تقول مصادر جهادية إن الهجوم الذي نفذته قوات أمريكية خاصة، واستهدف أحد قياديي
تنظيم الدولة في
سوريا، كان بمثابة مفاجأة كبيرة للتنظيم، ولم يسفر عن مقتل الهدف المعلن المتمثل في المسؤول التونسي فحسب، بل أدى أيضا إلى مقتل شخصيتين بارزتين من أعضائه.
ويقول مقاتلون في التنظيم إنهم مقتنعون أن جاسوسا اخترق الجماعة، وسرب معلومات مهمة ساعدت القوات الأمريكية الخاصة في استهداف منزل القيادي "
أبو سياف التونسي" في الساعات الأولى من صباح السبت، لا سيما أن الهجوم جاء في وقت تم فيه سحب معظم الحراس والمقاتلين الذين يوجدون عادة في المجمع السكني الذي يسكنه أبو سياف للمشاركة في معركة في منطقة أخرى.
وقالت المصادر إن الجماعة امتصت الصدمة، لكنها تعهدت بأنها ستكشف أمر الوشاة.
ويدرس التنظيم خيارات لمنع مثل هذه الهجمات في المستقبل أو إفشالها، ومنها تشديد الإجراءات الخاصة بتجنيد عناصر جديدة، وبحث تشكيل وحدة لصد هذا النوع من الهجمات في المستقبل.
وقال أحد مقاتلي التنظيم داخل سوريا عبر الإنترنت، وطلب عدم نشر اسمه: "ما حدث هو درس لنا. لقد أعطانا درسا مفاده ألا نستهين بعدونا مهما حدث، وبغض النظر عمن هو."
ولا يسمح للمقاتلين بالحديث إلى وسائل الإعلام وهم يواجهون عقوبات قاسية إذا خالفوا هذه القاعدة.
ووصلت قوة (دلتا) الأمريكية إلى عمق شرق سوريا في الساعات الأولى من صباح السبت، لشن هجومها البري، لتحيد عن اعتمادها المعهود على الضربات الجوية وحدها لضرب التنظيم الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق.
خلال الهجوم قتلت القوات الأمريكية "أبو سياف" الذي تعتقد واشنطن أنه كان مسؤولا عن الإشراف على المعاملات المالية للدولة، وأنه كان له دور في التعامل مع الرهائن الأجانب.
ولم يصدر التنظيم بيانا رسميا بعد عن الهجوم الذي وقع في محافظة دير الزور.
ولا تظهر أي دلائل تشير إلى تأثير مقتل "أبو سياف" على الحياة اليومية في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم.
وقال أحد السكان في مدينة الرقة بشمال شرق سوريا التي تعدّ العاصمة الفعلية للتنظيم: "إن الحياة تسير دون تغيير. لكن في دير الزور استنفرت عناصر الأمن التابعة للدولة الإسلامية".
وقالت مصادر إن قياديين آخرين قتلا في هجوم السبت، هما أبو تيم، وهو سعودي، ويعتقد أنه كان يشرف على عمليات النفط بالمنطقة، وأبو مريم، الذي كان يعمل في مجال الاتصالات داخل التنظيم، وجنسيته لم تعرف بعد.
وأصيب شقيقا "أبو سياف"، وألقي القبض على زوجته التي يعتقد أنها كانت تشرف على سبي اليزيديات العراقيات، ونقلهن من العراق إلى سوريا، وقد نقلتها قوة العمليات الخاصة التي نفذت الهجوم إلى العراق لاستجوابها.
وقال مقاتل في سوريا، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية: "ما حدث حدث بسبب وجود جاسوس أو جواسيس بكل تأكيد. هناك من ساعدهم. وقاموا بهذه العملية في وقت كان معظم المقاتلين بالمجمع يشاركون في معركة."
وأضاف: "كانوا يعلمون إلى أين يذهبون تحديدا ومتى، ذهبوا إلى المبنى الذي كان يقيم به مع أسرته، قاموا بهذا في وقت خفضنا فيه الحراس إلى الحد الأدنى حول المجمع؛ لأنهم أرسلوا إلى معركة."
كان أبو سياف وأفراد عائلته يقيمون في مجمع يضم 50 مبنى على الأقل، يتكون كل منها من أربعة طوابق، حيث كان يعيش نحو ألف شخص بينهم مدنيون.
أنشأت المجمع الحكومة السورية لإقامة أسر الموظفين والمهندسين الذين يديرون حقل العمر للنفط والغاز القريب منه.
وحين سيطر تنظيم الدولة على المنطقة العام الماضي لم يحتفظ إلا ببضع عشرات من الموظفين الحكوميين بما يكفي لإدارة الحقل، وقتل الباقون أو طردوا، وسلمت منازلهم لمقاتلي التنظيم وأسرهم.
وقال مقاتل بالتنظيم داخل سوريا: "إن الدولة الإسلامية ستحاول أن تدرب الكوادر للتصدي لهذا النوع من الهجمات. وأيضا يوجد كثير من الشباب تنتسب، ولكن حاليا يوجد حزم بالانتساب، والتزكية شرط ضروري."
في وقت سابق من الشهر الحالي، أصدر التنظيم تسجيلا صوتيا قال إنه لزعيمه "أبو بكر البغدادي" دعا فيه أنصار التنظيم حول العالم للانضمام إلى القتال في سوريا والعراق. وانضم مئات المقاتلين الأجانب إلى الدولة، ولم يتضح ما إذا كانت الإجراءات الجديدة ستبطئ من تدفقهم.
تم استبدال "أبو سياف" في هدوء في التسلسل الهرمي للتنظيم، ولا توجد بوادر على أن مقتله له أثر مباشر على المعارك الحالية أو هيكل الجماعة.
وبعد ساعات من الهجوم الأمريكي، اجتاح مقاتلو التنظيم مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية، ليسددوا ضربة قوية لحكومة العراق وداعميها الغربيين. وفي سوريا واصلوا هجومهم على مدينة تدمر القديمة.
ويقول مقاتلون ومصادر جهادية إن هيكل التنظيم وضع بطريقة تسمح باحتواء تداعيات مقتل الشخصيات البارزة.
وقال مقاتل آخر من إحدى دول المنطقة: "جئنا لنموت ونستشهد، حتى مولانا الخليفة على نفس الطريق، ولكن حتى إذا استشهد الخليفة فإن الدولة لن تنهار."
أبدى مقاتلون تابعون للتنظيم دهشتهم في بداية الأمر من إمكانية حدوث هجوم من هذا النوع، ولم يتطرق أنصاره على وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عنه بدرجة تذكر، أو لعلهم تجاهلوه تماما.
ويتباهى التنظيم بأنه غير قابل للاختراق من أجهزة المخابرات الأجنبية، خاصة في سوريا؛ لاعتقاده أنه قادر على اجتثاث مخترقيه قبل أن يتمكنوا من إحداث أي ضرر.
وحين يضبط المشتبه بتجسسهم فإنهم يعدمونه علنا عادة في ساحات عامة، إما بقطع الرأس أو رميا بالرصاص لردع كل من تسول له نفسه أن يحذو حذوهم. وفي أحيان تترك جثثهم بالأيام ليكونوا عبرة للآخرين.
كما أن الاتصال بوسائل الإعلام نادر ويخضع للرقابة.
ويعتقد المقاتلون أن هذه القيود سمحت للتنظيم بالعمل في هدوء وبكفاءة ومباغتة أعدائه عادة بهجمات مفاجئة.
ويشيرون إلى أن هذا يفسر فشل هجوم مماثل نفذته الولايات المتحدة لإنقاذ رهائن أمريكيين الصيف الماضي.
وقال مقاتل سوري، كان في الرقة في ذلك الحين: "عرفنا مسبقا أن هذا سيحدث، فأخلت الدولة المكان بهدوء، وعندما حضروا لم يكن هناك أحد. ولكن هذه المرة نجحوا طبعا، لأنه يوجد جواسيس وجواسيس من الداخل، ولكن سيعرفون وستتم معاقبتهم. وما حصل لم يؤثر علينا، وسنكمل طريقنا طريق الجهاد."