كشف مصدر ليبي مطلع عن أن كتلة الوفاق الوطني وكتلة حزب "
العدالة والبناء" (أكبر كتلة في
المؤتمر الوطني الليبي) وكتلا برلمانية أخرى، رفض تسميتها، تفكر جديا في إقالة رئيس المؤتمر نوري
بوسهمين، وذلك على خلفية قيادته للفريق الرافض للحوار الذي يهدف لحل الأزمة الليبية.
وقال المصدر في تصريحات لـ"
عربي21": "بعد أن اقتربت الجولات الأخيرة للحوار، والتي لا تحتمل المماطلة، صرح بوسهمين بوضوح في لحظة غضب داخل المؤتمر؛ بأنه غير مقتنع بالحوار، وأنه لا يسعى إلا لكسب الوقت حتى نهاية مجلس النواب دستوريا (أي تشرين الأول/ أكتوبر)، وهو الأمر الذي دفعهم للتفكير في الإطاحة به".
وذكر المصدر أن كتلتي الوفاق الوطني والعدالة والبناء تضغطا بقوة من تحت قبة المؤتمر على ضرورة "الالتحاق وطرح المخاوف والتحفظات على طاولة الحوار، انسجاما مع الرؤية التي تقوم على التشخيص الدقيق للأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ومعرفة واضحة للبعد الدولي والإقليمي والمحلي، ولذلك لا بد من البحث عن حل لهذه الأزمة وسط هذه الظروف الصعبة محدودة الخيارات"، وفق قول المصدر.
وقال المصدر المطلع، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن المجتمع الدولي وصل إلى قناعة مفادها أن المؤتمر الوطني يُسيطر عليه الرأي المتشدّد، وترسخت هذه القناعة أخيرا بعد المواقف التي اتخذها المؤتمر، والتي وصفها بالسلبية.
وشدّد على أن جهود الأطراف المحسوبة على سلطة طرابلس التي أبدت مرونة ورغبة في التعاطي "الإيجابي" مع الأزمة الليبية والمجتمع الدولي، وانخراطهم الفاعل في الحل السياسي، هو العامل الأساسي وراء رفض المجتمع الدولي تسليح حكومة طبرق برئاسة عبد الله الثني بشكل رسمي، ورفض المجتمع الدولي وصف قوات فجر
ليبيا، التابعة للمؤتمر الوطني، بالإرهاب، والإبقاء على أهم المؤسسات السيادية محايدة وخارج سيطرة برلمان طبرق على الرغم من اعتراف المجتمع الدولي به.
وأوضح المصدر في حديثه لـ"
عربي21"؛ أن التعاطي الإيجابي من قبل هذه الأطراف، المتمثلة في المجالس البلدية ومن ضمنها بلديتا طرابلس ومصراتة وبعض المجالس الأخرى، والنواب المقاطعين المحسوبين على فجر ليبيا، وحزب العدالة والبناء كونه جزءا من المؤتمر، وكذلك الثوار وبخاصة الذين دعوا إلى التهدئة ووقف القتال، هو الذي حقق العديد من المكاسب حتى الآن، بحسب رأيه.
وأضاف المصدر: "لو انسحبت كل هذه الأطراف وتُرك المؤتمر يتعاطى لوحده مع الأزمة بهذا الشكل المرتبك والمتشدّد، لكانت النتيجة أسوأ مما نتوقع".
فشل المؤتمر في استيعاب مؤيديه
وبحسب المصدر، فقد "فشل المؤتمر الوطني العام في احتواء واستيعاب المؤيدين له من تيار الثورة، بانتهاجه سياسة تصادمية مع أبرز شركائه من النواب المقاطعين لمجلس النواب، والمجالس البلدية والأحزاب السياسية، واستفزهم جميعا في أكثر من موقف، حيث لم يسمح بمرافقة النواب المقاطعين لوفد المؤتمر على متن طائرة واحدة، في إحدى جولات الحوار التي سبقت التوقيع بالأحرف الأولى".
واستطرد: "كما صرح المؤتمر الوطني في أكثر من مناسبة بأن الأطراف التي شاركت في الحوار ووقعت بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي لا تمثل إلا نفسها، بل حاربها واعتبرها منافسة له، ويجب عليها أن تمتنع عن أي مشاركة إلا من خلاله"، مضيفا: "نسي (المؤتمر) أنها مرحلة هشة، وأنه لا يملك سلطة حتى على المسلحين الذين يدفع لهم أجورهم، ويُعطي لهم الغطاء الشرعي للعمليات العسكرية"، حسب قوله لـ"
عربي21".
وقال المصدر إن المؤتمر نسي أن أزمة ليبيا معقدة وتتطلب تضافر كل الجهود والاستفادة منها، عن طريق استيعابها وفقا لرؤية موحدة يشارك فيها الجميع، من خلال التنسيق بين كافة الأطراف وتبادل الأدوار وتكامل الخطاب، من أجل إيجاد مخرج من الأزمة مع الحفاظ على أكبر قدر من مكتسبات الثورة.
وأردف: "وهذا يتطلب دورا مهما من المؤتمر؛ بحيث يكون الراعي لكل هذه الاطراف بدلا من اعتبارها خصما له".
وتابع المصدر: "الجميع يعلم أن كثيرا من سكان الغرب ولاؤهم للبرلمان في الشرق، وربما بعض سكان الشرق والجنوب موزعون أيضا بين من يؤيد المؤتمر أو البرلمان، وهذا يفرض على المؤتمر مرونة أكبر بدلا من الانجرار وراء التمسك الحرفي بضرورة طاعة ولي الأمر غير المتفق عليه أصلا، وأن يتعامل مع الواقع ويرحب بمن يعترف بالمؤتمر كواجهة سياسية ويفسح لهم المجال للتشاور والتنسيق".
وبحسب المصدر، فإن "البعض أصبح يختزل الثورة في ذاته ومحيطه، معتبرا ومصنفا من خالفه صنفا من ثلاثة أصناف: إما خائن وإما انبطاحي وإما خائف، بل وصل الأمر ببعض المتشدّدين أن يسوق إلى أن مدينة مصراته بأكملها قد تخلت عن الثورة، حتى وصفوا من وقعوا بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي بأنهم من الثورة المضادة".
ووفق المصد ذاته، فإن "الكثيرين يستسلمون إلى نظرية المؤامرة ويستدعونها بقوة عند تحليلاتهم، وهذا لا يعني نكران وجودها، ولكن نرفض أخذها بشكلٍ مطلق".
ويوضح المصدر أن "الانقسام السياسي الحاد وهشاشة الدولة أدى إلى عدم وجود سلطة مركزية تبسط سيطرتها على الغرب الليبي ولا شرقه، وبالتالي فإن البعثة الأممية تعاملت مع الواقع الذي يقول إن السلطة موزعة بين المؤتمر الوطني العام والثوار على الأرض والمجالس البلدية وبعض القوى السياسية، كيانات وشخصيات، مثل الأحزاب السياسية والنواب المقاطعين، وشخصيات عامة، ولهذا تعاملت البعثة من خلال عدة مسارات وعلى مستويات مختلفة".
ويتابع المصدر حديثه لـ"
عربي21" قائلا: "كان من المفترض أن يدرك المؤتمر الوطني حقيقة الوضع السياسي ويستوعب شركاءه، ويتبادل معهم الأدوار لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في جولات الحوار. ولكن للأسف ما حدث خلاف ذلك، حيث انتهج المؤتمر سياسة التصادم مع القوى الفاعلة واعتبرها متمردة خارجة على سلطته، منافسة له، بل واجتهد في سد كل سبل التواصل معها، وإن تعامل فكان باستعلاء زائف، معتبرا إياها في صف الثورة المضادة".
وفي سياق متصل، قال المصدر: "إن المؤتمر رفض الهدنة بين المتقاتلين في منطقة العزيزية بالقرب من العاصمة طرابلس، بعدما دعت أبرز كتائب ثوار
مصراتة، المتمثلة في لواء "الحلبوص"، إلى تهدئة بالمنطقة الغربية، بل حتى عقدت اتفاقات بهذا الشأن، ولقد باركها المجلس البلدي لمدينة مصراتة، وأيضا حزب العدالة والبناء وكثير من العقلاء المتفهمين لطبيعة المشكلة الليبية"، حسب تعبير المصدر.
وتابع: "لقد طالب الجميع المؤتمر الوطني بتبني هذه المبادرة، وأن يشرف عليها ويضع لها الضمانات لنجاحها ومنع اختراقها، ولكن للأسف رفض المؤتمر، وبالأصح رفض بوسهمين الهدنة واتهمها بأنها خطة انقلابية رُسمت في الخارج. والحقيقة أنه واقع تحت تأثير بعض الأطراف المتشددة، الذين يرفضون التهدئة والحوار ولا يرون إلا الحسم العسكري حلا أمثل للأزمة الليبية".
وذكر المصدر لـ"
عربي21"؛ أن قيادة المؤتمر لم تقف عند هذا فحسب، بل استعانت بالفتوى الشرعية التي لم تُجز أي تهدئة خارج موافقة "ولي الأمر"، أي المؤتمر الوطني العام، مضيفا: "هنا لا نناقش الفتوى، ولكن نناقش المعلومات التي بُنيت على أساسها، والظرف الذي تمر به البلاد، ومع كل تلك المحاولات المعرقلة".
واختتم المصدر حديثه مع "
عربي21" بقوله: "مبادرات التهدئة انطلقت وتوسعت وشملت كل المدن في الغرب، والحمد لله توقفت الحرب ولم يبقَ إلا اختراقات أمنية وحالات فردية بسبب الهشاشة العامة للحالة الأمنية، ما جعل المؤتمر الوطني ودار الافتاء والمتشددين في حرج أمام أبناء الشعب الليبي الذين رأوا أن الحرب توقفت وحقنت الدماء، بجهود شباب خيرين، وللأسف رفض ولي الأمر أن يتبنى مبادرتهم، التي أفلحوا في جعلها واقعا معاشا يراه الجميع"، حسب تعبيره.