عبدالعزيز بوتفليقه نصف الرئيس، أو ثلاثة أرباع الرئيس، وفقا للصحافة
الجزائرية، الذي تعرض لجلطة دماغية عام 2013، أفقدته القدرة على الحركة، ينجح في الإطاحة بالرجل القوي في البلاد والذي يمسك بخيوط اللعبة السياسية والأمنية في الجزائر منذ عام 1990.
بوتفليقة يغير قواعد اللعبة الداخلية التي ترسخت منذ استقلال البلاد، وتمثلت في هيمنة المؤسسة العسكرية والأمنية على الحياة السياسية إلى درجة أنها أوكلت لنفسها مهمة صناعة الرؤساء.
"زلزال سياسي" و"نهاية أسطورة" و"قرار تاريخي"، بحسب الإعلام الجزائري، أم تخلص من رجل طالما
عارض بشدة ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية رابعة، حيث كان يسعى لتوتير الأجواء وتأليب القيادات الأمنية ضد الرئيس المريض.
رحيل مليء بالضجيج والتوقعات لرجل كان ذات يوم صانعا للرؤساء والحكومات، وأكثر ضباط المؤسسة العسكرية نفوذًا في البلاد في العقدين الماضيين، حيث شهد تسلم أربعة رؤساء لقيادة الجزائر، وكذلك 10 رؤساء حكومات، وعشرات الوزراء والشخصيات السياسية والحزبية.
الرئيس بوتفيلقة يجرد المؤسسة الأمنية الأمنية والعسكرية من صلاحيات بلا حدود وبلا رقابة ترسخت عبر سنوات التسعينيات الدامية، ويعيد بوتفليقة الصلاحيات وصناعة القرار بصفة نهائية إلى مؤسسة الرئاسة في قصر" المرادية" في عهد رئيس بالكاد يتحدث إلى شعبه في الآونة الأخيرة.
إحالة مدير المخابرات (إدارة الاستعلامات والأمن) الفريق
محمد مدين، إلى التقاعد، بعد ربع قرن على رأس الجهاز القوي وواسع السلطة والنفوذ، وتعيين مستشار الرئيس بوتفليقة للشؤون الأمنية اللواء بشير طرطاق مكانه، كان أشبه بقنبلة مزقت هدوء صباح العاصمة الجزائر.
يوصف مدين، المعروف أيضا باسم "توفيق" والبالغ من العمر(76 سنة) بـ"الخفي" حيث لا يظهر على الإعلام أو في المناسبات الرسمية والعامة، ولا يعرف معظم الجزائريين شكله، وهذا الأمر لا ينطبق فقط على الجزائري العادي وإنما يطال أيضا نخبا ومن بينها وسائل الإعلام التي لا تملك صورا له سوى واحدة أو اثنتين سربتا عبر الإنترنت.
رجل أمسك بلجام
المخابرات الجزائرية في أوج الأزمة الأمنية التي راح ضحيتها 200 ألف قتيل، بما عرف بالعشرية السوداء، كان أشبه بشبح غير مرئي لم يدل بأي تصريح، ولم يظهر بأي مناسبة.
تسود في الجزائر قراءتان لما يجري داخل المؤسسة الأمنية، الأولى تقول إن الرئيس بوتفليقة يجري تعديلات عادية كانت مقررة منذ سنوات وترمي إلى إعادة هيكلة جهاز المخابرات، والثانية أن هذه التغييرات تأتي في سياق صراع بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات، وإعادة توزيع للقوات والمتاريس والقواطع السياسية، كل طرف يريد زيادة نفوذه داخل النظام على حساب الآخر.
شظايا قنبلة بوتفليقة المفاجئة لملمت بعضها صحيفة "الوطن" الجزائرية بقولها: "رحيل قائد عسكري رمى بثقله في الساحة طيلة ربع قرن، هو حدث من شأنه أن يكون مصدر ارتياح للجزائريين، لكنه غير كاف، وعلى الجانب الآخر أن يغادر أيضًا" في إشارة إلى جناح بوتفليقة الذي يقود البلاد منذ عام 1999 لأربع ولايات متتالية.
قرار إحالة مدين "توفيق" إلى التقاعد يقع ضمن سلسلة تغييرات أجراها بوتفليقة منذ عام 2013 داخل المؤسسة العسكرية في الجزائر، وهي تهدف وفقا لبيانات رسمية إلى "إعادة هيكلة للجيش في إطار تجسيد مبدأ الاحترافية"، فيما قالت صحف وقال مراقبون محليون إنها جاءت لـ"إضعاف قائد جهاز المخابرات بإنهاء مهام مقربين منه".
ومسّت هذه التغييرات بالدرجة الأولى، جهازي "الأمن الداخلي والخارجي" و"الأمن الرئاسي" بجهاز المخابرات، كما أنه تم نهاية آب/ أغسطس الماضي سجن القائد السابق لجهاز "مكافحة الإرهاب" في المخابرات، الجنرال عبد القادر إيت أوعرابي، المقرب من مدين، وأحيل إلى القضاء العسكري دون الكشف عن التهم الموجهة إليه رسميا، وحولت إدارة عدة أجهزة ومصالح كانت تابعة للمخابرات إلى قيادة الأركان، كما أنه تم تغيير كل من قائدي "الحرس الجمهوري" وجهاز "الدرك الوطني".
ويوجد الجنرال عبد القادر إيت أوعرابي، المعروف بالجنرال حسان، رهن التوقيف، منذ أسبوعين وهو واحد من المقربين من الجنرال "توفيق"، حيث وجهت له من قبل القضاء العسكري تهم عدة أهمها تكوين عصابات أشرار وحيازة أسلحة خارج الأطر القانونية.
لكن البديل لـ"توفيق" لم يأت من سياق مختلف، فهو الرجل الثاني بالمخابرات، وكان يشغل منصب مدير الأمن الداخلي بجهاز المخابرات، ويعتبر أحد أكثر المقربين من الجنرال "توفيق".
بشير طرطاق، خريج جامعة قسنطينة، وحصل منها على شهادة في الجغرافيا، وتلقى تدريبا لدى أجهزة المخابرات السوفييتية، ليتولى مهمة تسيير عدة ولايات بالجزائر، كما أنه تم تعيينه في التسعينيات من القرن الماضي نائبا لقائد غرفة عمليات فرق الموت، ما جعله يتعرض لانتقادات العديد من منظمات حقوق الإنسان، بسبب تورط رجاله في مجازر جماعية.
وعين أيضا على رأس إدارة مكافحة التجسس في عام 2011، بعد أن ظل مغيبا عن واجهة الأحداث لسنوات، بسبب مشاكل قديمة بينه وبين الرئيس بوتفليقة.
نخب جزائرية ترى أن تعيين الرئيس السابق لوحدة مكافحة التجسس، الجنرال طرطاق، مديرا للمخابرات، يعد خطوة غير بريئة، فطرطاق كان إلى وقت قريب من المقربين من الجنرال "توفيق"، ولكن بأمر من الرئاسة قام الجنرال بومدين بإقالة طرطاق واللواء راشد العلالي، الملقب بـالعطافي، مسؤول الأمن الخارجي، من منصبيهما، وهو ما جعل الجنرال طرطاق يشعر بخذلان رؤسائه له، ولذلك لم يرفض عرض بوتفيلقة بتسلم منصب "توفيق" بعد الإطاحة به.
بوتفليقة لا يحدث تغيرا جوهريا في الساحة الداخلية وفي تبيض صفحة النظام بإقالة "توفيق" واستبداله بطرطاق، فكلا الرجلين محسوبان على فترة قاتمة وكئيبة في تاريخ الجزائر والمغرب العربي، وعملية التغيير الشكلية فقط جاءت من أجل رفع معنويات مؤسسة الرئاسة التي تعاني من المرض والشيخوخة وضعف الحركة.