أُعلِنَ السادس والعشرون من شهر حزيران/ يونيو الماضي يوما فلسطينيا – عربيا للتضامن مع المجاهد الشيخ خضر عدنان الأسير والقائد في حركة الجهاد الإسلامي في إضرابه عن الطعام حتى الاستشهاد ما لم يُجبر العدو الصهيوني على إطلاقه.
وبالفعل جرت تظاهرات حاشدة في القدس وقطاع غزة، وفي تونس والجزائر والمغرب إلى جانب نشاطات متعدّدة عمّت أغلب العواصم والمدن العربية كالندوات والاعتصامات والاحتجاجات وحملات إعلامية ومقالات صحفية.
ولكن صاحب السبق الأكبر في هذا التضامن كانت
السلطة الفلسطينية ومن يؤيدّها من فصائل فلسطينية في الضفة الغربية حيث لم تخرج تظاهرة واحدة تضامنا. بل كانت الأوامر العليا قد صدرت للأجهزة الأمنية لاتخاذ كل الإجراءات المسبقة للحيلولة دون أي تظاهر، كما معاجلة أي تجمع شبابي يهّم لإطلاق تظاهرة بالقمع والتشتيت وبالتهديد أو القوّة. وقد حدثت توقيفات واعتقالات في أكثر من موقع في الضفة الغربية.
وهكذا تكون السلطة بقيادة الرئيس محمود
عباس قد سجلت على نفسها "مأثرة" جديدة في المواقف والتصرفات "المجيدة" في التضامن مع الاحتلال والاستيطان وقمع كل شكل جاد من أشكال
المقاومة الشعبية ولا سيما التظاهر. وذلك تنفيذا للوعد الذي قطعه محمود عباس على نفسه ألاّ تحدث انتفاضة أو تتوسّع مقاومة. لأن ذلك هو الاستراتيجية الأنسب والسياسة الأحكم في تحقيق الدولة الفلسطينية.
وذلك بالرغم من وصول تلكما الاستراتيجية والسياسة ليس إلى الفشل فحسب وإنما أيضا إلى الشلل التام، والفضيحة المدوّية.
الاستيطان يستشري في الضفة الغربية حتى لم يبق مكان لتقام فيه سلطة حكم ذاتي وليس دويلة، وأما في القدس فالتهويد والحفر تحت المسجد الأقصى والانتهاكات المستمرة فيه ومن حوله ماضٍ على قدم وساق. وها هنا وهناك لا مجال لنكران الحقائق والأرقام. ولكن المجال ما زال واسعا أمام دفن الرؤوس في الرمال، والجهر بأن لا استراتيجية ولا سياسة خارج استراتيجية محمود عباس وسياسته.
وقد أصبحتا بعد الاتفاق الأمني "سوبر
أوسلو"، و"سوبر" تعاون مع الاحتلال والدفاع عنه بل، وفي الواقع الموضوعي، التشجيع المتصاعد لاستيطان الضفة الغربية وتهويد القدس. وهذا ما يفهمه نتنياهو من مواقف عباس.
وإذا جمع هذا وغيره كثير من شاكلته إلى موقف السلطة من قضية الأسرى عموما، والتضامن مع خضر عدنان الذي تركته، عمليا، وحيدا، يواجه الخطر على حياته، فإننا أمام قيادة هي في واد والشعب الفلسطيني في واد، ليس بالنسبة إلى القضية الكبرى، أو إلى مشكلات الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حصار قطاع غزة فحسب، وإنما أيضا بالنسبة إلى أبسطها أو أخفها في مواجهة العدو.
ففي الوقت الذي تُتابع فيه أجهزة السلطة الأمنية كل كلمة تُكتَب في الشبكة العنكبوتية، وتُطارِد كل تحرك يُشتَمُّ منه رائحة مقاومة أو تظاهر تجدها تقف متواطئة ومتعاونة مع إجراءات العدو القمعية وانتهاكاته المتمادية استيطانيا في الضفة الغربية، وتهويديا في القدس، والأسوأ تجدها تقدّم خدماتها حتى في منطقة القدس، وحتى في المسجد الأقصى كما فعلت في 26/ 7/ 2014 حين هاجمت المعتصمين المرابطين في المسجد الأقصى. وذلك بهدف تخريب المقاومة الشعبية ضد المخاطر التي يتعرّض لها أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وإذا جئنا إلى قضية الموقف من إضراب خضر عدنان، القضية العادلة والبسيطة فقد كان من السهل أن تحلّ بضغط بسيط من جانب محمود عباس، أو من جانب الضابط في الأجهزة الأمنية، وهو ينسّق مع الشاباك. ولكن ما العمل مع قيادة وسلطة غارقتين في الأخطاء والخطايا بالنسبة إلى قضية فلسطين، ومتورطتين، ومستمتعتين، بالتنسيق الأمني مع الاحتلال والاستيطان، ومعاديتين للشعب عن قناعة لا تتزعزع بأن من الممنوع مقاومة الاحتلال أو حتى التظاهر ضدّه، ناهيك عن ارتكاب أسير "جريمة" الإضراب لرفع ظلم فادح تعرّض له. لأنه يجب ألاّ يقاوم.
حقا، لم يحدث مثل هذا في تاريخ الشعوب التي ناضلت ضدّ الاحتلال أو الاستعمار أو العنصرية.