يتعود البشر على التأريخ لحياتهم بمناسبات معينة فيقول الشخص: منذ زواجي ومنذ تخرجي من الجامعة ومنذ ولادة ابني وهكذا تبدو هذه الأحداث كأحداث كبرى في حياة البشر ومحطات لتذكر التغييرات الكبرى التي أعقبتها، مأساة رابعة صارت أحد هذه الأحداث الكبرى في حياتنا التي صرنا نؤرخ بها فنقول بعد المذبحة وعقب الفض، تغير كل شيء بعدها لم نعد نحن نحن، ولم يعد جيراننا جيراننا، ولا أصحابنا أصحابنا، حتى أقاربنا منهم من انقطعت علاقتنا بهم بعد أن باعدت بيننا المواقف المختلفة تجاه ما حدث وتوصيفه.
كانت رابعة خطا فاصلا بين الإنسانية وعدمها، كانت اختبارا لما تبقى من ضمائر حية، كان السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه - وما زال – هل ترضى بقتل خصومك والتنكيل بهم؟ هل تشمت في قتل من يخالفك وتفرح بسحقه؟ هل تمتلك القدرة على تبرير القتل تحت أي دعوى؟ هل لا تملك القدرة والشجاعة على وصف المذبحة بالمذبحة؟ هل تأخذك العزة بالإثم وتكابر طبقا لهواك السياسي؟
تألمنا من الإخوان وممارساتهم لكن لم نرضى أبدا أن تستباح دماءهم ، لم نفوض ولم نهلل ولم نبارك دوران ماكينة القمع والبطش، كنا نؤمن دوما أن هناك حلولا أخرى غير قتل الخصوم وتصفيتهم،كان الدم عندنا حرام، كل الدم بلا استثناء مدنيا أوشرطيا أوعسكريا، رفضنا الانتقائية فى إدانة العنف وشرعنة حمل السلاح واستخدام القوة سواء من جانب الدولة أو الأفراد، تمسكنا بالسلمية كخيار أبدى لا تراجع عنه، احترقت قلوبنا على شهداء أبرياء لم يرتكبوا جرما سوى التعبير عن أراءهم بسلمية، أوجعتنا دموع أمهات المعتقلين وأبناءهم، رفضنا سياسات العقاب الجماعى والشيطنة والاصرار على تحويل الكل الى ارهابيين بلا ذنب ولاجريرة، جهرنا بالمظالم التى نعرفها كى نحاول رفعها وإنصاف المظلومين.
لم يعجب هذا الطرفين، فانطلقت سهام النهش تمزق فينا، دولة تُسخر أجهزتها وإعلامها وأبواقها للاغتيال المعنوى لكل من قال لا للقتل وابادة البشر واهدار كرامة الانسان، وأنصارجماعة يلومون ويخونون من رفضوا قتلهم وأدانوه بقوة غير عابئين بانتقام السلطة وأزلامها، فريق يريدك مباركا للقتل ليرضى عنك وفريق أخر يريدك رافعا كفيك بإشارته ومرددا لخرافاته وأوهامه السياسية كى يرضى عنك ويصفح، طرف يحملك مسئولية تنامى العنف لأنك تتحدث عن حقوق الانسان وتصر على احترامها وطرف أخر يرى نفسه ملائكيا لا يضل ولا يهفو وكل أفعاله وممارساته صواب أنت لم تدركه رغم ما جناه على نفسه وعلى الثورة والديموقراطية باختياراته العبثية والبراجماتية التى منحت الثورة المضادة كل أسباب التفوق والتقدم والانتصار !
يصبح التلاوم الأن عبثا ورفاهية وخبلا فقد انحاز كل جمع لأفكاره وتشبث بها، من انتحرت إنسانيتهم لن يستعيدوها ومن تصلبت أفكارهم وتجمدت رؤاهم سيظلون فى نفس الجمود، الأمل المتبقي فى أصحاب العقول الذين لم تصيبهم لوثة الجنون ونزق الانتقام، من السهل أن نقوم باختزال وتسطيح الواقع وانتظار الأمانى التى لا تتحقق، من السهل أن ننخرط فى البكائيات ونتقوقع فى الاجواء الملحمية التى تشبع نفوسنا المحترقة وتواسيها، لكن الصعب أن نعيد قراءة الواقع ونتعظ من الدروس والعبر ونقوم الأخطاء التى طالت الجميع ولا يمكن أن نستثنى منها أحد،حتى نستطيع أن نخلق رؤية استراتيجية من أجل تحقيق الديموقراطية التى نزلت الجماهيرتطالب بها منذ اندلاع الثورة
المصرية فى 25 يناير 2011، الأسئلة الكبرى التى لا نجيب عليها تنتظر إجابات سيتولد عنها مسار جديد وفعل مختلف ورؤية تتفاعل مع الواقع ولا تنكره.
نحن فى معركة طويلة من أجل استعادة الديموقراطية وهزيمة الثورة المضادة،مهما طالت أوقصرت فلا قعود عنها ولا تخاذل، قد تختلف الأليات والوسائل والمسارات ولكنها يجب أن تصب فى اتجاه واحد يهدف لإعادة كسر حاجز الخوف الذى أعادت بناءه المذابح والبطش ثم ترتيب الأولويات وتوسيع قاعدة المناضلين من أجل الديموقراطية وخلق مسارات للحركة الايجابية ذات الأثر الفعال مهما بدا بطيئا فسنة التدرج سنة كونية والتمسك بالأمل أقوى سلاح فى مواجهة أثار الهزيمة ومحاولات خلق الانكسار وتعميقه، معركتنا مضمون لها النجاح لأن الشرمهما بدا قويا ومتجبرا فإنه إلى زوال، من يبكون الشهداء ويريدون الوفاء لهم فليناضلوا من اجل الأهداف التى ماتوا من اجلها وهذا أعظم الوفاء.