"بعد سنوات من التخبط، فإنه يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها قد توصلوا أخيرا إلى استراتيجية لمحاربة الدولة الإسلامية عسكريا في
سوريا، وذلك بينما هم مستمرون في السعي إلى تسوية سياسية مع دمشق"، هذا ما يخلص إليه أحد أشهر المعلقين الأمريكيين، ديفيد
إغناتيوس، في مقال له في "صحيفة واشنطن" بوست الشهيرة.
ويقول إغناتيوس، في مقاله، إن "الكابوس السوري لا يزال أبعد ما يكون عن نهايته، وأنصار الرئيس بشار الأسد مستمرون في الإصرار على أن النظام سوف يخرج من المعمعة سالما. ولكن يبدو أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تمضي الآن بالترادف مع روسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا، وهو تقارب نادر – رغم أن إيران تبقى لديها القدرة الكامنة على إفساد ذلك".
ويرى الكاتب أن أكبر تحول في الاتفاق الأمريكي التركي يتمثل في "خطة لإغلاق الحدود مع سوريا وإقامة منطقة عازلة يصل عمقها إلى عشرات الأميال تقوم القوات التركية بمهمة حمايتها بشكل رئيس. ويعتقد المسؤولون أن ذلك من شأنه أن يقطع الإمدادات عن الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية، بينما تنطلق الطائرات الحربية الأمريكية والتركية من قواعد جوية داخل
تركيا لتدك معاقل مقاتلي التنظيم".
ويقول إن "الفجوة الحدودية التي ينبغي إغلاقها تمتد إلى ما يقرب من ستين ميلا، من نهر الفرات إلى كلس إلى الشمال من حلب. أما المنطقة الحدودية إلى الشرق من الفرات حول كوباني، فقد جرى تنظيفها من قبل قوات سورية كردية تنتسب إلى مليشيات وحدات حماية الشعب التي تحظى بدعم جوي أمريكي".
وبحسب إغناتيوس، "فقد حذرت الولايات المتحدة سوريا بهدوء من أنها ستقوم بصد أي هجمات تشن على القوات التي تحشد للهجوم على الدولة الإسلامية. وهذا لا يعادل إقامة مناطق حظر جوي رسمية ولكنه يمكن أن يصبح كذلك فيما لو بادر سلاح جو الأسد بالهجوم. ورغم الشكوك التي تراود الأتراك بشأن ذلك، فإن الولايات المتحدة ستستمر في توفير الدعم الجوي الذي يحتاجه مقاتلو وحدات حماية الشعب، والذين تعتبرهم الولايات المتحدة حلفاء حيويين بالرغم من ارتباطاتهم السياسية بحزب العمال الكردستاني، وهي الجماعة الكردية الراديكالية التي ترغب أنقرة في تدميرها".
ويوضح الكاتب الأمريكي أنه "ما زالت شهور تفصلنا عن أي هجوم أرضي قد يشن على الرقة. وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية الآن إلى حشد قوة قبلية محلية من السوريين الأكراد والعرب والتركمان، والتي قد تصبح لديها الإمكانية في نهاية المطاف لتنظيف شمال شرق سوريا بدعم جوي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وحتى هذه اللحظة، فإنه ليس لدى الولايات المتحدة خطط لإدخال قوات عمليات خاصة لتشترك في القتال إلى جانب هؤلاء المقاتلين".
و"في الوقت نفسه، تستمر الجهود الأمريكية لتدريب قوة سورية لمكافحة الإرهاب تحت قيادة الفريق مايكل ناغاتا، ولكن ببطء. وتشتمل أول دفعة من الخريجين على 54 مجندا سوريا. ويجري الآن تدريب دفعة ثانية تشتمل على عدة مئات من المقاتلين، ويقال بأن ما يقرب من ستة آلاف سوري قد تطوعوا للانضمام إلى هذه القوات، مع أن هذا العدد مرشح للانخفاض لأكثر من الثلثين بمجرد أن تكتمل عملية الغربلة والتدريب"، كما يقول إغناتيوس.
أما في الجبهة الجنوبية على الحدود السورية الأردنية، فإن الضغوط تتصاعد، "فلقد تلقى الثوار السوريون هنا تدريبات ضمن برنامج سري تديره المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع المخابرات الأردنية، ويقال بأن هؤلاء الثوار باتوا يسيطرون على مساحات متزايدة من الأرض إلى الجنوب من دمشق، ما سمح للأردنيين بتوجيه ضربات إلى مواقع تابعة للدولة الإسلامية في الشمال الشرقي وربما التحرك لتأمين دمشق فيما لو أصبح نظام الأسد آيلاً للسقوط".
معضلة النصرة
ويقول إغناتيوس في مقاله الذي ترجمته "
عربي21" إن "المعضلة التي يواجهها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يتعلق بما إذا كان ينبغي أن تعامل جبهة النصرة، وهي المجموعة السورية التي تنتسب إلى القاعدة، على أنها مصدر تهديد لا يقل خطرا عن الدولة الإسلامية".
ويشير إلى أن المجموعتين متخاصمتان وتتنافسان فيما بينهما، وكثيرا ما يحصل بينهما تراشق بالاتهامات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن بعض المسؤولين الأمريكان ممن يعملون في مجال مكافحة الإرهاب يرون أن "النصرة خصم مميت على المدى البعيد وذلك، جزئيا، لأنها جيدة التنظيم ولديها جذور عميقة في سوريا. إلا أن كثيرا من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك الأردن وقطر وحتى إسرائيل، لديهم تواصل استخباراتي خفي مع النصرة".
تعقيد العراق
يقول إغناتيوس إنه "يحدث الاختراق الجديد في سوريا في الوقت الذي يسعى فيه الجيش العراقي إلى استعادة الرمادي، التي سقطت في مايو الماضي. ويأمل المسؤولون في الولايات المتحدة الأمريكية في أن تتمكن القوات العراقية من استعادة السيطرة على المنطقة خلال الشهور القادمة. وبذلك تبقى الفلوجة التي تقع على مسافة تقل عن 40 كيلومترا عن بغداد معقلا قويا للدولة الإسلامية. وتدار جبهة الحرب مع الدولة داخل الفلوجة من قبل مليشيات شيعية رهن الهيمنة الإيرانية، وهو الأمر الذي يربك الخطط العسكرية الأمريكية والعراقية ويزيد من تعقيدها".
ويشير إلى أن "هدف الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، كما هو في سوريا، يتمثل في حشد القوات القبلية السنية، إلا أن ذلك يحصل ببطء شديد. ويجري الآن تدريب ما يقرب من 1500 مقاتل قبلي في قاعدة التقدم الجوية في محافظة الأنبار، كما أنه يجرى إعداد ما يقرب من 3500 شرطي سني حتى توكل إليهم مهمة إعادة الأمن في الرمادي بمجرد استعادتها وإخلائها من مقاتلي الدولة الإسلامية. إلا أن هذه القوة تظل صغيرة نسبيا، ما يعني أن المشروع لم يقنع القيادات السنية بعد".
ويختم مقاله بالإشارة إلى أن "إدارة الرئيس أوباما تأمل في أن يؤدي الضغط العسكري الجديد في سوريا إلى إقناع الأسد بقبول العملية السياسية التي يمكن أن تقود إلى تغيير في القيادة داخل سوريا، وإن لم يصل الأمر إلى تغيير كامل في النظام. وفي ضوء اهتمام كل من المملكة العربية السعودية وروسيا بهذا الأمر، فقد بدأ المسار يؤتي أكلاً يبعث على التفاؤل".