يرى الصحفي باتريك كوكبيرن في تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" أن مشاركة مقاتلين من المليشيات الشيعية المعروفة بالحشد الشعبي في الحملة، التي أطلقتها الحكومة
العراقية لاستعادة منطقة
الأنبار، ستكون حاسمة، خاصة بالنسبة لمدينة
الفلوجة، التي سيطر عليها مقاتلو
تنظيم الدولة منذ 18 شهرا. ولأن المدينة ظلت مركز التمرد السني منذ الغزو الأنجلو- أمريكي.
وينقل التقرير عن أحد قادة
الحشد الشعبي وهو الجنرال علي مصلح، قوله: "الفلوجة محاصرة، ولكننا سنسيطر عليها شيئا فشيئا". وتقول القوات العراقية إنها تركت ممرا كي يعبر منه المدنيون قبل أن يتصاعد القتال.
وتذكر الصحيفة أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كان قد أصدر بيانا مقتضبا حول العملية، تعهد فيه بالانتقام من "مجرمي داعش في ساحة المعركة، وأن جرائمهم الجبانة ضد المدنيين العزل ستزيد من عزمنا لملاحقتهم، وطردهم من أرض العراق".
ويبين الكاتب أن الحشد الشعبي مكون من المتطوعين، الذين لبوا نداء المرجعية الشيعية آية الله علي السيستاني بعد سقوط الموصل في يد تنظيم الدولة في 10 حزيران/ يونيو 2014. ومنذ ذلك الوقت سيطر التنظيم على مساحة 85% من منطقة الأنبار، حيث أعلنت الحكومة العراقية عن حملة لاستعادتها.
ويجد التقرير أن مقاتلي الحشد الشعبي يشبهون عناصر تنظيم الدولة من ناحية استعدادهم للقتال حتى الموت. مشيرا إلى أن عددهم كبير، ويندفعون بإيمان، وقد حققوا نجاحات في مواجهة الجهاديين حول بغداد ولكنهم يعانون من الكثير من المشكلات، منها غياب القادة الذين يمتلكون الخبرات والتدريب على الأساليب العسكرية، ما يقود إلى خسائر بشرية كبيرة في صفوفهم.
وتقول الصحيفة إن الجيش العراقي قد أضعف وفقد مصداقيته عندما خسر مدينة الرمادي، عاصمة الأنبار، أمام مقاتلي تنظيم الدولة في 17 أيار/ مايو هذا العام. لافتة إلى أن الحكومة، التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، تريد نصرا بأي ثمن على الجهاديين، ولهذا جندت مقاتلي الحشد.
ويورد كوكبيرن بأنه أثناء التحضيرات للعملية غادر قادة الحشد مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة باتجاه الفلوجة، التي تبعد 54 ميلا إلى الشمال. وينقل عن أحد قادتهم قوله من كربلاء إن القتال بدأ، ولهذا طلب منه أن يكون على جبهة القتال. وتعرضت مدينة الفلوجة للحصار مرتين من القوات الأمريكية عام 2004، قبل أن تهاجمها بعد سلسلة من القصف المدفعي والجوي المستمر. وفي المعركة الحالية كان لدى مقاتلي تنظيم الدولة الوقت الكافي لزراعة العبوات المفخخة في الطرقات، إضافة إلى اعتمادهم على قناصة من أصحاب الخبرة، وفرق مخصصة لإطلاق قنابل الهاون، وانتحاريين ينشرهم التنظيم بأعداد كبيرة، حيث يسوقون سيارات مصفحة محشوة بالمتفجرات.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن العقيد صالح رجب، الذي كان نائبا لكتيبة حبيب، وهي جزء من لواء علي أكبر، الذي جاء أفراده من كربلاء، أكد فقر الخبرات لدى مقاتلي الحشد، وقد أصيب رجب إصابة بالغة جراء انفجار قنبلة هاون في 3 تموز/ يوليو، ما أدى إلى بتر رجله اليسار. ويقول إنه جندي محترف خدم في الجيش العراقي السابق، ووصل إلى رتبة عقيد قبل أن يستقيل منه في عام 1999.
وتنقل الصحيفة عن رجب قوله:"انضممت للحشد؛ لأنني أردت الدفاع عن بلدي ضد الأجانب، وقاتلت في مدينة بيجي مدة 16 يوما عندما سقطت قذيفة هاون بالقرب مني، وقتلت اثنين من رجالنا وجرحت أربعة".
وقابل كوكبيرن رجب في عنبر في مستشفى الحسين التعليمي في كربلاء، المليء بجرحى الحشد الشعبي، وتحدث عن عدد من مظاهر الضعف لرجاله، وقال: "هناك نقص في القيادات الخبيرة التي تعرف كيفية قيادة الهجمات، مع أن هذه القيادات تطلب النصح من الخبراء العسكريين، وتستمع إلى نصائحهم".
ويلفت التقرير إلى أن هناك جانبا آخر من الضعف، وهو غياب التدريب لعناصر الحشد، ما يؤثر على فعاليتهم في القتال، ويجعلهم عرضة لخسائر كبيرة. ويقول رجب: "يحصلون على تدريب عسكري لمدة ثلاثة أشهر، مع أنه كان يجب أن يتدربوا مدة ستة أشهر". ولا يؤثر نقص التدريب على أساليب الحرب، ولكن على الأمن، ويعلق رجب قائلا: "يقوم داعش بالقرصنة الدائمة على اتصالاتنا، ويعرف ماذا نفعل، ويكبدنا خسائر كبيرة".
وترى الصحيفة أن هذه النقاط ظهرت من قصص جرحى الحشد، الذين أحضروا إلى المستشفى، فعمر عبد الله (18 عاما)، الذي جرح في يده ورجله يقول إنه تلقى تدريبا لمدة 25 يوما قبل أن يرسل إلى المشاركة في بيجي.
ويجد الكاتب أن ما حدث لعبد الله يظهر تفوقا لتنظيم الدولة، ويقول عبد الله: "أطلق القناصة علينا النار، ومن ثم دخلنا بيتا للاحتماء من الرصاص. وكنا 13 شخصا، ولم نكن نعرف أن البيت مليء بالمتفجرات"، وعندما وقعوا في المصيدة قام تنظيم الدولة بتفجير المفخخات داخل البيت، ما أدى إلى موت تسعة وجرح أربعة من المتطوعين. ويرى عبد الله أن فترة التدريب يجب أن تكون أطول.
وينوه التقرير إلى أن تنظيم الدولة يعتمد بشكل دائم على المفخخات والقنابل المصنعة بطريقة بدائية والانتحاريين، حيث يستخدم هذه الأساليب لوقف تقدم أعدائه وتكبيدهم خسائر.
وتكشف الصحيفة عن أن خبراء تفكيك المتفجرات لم يسلموا من قنابل تنظيم الدولة، ففاضل رشيد، وهو خبير تفكيك متفجرات من الناصرية جنوب شرق بغداد، كان في دورية بشمال مدينة سامراء، محافظة صلاح الدين، عندما شاهد شيئا مثل الجسر فوق قناة ماء. وقبل أن يكون لديه الوقت لتحذير جنوده وضع أحدهم قدمه على الجسر، ما أدى إلى انفجار القنبلة التي قتلت أربعة وجرحت ثلاثة آخرين.
ويتوقع كوكبيرن أن يقاتل تنظيم الدولة للاحتفاظ بالفلوجة بطريقة تختلف عن تكريت التي خرج منها في الأول من نيسان/ أبريل بعد شهر من الحصار. مشيرا إلى أن التنظيم لم يقاتل بقوة في تكريت، حيث كان يخطط لهجمات مفاجئة في كل من بيجي والرمادي.وتعد الفلوجة أهم؛ لأنها أول مدينة سيطر عليها في العراق، وذلك في كانون الثاني/ يناير 2014، كما أنها قريبة من بغداد، وتمثل تهديدا على العاصمة. ولم يستطع الجيش العراقي شن هجوم مضاد في العام الماضي لاستعادة المدينة، وهو ما أظهر ضعفه.
ويتوصل التقرير إلى أنه في حال سقطت مدينة الفلوجة، فإن ذلك سيكون نعمة ونقمة؛ لأن الحكومة العراقية لا سلطة لها على المليشيات الشيعية، التي تعد القوة الرئيسة التي تعتمد عليها لمواجهة تنظيم الدولة، فالجيش النظامي لا يتجاوز عدده 10 آلاف إلى 12 ألف جندي يمكن الاعتماد عليهم، وهؤلاء يعانون من الإجهاد والتعب، خاصة أنهم دفعوا لمواجهة أزمة بعد أزمة، دون فترة استراحة أو نقاهة.
وتوضح الصحيفة أن من أهم ملامح المعركة على الفلوجة هو الغطاء الجوي الذي ستوفره القوات الأمريكية لمقاتلي الحشد، وهو خلاف ما جرى في الرمادي وتكريت، حيث أصرت الولايات المتحدة على عدم مشاركة الحشد وتقديم الدعم فقط للقوات العراقية.
ويذكر الكاتب أن سربا مكونا من 36 مقاتلة "إف-16" اشتراها العراق وصل يوم الإثنين، حيث هبط في قاعدة بلد العسكرية شمال بغداد.
ويعتقد كوكبيرن أن قتال تنظيم الدولة في الفلوجة حرب شوارع سيكون الدمار الذي سيحل عليها أكبر مما حصل في عام 2004، عندما استخدمت القوات الأمريكية القصف المدفعي والغارات الجوية. ويقول إن تنظيم الدولة منع سكان المدينة من مغادرتها، فيما أجلت الحكومة العراقية خططا لاستعادة الرمادي قبل السيطرة على الفلوجة. ولو فشلت فلن تكون هناك فرصة على المدى البعيد لهزيمة "الدولة الإسلامية" في العراق.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة العراقية حاولت السيطرة على الأنبار في شهر أيار/ مايو بعد سقوط الرمادي، إلا أن العملية إنهارت سريعا. وفي المعركة الحالية يعول على الدور الأمريكي، حيث نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين عراقيين قولهم إن الغارات الجوية وافقت عليها وزارة الدفاع العراقية، ولم تُقدم معلومات غير ذلك حول الدور الأمريكي في حملة الأنبار.
وأضافت الصحيفة أن المليشيات العراقية شنت هجوما على أطراف المدينة، وزعمت أنها تقود المعركة هناك، إلا أن رئيس منظمة بدر هادي العامري قال في مقابلة تلفزيونية إن الهجوم لن يبدأ قبل نهاية شهر رمضان وعيد الفطر، الذي سيحل في نهاية الأسبوع الجاري، ولا يزال في المدينة حوالي 50 ألف نسمة.
ويختم كوكبيرن تقريره بالإشارة إلى أن الصحيفة قالت إن المليشيات المدعومة من إيران كانت تدفع باتجاه الهجوم على الفلوجة، رغم نصيحة المسؤولين الأمريكيين بأن يتم الهجوم أولا على مدينة الرمادي قبل أن يحصن الجهاديون أنفسهم فيها.