نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا تعرضت فيه إلى العوامل الميدانية والأسباب التي دفعت النظام السوري للإقدام على مجزرة
دوما بريف دمشق، كما أشارت إلى ردود فعل المعارضين السوريين الذين استهجنوا الصمت الدولي والردود المتواضعة، مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها
سوريا.
ونقلت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، عن المحلل السوري باسل الجنيدي، الباحث في مركز الدراسات السياسية بمدينة عنتاب التركية، أن "العالم اليوم أصبح يتصف بالعنصرية، والدليل على ذلك أن المنظمات غير الحكومية التي قام بالاتصال بها إثر الهجمات التي هزت مدينة دوما، قد حثته على الاتصال بالمنقذين على عين المكان وتشجيعهم على البحث عن ضحية أجنبية تحت الأنقاض، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستولّد قرار حاسما ضد بشار الأسد".
ولاحظت الصحيفة أن هذا الاعتداء على مدينة دوما، الذي وقع الأحد الماضي، يأتي بعد نحو سنتين من تاريخ الاعتداء على المنطقة ذاتها بالأسلحة الكيميائية في الواحد والعشرين من آب/ أغسطس من سنة 2013، الأمر الذي أثار موجة من الاحتقان والتنديد في صفوف المعارضين لبشار الأسد، في ظل مواقف دولية تراوحت بين الصمت أو الاكتفاء بالشجب والتنديد.
كما أشارت الصحيفة إلى أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وهي منظمة غير حكومية تهتم بإحصاء الضحايا المدنيين للحرب السورية، كان قد أعلن أن مجموع ضحايا الهجوم الجوي على المنطقة وصل إلى 112 قتيلا و270 جريحا، وأنه يُعدّ من أعنف الهجمات التي هزت المدينة منذ بداية الثورة على نظام الأسد في 2011.
ونقلت عن بسام الأحمد، الناطق الرسمي باسم مركز التوثيق، أن "الطائرات قد استهدفت سوقا مكتظة، بعد أن كانت قد استهدفتها قبل أسبوع فقط، ما يكشف عن نية النظام المبيّتة في قتل أكبر عدد من المدنيين".
وأفادت "لوموند" أن العديد من البلدان الغربية قد نددت بهذا التصعيد، على غرار ستيفن أوبراين، مدير الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، الذي كان في زيارة لدمشق وقت الحادثة، حيث استهجن "الغياب التام لأي احترام لحياة المدنيين في هذا الصراع".
كما أضافت أن أعضاء
مجلس الأمن الدولي قاموا بإصدار قرار دعم لستيفان دي مستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة، لمواصلة سعيه لتأمين الفترة الانتقالية، في حين يواصل نظام الأسد سياساته المستهترة بحياة السوريين والقرارات الدولية.
وأكدت الصحيفة أن اختيار الهدف لم يكن عشوائيا، حيث إن دوما من أهم المناطق على الشريط الزراعي الذي يحيط بدمشق من الشرق والجنوب، وهي من أول المدن التي طردت قوات النظام من أراضيها في 2012، وذلك نتيجة لترسخ الفكر الثوري المناوئ للنظام البعثي، باعتبار أنها تضم تيارين سياسيين بارزين هما الإسلام السياسي والتيار الناصري.
وقالت إن النظام السوري قام بفرض حصار صارم على المنطقة منذ إعلانها عن تمردها، بهدف تأمين الطريق المؤدية إلى دمشق، الأمر الذي أدى إلى اندلاع مناوشات ظلت تحصد العديد من الضحايا بشكل يومي، حيث استولى مقاتلو الجيش السوري الحر على مدينة دوما، ليتم بعد ذلك استبدالهم بالفصائل الإسلامية المسلحة بشكل أفضل.
وأشارت إلى أن جيش الإسلام، بقيادة زهران علوش، الذي يعدّ رجل السعودية داخل الصراع، هو أقوى مجموعة في المنطقة، حيث قام بشن العديد من الهجمات ضد مواقع النظام في حرستا، وقام يوم الأربعاء الماضي بإطلاق قذائف على العاصمة دمشق، قبيل زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وذكرت الصحيفة أن التخمينات حول سبب قيام النظام بمثل هذا الهجوم البربري قد تعددت، بين معتقد بكونه رسالة موجهة للحلفاء الروس الذين عبروا عن الاستعداد لتغيير موقفهم، وبين من يرى أن هذه الضربة استهدفت زهران علوش بهدف تأليب الناس ضده من خلال زيادة الضغط عليهم، حيث إن "النظام لاحظ المظاهرات الأخيرة المعادية لزهران، وهو الآن يهدف إلى تأجيج مشاعر الغضب بين أهالي دوما.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن كلا من الولايات المتحدة والسعودية كثفتا من المشاورات مع روسيا، التي تعدّ أحد أهم حلفاء نظام بشار الأسد، من أجل التوصل إلى قرار بالإجماع حول الوضع في سوريا دون اللجوء إلى الفرضية العسكرية. وأفادت أن المستقبل لا يزال غير واضح، خاصة فيما يخص مصير الأسد وكيفية وضع القرار حيز التنفيذ.