كتاب عربي 21

ماذا يريدون بـ"مصر الوطن"؟

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
في صباح يوم السبت صدرت أحكام إعدام بالجملة على ما يزيد على 120 من المتهمين في قضيتي التخابر والهروب من سجن وادي النطرون، لتؤكد على تصعيد خطير من سلطات الانقلاب ومؤسساته ضد المعارضة وأن ليس لديهم إلا الإعدام، وقدم هؤلاء وبتلك الأحكام تطورا نوعيا يشمل رئيس الجمهورية الشرعي المختطف، وكذلك أستاذا أكاديميا مرموقا له مكانة علمية دولية، فضلا عن معظم قيادات الاخوان، وبدا هؤلاء يحاكمون التاريخ فيطلقون الأحكام على شهيد من حركة حماس الفلسطينية، وعلى مسجون حكم عليه بالسجن ولا يزال في سجون الاحتلال منذ تسعة عشر عاما وحينما سُئل القاضي: كيف يحكم على موتى؟ أجاب: "وأنا مالي؟".

إن جملة الأحكام الانتقامية في محاكمات انتقائية إنما يعبر في حقيقة أمره عن حالة انفلات من كافة المعايير في الدولة والمجتمع من جانب المؤسسات المختلفة بحيث تشكل إطارا لفوضى قادمة وأعمال عنف يختلط فيها الحابل بالنابل وتؤدي إلى خسران معنى الجماعة الوطنية وتماسكها، ومعنى الوطن ومكانته، فإن أي خسارة قادمة يتحملها هؤلاء الذين يعبثون بمقدرات الوطن ويستخفون بكل ما يعد حفاظا على حرمة النفس الإنسانية ومكانة الوطن التي تهدر وكم الدماء التي يمكن أن تراق، إن أي دعوة في هذا المقام ضمن هذه القضايا الملفقة لمحاولة تبرير ذلك وأن ذلك من أعمال القضاء إنما يشكل في حقيقة الأمر تجاوزا لكل الخطوط الحمر التي تتعلق بالاستخفاف بحرمة النفوس والوطن معا. 

بل إن مرور أقل وقت حتى نرى استشهاد بعض المستشارين على أرض سيناء إنما يشكل في حقيقة الأمر محاولة من أجهزة تريد أن تغطي على أحكام الإعدام بجريمة أخطر وأكبر وتحاول أن تستدعي كل ما يتعلق بروح الثأر والانتقام واستدعاء كل دوافع العنف الكامن وبواعث الانتقام لتقدم مادة جديدة في اقتتال أهلي تحاول هذه السلطات أن تصنعه على أعينها خاصة بعد أن فشلت داخليا وخارحيا في شرعنة انقلابها وتمرير أوهامها من خلال مشروعات زائفة تحاول ترويجها، ومن فشل إلى فشل تذهب سلطات الانقلاب فإن هؤلاء ينتقلون من دائرة الفشل إلى دائرة تعمد لصناعة الوسط الخطير والسياق المريب لحالة عنف وانتقام لا يعرف لها بداية ولا يعرف لها نهاية.

ماذا تريدون بمصر الوطن؟ أأردتم أن تجعلوه بحورا لدم يسفك من غير أي مسوغ إلا أن تبقوا على انقلابكم وأن تظلوا على كراسي الحكم مع خيبتكم وفشلكم؟ ماذا تريدون باستدراج كل معارض ومحتجٍ إلى دائرة عنف أخطر ما يكون صناعتها أو تغذيتها بما يؤدي إلى أن يكون الوطن والشعب على حافة الخطر وعلى مشارف اقتتال أهلي لن يبقى ولن يذر؟، سيقول هؤلاء أننا نحرض، وما كنا محرضين، إن من يدفع الأمر إلى درجة من الانفجار ولا يقيم أي وزن أو اعتبار لكل أمر يتعلق بمصير الناس ومسؤولية القرار والخيار إنما هو في حقيقة أمره من يفجر الأمور حتى يستدعي أدوات عنفه وبطشه أكثر مما يستدعيها الآن، ماذا يمكن لهؤلاء وقد جعلوا من مرفق العدالة أمثولة للظلم ومثارا للسخرية والاستخفاف في كافة المؤسسات الدولية التي تراقب الحقوق التأسيسية الإنسانية؟!.

كيف يمكن أن يثق الناس في مؤسسات العدل وهي لا تقدم إلا مزيدا من الظلم، ولا تقوم بأدنى تحقيق أو تدقيق ولا تعتمد على الحد الأدنى من الوثائق أو التوثيق، ولكنها تحكم بالهوى وتقيم المشانق وتصدر الإعدامات وكأن الأمر يتعلق بشربة ماء؟ ماذا يعني ذلك إلا عبثا بمقدرات هذا الوطن ومؤسساته ومواطنيه وأفراده؟، وماذا يمكن أن يحدث، أتجعل كل ذلك رسالات تطويع وترويع، وتحاول أن تصنع من هؤلاء عقلية قطيع ، وتضمن التطبيع والتركيع؟!، من قال لك إن بطشك يمكن أن يخيف الناس أو يقعدهم عن مقاومة انقلابك وباطلك؟ إنك لا تقوم بإعدام هؤلاء فحسب وإنما تقوم بإعدام وطن، أليس هناك من عقلاء يحملون لهذا الوطن ذرة مسؤولية ليحفظوه ويحموه بكامل جماعته الوطنية لا يفرقون بين تكويناته ولا يميزون بين قواه، ولكن فقط يقدرون هذا الشعب وهذا الوطن وما يقيم الأوطان والعمران لا ما يؤدي إلى خراب الكيان وإعدام الإنسان. 

ولم يجف حبر الحكم بإحالة أوراق كل هؤلاء للمفتي إلا وطالعتنا وسائل الإعلام في الصباح عن تنفيذ حكم الإعدام في شباب قضية "عرب شركس" الذين حكمت عليهم محكمة عسكرية ودائرة استئنافها بتأكيد حكم إعدام صدر بحق الستة، وقررت سلطات الأمر الواقع أن تقوم بتنفيذه بعد وقت قصير من أحكام الإعدام المحتملة، وبدا هذا في ذات الوقت تحديا من سلطات الانقلاب تحاول أن ترسل رسائل مكتوبة بالدماء سواء باعدام محتمل أو بتنفيذ أحكام اعدام، فماذا يريد هؤلاء بوطننا مصر حينما يدفعون بالأمور إلى حافة الاحتراب الأهلي وتهديد السلم المجتمعي حينما تقوم في كل هذا باستخفاف منقطع النظير، رغم بروز الدلائل على افتقار هذه المحاكمات لأدنى قواعد العدالة المعتبرة والمتعارف عليها.

يُضاف إلى ذلك الأمر التخريب المتعمد ليس فقط لمؤسسة العدالة بل وتسليط سيف المحاكمات العسكرية على من شاءوا وقد حولوا مصر بكافة منشآتها إلى "ثكنة عسكرية" أو "معسكر كبير" يؤدي إلى إحالة من أرادوا إلى تلك المحاكمات العسكرية، وسواء صدر الحكم من قضاء مدني لم يعد يراعي أدنى قواعد التحقيق والتدقيق والتقاضي أو من قضاء عسكري صار السيف المسلط على كل معارض ومع ترسانة قوانين تجعل من وصف الإرهاب تقديرا واختيارا فتوزعه سلطات الأمر الواقع على من تشاء يصبح الأمر "مهزلة في شكل مذبحة"، فماذا يريد هؤلاء ـ بحق ـ بمصر الوطن والحفاظ عليه والقيام بحقه في التأمين والحماية.

إن حال الاستهتار والاستخفاف بحرمات النفوس، والقيام بما من شأنه إحداث بيئة مواتية لممارسة العنف إنما يؤكد استهتار منظومة الانقلاب بكل الحدود والخطوط الحمر في محاولة لإشعال فتنة كبيرة تتسع في آثارها بتلك الأحكام التي تؤكد على همجية هذا الانقلاب وتسييس معظم الأحكام التي تصدر عن مرفق العدالة، إن التاريخ لن يرحم ومستقبل الأيام لن يقيم وزنا لكائن من كان يستهتر بالوطن مكانة والمواطن كرامة والثورة أمانة والشعب مسئولية، إن من استخف بكل ذلك سيُستخَف به ويكون مصيره بقدر استهانته بمصائر أمة وكيان وطن، ستكون المحاسبة عسيرة غير يسيرة، لأن الوطن لا يمكنه أن يتهاون فيمن استخف بعزته وبكرامة أبنائه.. فهل تعقلون؟!.
التعليقات (1)
خليل ابورزق
الثلاثاء، 19-05-2015 06:22 م
لا يهم ماذا يريدون. المهم النتيجة. انهم يدفعون مصر دفعا نحو الخراب لها و الامة العربية ككلها و عدم الاستقرار للعالم كله. السبب هو قصر النظر و الدناءة. العسكري بليد للاذى فطن كأن ابليس للطغيان رباه اليس هذا ما حصدناه في مصر و سوريا و ليبيا واليمن و تونس والسودان وكل بلاد العرب