نشرت صحيفة "لوموند" تقريرا حول
سجن المالكية
الكردي الذي يقع في إحدى القرى الحدودية بسوريا.
وأفادت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "
عربي21"، بأن السجن الذي يطلق عليه ساكنو القرية "دارك"، أي الكنيسة الصغيرة بالكردية، يقع تحت الأرض بأمتار قليلة في قبو محكمة قديمة؛ حيث كانت وحدات حماية الشعب، الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني، قد استولت على المكان الذي كان تحت سيطرة الاستخبارات السورية ليحوله إلى محكمة شعبية يتحكم فيها الأسايش. هذا ولم يتغير من ظروف المكان سوى طبيعة المعتقلين وهوية السجانين.
هذا وقد كان صاحب التقرير قد طلب عقد لقاء صحفي مع أحد السجناء، وهو ما تم فعلا؛ واقتيد له سجينان ينتميان لتنظيم الدولة بدا أنهما لا يعرفان بعضهما البعض؛ حيث إن أحدهما سوري والآخر تركي لا يفقه اللغة العربية ولا الكردية، وجد نفسه محتجزا على بعد عشرات الكيلومترات من مدينته لدى مجموعة تحارب أنقرة لما يزيد على الـ30 سنة وتتهم الحكومة التركية بالوقوف وراء التنظيمات التي وصمتها بـ"المتطرفة".
وأشارت الصحيفة إلى المعاملة القاسية التي ما فتئ السجينان يتعرضان لها من قبل "مختطفيهم" الذين تولى أحدهم رفع كيس من القماش الأسود عن وجه المعتقل السوري، ليُكشَفَ عن وجه مرتعد مصفر لمراهق لم يتجاوز عمره الـ17 عاما يكنى بأبي مصعب اقتداء بأحد زعماء تنظيم القاعدة في العراق. ويذكر أن من بين السجانين من هم بمثل سن أبي مصعب.
وكان أبو مصعب، بحسب الصحيفة، الناجي الوحيد من مجموعة من رفاقه، قضوا تحت نيران قصف قوات النظام السوري الذي انطلق دعمه الفعلي للأكراد وحلفائهم في هذه المنطقة منذ تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2014، إذ لطالما شهدت منطقة تل الحمص في الشمال الشرقي لسوريا، حالة من الفوضى والاقتتال العائد أساسا لصعود كل من مقاتلي
تنظيم الدولة من ناحية والقوات السورية والكردية من ناحية أخرى.
وأحالت الصحيفة على الظروف العائلية الصعبة التي نشأ فيها الطفل أصيل منطقة دير الزور أين كان يقطن مع أسرته في مزرعة صغيرة مغلقة، حيث اضطر لمغادرة المدرسة في الـ15 من عمره بعد أن أغلقت أبوابها بسبب الحرب، ليواجه شعورا بالإحباط لعدم تمكنه من تحقيق حلمه بالاختصاص في الميكانيك.
وأعرب الطفل الذي أبى أن يعلن اسمه الحقيقي عن عدم انزعاجه من معاملة مقاتلي تنظيم الدولة لأفراد منطقته التي تخضع لسيطرتهم حاليا، متحدثا عن تعرفه على أحد أمراء التنظيم الملقب بأبي أسامة؛ وهو من تولى تجنيده محدثا إياه عن رغبة التنظيم في إرساء "الشريعة"، بحسب تعبيره، ومعتبرا الثوار والجيش الحر الليبي مجرد لصوص، لينجح بذلك في إقناع أبي مصعب بالانضمام لصفوف المقاتلين.
وأضافت الصحيفة أن أبا مصعب كان قد خضع لفترة تدريبية في مخيم يضم مجندين سوريين وأجانب صرح الطفل بتلقيهم معاملة خاصة وتفوقهم في القدرات القتالية، في حين كان السوريون يكلفون بأعمال روتينية عادية كمراقبة الطرقات. هذا وتخضع المخيمات لقوانين تضبط سلوكيات متساكنيها ومنها منع التدخين ومعاقبة كل من يجرؤ على تهريبه.
وقالت الصحيفة إن أول معركة يخوضها هذا الطفل كانت هي الأخيرة، حيث انتهت باعتقاله من قبل وحدات حماية الشعب التي قضى مقاتلو تنظيم الدولة ليلتين في مواجهتها ليتلقوا على إثرها أوامر بالانسحاب عجزوا عن تلبيتها نظرا لعدم وصول السيارات المكلفة بنقلهم. هذا وشهد أبو مصعب مصرع رفاقه تحت قصف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي حديثه عن ظروف اعتقاله واستجوابه لكاتب التقرير، عبر الطفل عن اندهاشه من عدم تعرضه لأساليب عنيفة من التعذيب، حيث اقتصر الأمر على بعض الصفعات والركلات والصعقات الكهربائية، كما أنه صرح برغبته الشديدة في معرفة مكان عائلته.
وأفصح أبو مصعب، بحسب الصحيفة، عن رفض والديه وخطيبته المرتقبة لفكرة انضمامه لتنظيم الدولة معربا عن ندمه الشديد لذلك، ومؤكدا على اعتزامه البحث عنهم فور إطلاق سراحه قبل أن يسأل محدثه بعيون دامعة عما إن كان يعرف موعد خروجه من السجن.
وفي الختام، صرحت الصحيفة بأن السبيل الوحيد لإطلاق سراح هذا الطفل هو ابرام صفقة مع تنظيم الدولة بوساطة أعيان القبائل العربية، مشيرة إلى إمكانية خضوعه لمحاكمة عسكرية لم يعلن مختطفوه عن ضوابطها وقوانينها، أو موته بكل بساطة شأن العديد من أمثاله.
* تقرير آلان كافال في صحيفة لوموند الناطقة باللغة الفرنسية:
https://abonnes.lemonde.fr/proche-orient/article/2015/05/27/le-captif-d-al-malikiya_4641140_3218.html