"الاستعانة بالكافر".. جدل فقهي يتجدد في سوريا

اعتبر الداعية السعودي، رئيس مركز دعاة الجهاد في سوريا، الدكتور عبد الله المحيسني مسألة "استعانة المسلم المجاهد في سبيل الله بالكافر (لها صورة متعددة) مدخلا انزلق فيه "كثير من المجاهدين"، فكفر بعضهم بعضا بغير حق.

وقال المحيسني: "وهذه هي المسألة الأدق (الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي)، وهي المزلق الذي بسبب الجهل به هوى كثير من شباب المسلمين في مهاوي تكفير المسلمين بغير حق، فاستبيحت به الدماء، واستبيحت أموال المسلمين ممن منهجه التكفير بأدنى الأسباب..".  

جاء ذلك في رسالته الجديدة "الإبانة في أحوال الفصائل في باب الاستعانة"، المخصصة لبيان أحكام استعانة المسلم بالكافر بحسب صورها المختلفة، والتي قدم لها المنظر الجهادي المعروف أبو قتادة الفلسطيني. 

ووفقا لأبي قتادة في تقديمه للرسالة فإن المحيسني أعاد في بحثه هذا "مسائل العلم إلى أجوائها من الخلاف، وهي أجواء الحق والخطأ، لا أجواء التكفير التي لا يتداولها إلا من لم يشم رائحة الفقه.."، منتقدا مسالك "أهل الغلو" الذين يسارعون في تكفير الآخرين بما لا يُعد مكفرا في ذاته وحقيقته.

ذكر المحيسني للاستعانة ثلاث صور، فصورتها الأولى هي "الاستعانة بالكافر على قتال الكافر" ومثالها "أخذ فصيل من الفصائل المقاتلة شحنة من الأسلحة من جهة داعمة – كافرة – لقتال النظام السوري" من غير أن تكون معترفة بتلك الجهة ولا ممثلة لها"، أي ليست عميلة لتلك الجهة. 

فما حكم الاستعانة بالكافر على الكافر؟

نقل المحيسني ما نصه: "اتفق الفقهاء أنه يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو عند الضرورة إلى ذلك، لمقتضى القاعدة الفقهية المشهورة (الضرورات تبيح المحظورات)، أما الاستعانة لغير ضرورة فاختلفوا فيها على قولين: الأول يُحرم والثاني يجيز". 

أما متى تكون الاستعانة بالكافر كفرا وردة (الصورة الثانية من صور الاستعانة)؟ فطبقا للمحيسني، فهي في حالة "الاستعانة بالكافر على المسلم العادل.. وذلك كمن يعين الكافرين على المسلمين، أو يستعين بهم ويدخل تحت مظلة الصليبين، فهذه ردة عن دين الله، فالاستعانة بالكافر على المسلم حيث تكون الراية للكافر تحرم بالإجماع، بل هو ناقض من نواقض الإسلام، وردة صريحة..".

الصورة الثالثة من الاستعانة هي "استعانة المسلم بالكافر على المسلم الباغي" والتي اختلف العلماء فيها "اختلافا عريضا بين محرم ومبيح في حالات ضيقة" بحسب المحيسني الذي شدد على "أنه لم يقل أحد من العلماء بكفر من وقع ذلك الذنب، فمدار الخلاف بين مؤثم ومجرم ومبيح في حالات ضيقة".

في تفصيل حكم هذه الاستعانة أوضح المحيسني أن العلماء قسموا الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي إلى قسمين: الأول أن يعين الكفار على قتال البغاة والراية والغلبة والمعركة للكفار فذلك ردة عن دين الله"، والثاني "أن يستعين بالكفار والراية للمسلمين وفي هذا القسم كفر جماعة البغدادي جميع الفصائل المقاتلة حينما قاتلتها إلا ما ندر، وكذلك وقع بعض المجاهدين من غير جماعة البغدادي في التكفير..".

ولإظهار الخلاف الواقع بين أئمة المذاهب في هذه المسألة نقل عن ابن حزم قوله "اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة لا يجوز أن يُستعان عليهم بحربي ولا بذمي، ولا بمن يستحل قتالهم مدبرين وهذا قول الشافعي، وقال أصحاب أبو حنيفة لا بأس بأن يستعان عليهم بأهل الحرب وبأهل الذمة وبأمثالهم من أهل البغي..".

في السياق ذاته أوضح عميد كلية الشريعة في جامعة جرش الأردنية، الدكتور حسن شموط أن "مسألة الاستعانة بالمشركين في القتال وقع فيها الاختلاف قديما وحديثا، وقد وضع لها العلماء ضوابط عديدة، فبداية لا تجوز الاستعانة بغير المسلم إن كانت ستؤدي إلى إظهار الكفر وإذلال المؤمنين".

وأضاف شموط، أنه "كما لا يجوز الاستعانة بغير المسلم إذا كان في المسلمين قوة ومنعة تغنيهم عن هذه الاستعانة"، لافتا إلى أن الأصل في الاستعانة بالكافر على الكافر عدم الجواز لأدلة شرعية ثابتة ومقررة، لكن أجاز بعض الفقهاء الاستعانة بالكافر استثناء من الأصل، بشرط الحاجة إليهم، مع عدم وجود من يحل محلهم من المسلمين، وأن يكونوا تابعين لقيادة المسلمين.. إلى غير ذلك من الشروط الأخرى. 

وجوابا عن سؤال "عربي21" حول حكم الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي، قال شموط: "جمهور أهل العلم على عدم جواز الاستعانة بالكافر على قتال المسلم ولو كان باغيا، بينما أجاز الحنفية الاستعانة بهم بشرط أن لا يكون حكم الكفار هو الظاهر".

يُذكر أن الجدل الفقهي حول مسألة الاستعانة بالكفار على مختلف صورها، قد تجدد مع أحداث الثورة السورية، حينما تعالت أصوات قوى وجهات سورية وعربية تطالب أمريكا بالتدخل العسكري لإسقاط نظام بشار الأسد.

 وكان الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، من المطالبين بتدخل أمريكا لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، بعد تأييده السابق لتدخل حلف الناتو في إسقاط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. 

وتجدد الجدل الفقهي حول مسألة جواز الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي، حين تم تشكيل التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (بدأت أولى ضرباته في 19 أيلول/ سبتمبر 2014)، والذي شاركت فيه بعض الدول العربية.

وثار الجدل من جديد بعد أن قررت تركيا المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، والتي بدأت في 24 تموز/ يوليو 2015، فتراوحت مواقف الفصائل السورية بين مرحب بقرار الحكومة التركية، وأخرى قالت بعدم جواز الاستعانة بتركيا كجبهة النصرة، في الوقت الذي هاجم فيه تنظيم الدولة تركيا مهددا بتنفيذ عمليات تفجيرية تستهدف "المنتجعات التركية الشهيرة".

تبقى الإشارة إلى أن أحكام الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي، تدور بين التحريم والإباحة بشروطها (كما هو مذهب الأحناف)، لكن لم يعتبرها أحد من الأئمة كفرا وردة، بل "ثمة فرق كبير، وبون شاسع بين التحريم والتكفير، ولا يلغي ذلك الفرق إلا أرباب الغلو في التكفير" على حد قول الدكتور المحيسني في ختام رسالته.