعتبر سنوات تغيير كبير بالنسبة لنا جميعا، ولكننا لا نشعر بهذا بعد.
انعكاس الجنون والمشاكل الحادة
حين يحدث نزيف أو كسر أو جرح في منطقة ما من جسدنا، فإن باقي الجسد يُعلن الطوارئ ويحاول حل هذه المشكلة. فإن كانت هناك مشكلة حادة في الجسد فإن عمليات الأيض لا تنشغل بمشاكل مثل الصداع وألم الظهر.
والآن يعيش العالم الإسلامي مشاكل حادّة كالقتل والجرح والاستعباد والتعذيب الجماعي والإرهاب والهجرة والمشاكل الاقتصادية.
وبالطبع حين نعيش كل هذا لا يمكننا أن ننشغل بحياتنا الفكرية واعتقاداتنا ونفسياتنا، ولكن حتى وإن لم ننشغل بها، فالأكيد هو أننا نعيش مشاكل عميقة.
في الحقيقة لقد عاش العالم الإسلامي عبر التاريخ الكثير من
الحروب والحروب الأهلية، ولكن لا أعلم إن كان قد وصل إلى حالة الجنون هذه؛ فهناك 7 دول تعيش حربا حقيقية و10 دول تعيش في أزمة وإرهاب ويَعّم انعدام الاستقرار والفوضى باقي الدول، والسبب الذي يجعل اسم هذه الفترة "سنوات الجنون" هي حالة المسلمين الذين يقتلون ويؤذون بعضهم في هذه الظروف، فلم يحدث في التاريخ أن قَتل مسلم مسلما بهذه الوحشية والرغبة في العداء.
الضرر الأكبر على الإسلام
انظروا إلى التعذيب والجوع الذي يتعرّض له المسلمون في سجون سوريا، فإن أسلوب قتل هؤلاء الناس كاف ليُرينا حالة الجنون. أليس التعامل مع القتل وكأنه أمر طبيعي ثم توثيق جرائم القتل بالصور والفيديو ونشرها وأرشفتها بعد ذلك أمر غير طبيعي؟ فلا يمكن أن تكون روح الشخص الذي يحصي عدد جثث المسلمين ويرقّمها طبيعية؛ ولذلك أظن أن داعش هي أحد أهم الأسباب التي تجعل اسم هذه السنوات هو "سنوات الجنون"، فليس هناك عدو حارب المسلمين وأضر بهم كما أضرّت بهم داعش.
فهذه العقلية التي تقطع رؤوس جماعات المسلمين وتحرقهم أمام الكاميرات، هي أكبر عدو للإسلام.
حالة الجنون لدى بعض الجماعات في تركيا
أعتقد أننا في تركيا نشهد أمورا لم تحدث في تاريخنا من قبل، وإن لم تكن أفعال الجماعة قد وصلت إلى مرحلة المشكلة الحادّة، إلا أنها تمكّنت من هز الجميع؛ فقد تنصّتت هذه الجماعة المعروفة بصفة الإسلام علينا جميعا "جماعة فتح الله كولن"، وسجّلت حياتنا الشخصية وقامت بعمليات تجسّس وسرقة وتهديد، وهذه الأفعال غير طبيعية.
وأعتقد أن أسباب هذه الأفعال من كره وحقد وغِل هي حالة جنون أخرى، علينا البحث فيها. فتخيّلوا أن من نعتبرهم من أهم رجال الدولة الآن يشتمون بأقذع الألفاظ، ويتحدّثون بلغة الشارع، ويشاركون بأعمال تخريبية. بالإضافة إلى أن هذه الجماعة التي تدّعي أنها وهبت نفسها للدين والعلم، شكّلت تحالفا مع حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي؛ فقط لأنهم يعادون حزب العدالة والتنمية.
فأي حقد هذا الذي دفع الجماعة لهذه الأعمال؟ هل السبب وراء هذا الحقد هو انعدام المواصلات الذي تتحدّث عنه الجماعة؟ أي هل يمكن أن تكون الجماعة قد شكّلت تحالفا مع من كانت تتّهمهم بالكفر سابقا؛ فقط لأن بعض رجال الحكومة لم يهتموا بالمواصلات؟ لا، أظن أن هذا يسمى بحالة الجنون.
وبالإضافة إلى هؤلاء فإن من نظّم أحداث تقسيم وكوباني وما فيهما من عنف وإرهاب، بالتأكيد روحه ليست طبيعية.
نحتاج إلى أن نتحرّك
ما نعيشه ليس طبيعيا، فليس من الطبيعي أن يشوّه بعضُنا صورة بعض، ونعلن بعضَنا أعداء وخونة لبعضنا، وننقلب على أصدقائنا فجأة ونتطرف، وننسى مبادئنا التي نشأنا عليها طول حياتنا فجأة.
ولكن الآن يجب أن نفعل شيئا محافظين على هدوئنا وصبرنا. نحتاج إلى حركة صادقة تحتضن هذا العالم الإسلامي، الذي يَمر بمرحلة جنون بما فيه تركيا وتهدئته وأن نعيده إلى الطريق الصحيح.