أقر سياسيون ونشطاء بأن أي ثورة قادمة في
مصر ينبغي أن تضطلع باستخدام قوة إجراءات القمع والحسم مع نظام الانقلاب العسكري ورموزه، سواء من خلال إرادة الزخم الثوري التي بمقدورها فرض شروطها، أو بإعادة تطهير تلك المؤسسات، ومن على رأسها.
ويرى مراقبون أن ثورة يناير فشلت في الحكم، وبدلا من ذلك مهدت لنظام أشد قمعا وفتكا انبثق من لحد النظام القديم، لكنه يدرك أن ليس أمامه فرصة أخرى للحكم أو البقاء في حال سقوطه.
نظرية الحسم خيار الثورة
من جهته، أكد ثروت نافع، عضو لجنة الأمن والدفاع القومي والعلاقات الخارجية بالبرلمان المصري السابق، أن استراتيجية الثورة القادمة "سيتغلب فيها جناح الحسم، وعليه يجب التخلص من المؤسسات والأشخاص الذين ينتمون لدولة الانقلاب العسكري".
وقال لـ"عربي21": "كان هناك فريق في ثورة يناير يرى ضرورة التصالح مع النظام السابق وإصلاحه، بينما عارض الفريق الآخر تلك المساعي ولكنه أخفق في فرض تصوره، ما أدى إلى تثبيت أركان الدولة العميقة".
ورأى أن "الثورة المضادة استوعبت أن فرصتها في الحكم هي الأخيرة؛ لأن رؤية الجناح الثوري المطالب باستئصال هؤلاء هي التي ستفرض نفسها في المرحلة القادمة".
وعزا نافع حملة القمع الشرسة التي يشنها النظام على معارضي الانقلاب إلى "إداركه باستنفاذ جميع الخيارات أمام الثوار الذين لن يركنوا مرة أخرى للحوار أو المساومة، ويدرك أنه لن يكون هناك تسامح مع الدولة العميقة مجددا"، حسب تقديره.
جهود الإصلاح مستحيلة
بدوره، رأى إسلام الغمري، المتحدث باسم "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، أن "الثورة المضادة قطعت الطريق أمام أية رؤى أو جهود للإصلاح".
وقال لـ"عربي21": "أداء نظام الانقلاب العسكري أجبر الثوار والشعب على التخلي عن فكرته في الإصلاح والتغيير، وتكاد تكون جهوده في هذا الصدد مستحيلة إن لم تكن معدومة"، مشيرا إلى أن "النظام تحول إلى ورم سرطاني سيدمر الجسد المصري إن بقى دون استئصال".
وشدد المتحدث على أن "عملية الإصلاح والترميم بالشكل القديم عقب ثورة يناير لن تتكرر مرة أخرى"، مؤكدا على ضرورة "اتخاذ حلول جذرية؛ تتضمن فك مؤسسات الانقلاب وإعادة تركيبها من جديد، حتى نضمن عدم عودتها مرة أخرى".
فسيفساء جديدة لمعارضي الانقلاب
من جهته؛ عزا المنسق العام لحركة "صحفيون ضد الانقلاب"، أحمد عبد العزيز، عدم قدرة ثورة يناير على الحكم إلى "غياب الرؤية لدى القوى الثورية التي تفاجأت بنجاح الثورة، ووجدت نفسها مطالبة بوضع تصور لحكم جديد، ولكنها اختلفت وافترقت".
واستدرك قائلا: "لا يوجد أنصاف ثورة، فالأمر اليوم مختلف، والوعي لدى الناس من خلال التجارب السابقة منحهم القدرة على وضع تصور للنظام الذي سوف يحكم".
وطالب عبد العزيز القوى الثورية والسياسية المعارضة "بضرورة رسم فسيفساء جديدة من التلاحم والتوافق الوطني لمواجهة الانقلاب العسكري؛ لأن كل فصيل بمفرده لن يقدر على جمع الشعب حوله".
وأكد عبد العزيز أن الخيارين المتاحين أمام المصريين "هما تدخل المؤسسة العسكرية لصالح إنقاذ البلاد من دوامة العنف، الأمر الذي سيعيدنا إلى تجربة النظام التركي العسكري، أو خروج شعبي تحت راية واحدة تضع حدا لعسكرة الدولة والتحول للدولة المدنية"، حسب تعبيره.
الرهان على نزول الشعب
أما القيادي في "جبهة طريق الثورة"، خالد عبدالحميد، فقد ألقى باللوم على جماعة الإخوان المسلمين "لتفريطهم في خيار الحسم لصالح رغبتهم في أن يرثوا نظام مبارك، وتركهم الميادين والتوجه للمفاوضات والمساومات"، على حد تعبيره.
وقال لـ"عربي21": "الثورة لا تعني الفوضى، وهدم المؤسسات، ولكن كان هناك من الزخم والهيمنة الثورية ما كان يؤهل الثوار إلى فرض شروطهم وإملاءاتهم لهيكلة مؤسسات الدولة القديمة"، وفق قوله.
وأعرب عبد الحميد عن رفضه للعنف المرتبط بالانتقام أو الطائفية، أو تصفية الحسابات "كما يفعل النظام الآن مع جماعة الإخوان"، مؤكدا أن "العنف الذي يمارس ضد المعارضة سيكون مبررا قويا لانتهاج العنف، والمعاملة بالمثل، وهو ما نرفضه".
ورهن عبد الحميد نجاح أي ثورة في "نزول الشعب إلى الشارع من خلال تنظيم سياسي قوي، وليس أنصار جماعة أو حزب بعينها"، مستبعدا تكرار مشهد التحرير مجددا، بسبب حالة التأزم التي يعيشها الجميع في الوقت الراهن".
وشدد على أن الثورة القادمة "يجب أن ينصب اهتمامها ليس على الهدم، إنما على فرض إرادتها بقرارات ثورية تعيد رسم العلاقات بين المواطن وجميع مؤسسات الدولة الشرطية والعسكرية والقضائية".