كتبت روزانا بومنصف: في
سوريا يصطدم حل الأزمة التي انطلقت ضد نظام الرئيس بشار
الأسد نتيجة سوء إدارته بما بات يعرف في أروقة الأمم المتحدة بـ"عقدة الأسد" استنادا إلى أن الرئيس السوري الذي دخلت إيران وروسيا منذ بدء الأزمة على خط دعمه بكل الوسائل العسكرية والدبلوماسية والمالية رفض الحوار ولا يزال. وهو إنما فعل ذلك على قاعدة رهانه على جملة أمور ساهم في تسعيرها من أبرزها بروز تنظيم الدولة الإسلامية ما جعل الغرب يرتعد من الإرهاب مع قدرة هذا التنظيم على اجتذاب الشباب المسلم في الدول الغربية إلى سوريا، ثم تصاعد مسألة اللاجئين السوريين الذي طرقوا أبواب أوروبا أخيرا، علما أن الهاربين السوريين فضلوا خوض غمار المخاطر في البحر واحتمالات الموت بدلا من اللجوء إلى مناطق سيطرة النظام مما يفترض أن يدحض المنطق الذي سقطت الدول الغربية في فخه وهو أن تنظيم الدولة الإسلامية وحده المسؤول عن تهجير السوريين من بلادهم وليس أيضا الحصار والبراميل المتفجرة والقصف بالأسلحة الكيميائية التي استعملها النظام ضد شعبه. وبعد ما زاد على اربع سنوات من عمر الأزمة السورية نجح الرئيس السوري بدعم حلفائه في الرهان على عامل الوقت من اجل الضغط على الغرب للتجاوب مع حلول مناسبة له اكثر من التنحي أو الرحيل. ولعله يراهن على انه حقق خطوة كبيرة جدا في تأجيل بت مصيره في انتظار أن تتغير الأنظمة والدول الخارجية من اجل أن يعيد تأهيل نفسه فيمدد وجوده الممدد. هكذا حصل معه مع التغير الذي طاول الرئاسة الفرنسية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتخاب نيكولا ساركوزي بعد الرئيس جاك شيراك، ففتح له أبواب باريس مجددا وكذلك فعلت الولايات المتحدة فعاد للعب مجددا بالسياسة
اللبنانية بعدما كانت قواته العسكرية خرجت من لبنان في نيسان 2005 بعد انتفاضة 14 آذار ضد استمرار السيطرة السورية على لبنان. "عقدة الأسد" تضطر الدول إلى المساومة عليها حين تتعب الدول الغربية من الموضوع السوري إرهابا وقتلا بالبراميل ولجوءا سوريا هائلا إلى الخارج ما دام الأسد يلقى دعما ويستمر مع حلفائه في استرهان سوريا لمصلحته. هكذا حصل في غالبية المحطات التي تم التسليم فيها للاحتلال ثم للوصاية السورية في لبنان حين يتعب الغرب وتتبدل مصالحه بغض النظر عما يحصل على الأرض.
في لبنان بات يستخدم الأسلوب نفسه في ما بات يعرف بـ"عقدة" العماد
ميشال عون الطامح إلى شغل موقع رئاسة الجمهورية مدعوما من المحور ذاته الداعم للرئيس السوري. البلد منذ أكثر من سنة ونصف من دون رئيس للجمهورية في ظل تعطيل إرادي لمجلس النواب حتى "يستسلم" الرعاة الخارجيون للوضع اللبناني فيتم الضغط على الأفرقاء اللبنانيين من اجل الانتهاء من هذا الموضوع وحل العقدة المعرقلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. الأمور اكثر تعقيدا من ذلك نظرا إلى ارتباط لبنان كلا بلعبة إقليمية متعددة المحاور والحسابات على قاعدة صراع إقليمي حاد سني شيعي وإيراني خليجي يتمظهر في مشكلات وعقد مختلفة. لكن ما يتم التعامل معه في ظواهر هذه الأمور هو ما يبرز كعقد مستعصية على أنها احد النتائج والأسباب وفي مقدمها عقدة رئاسة الجمهورية التي تنطوي بدورها على العقدة الأبرز وهي عقدة العماد عون. هذه العقدة زادت تصعيدا مع تعطيل الحكومة بذريعة التعيينات الأمنية التي تتطلب ترقية العميد شامل روكز حتى يستقيم عمل مجلس الوزراء إلى حد ما في انتظار ذريعة أخرى تسحب من مكان ما لاستمرار الضغط. ثمة رهان أو بالأحرى امل على طاولة الحوار، وليس ضرورة من قوى 14 آذار، أن يكون العماد عون صار مرنا بحيث بات المجال متاحا للبحث معه في أثمان معينة بما يمكن معه الذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية فيما يسود اقتناع بانه ثابت على موقفه إلى ما لانهاية حتى يخضع الآخرون لخياره تحت طائل بقاء البلد معطلا وعلى شفير انهيار اقتصادي واجتماعي. وفي تجربة عام 1990 دروس لمن عايش تلك المرحلة والتي تميزت كما يقول العارفون بمحاولة إبلاغ عون بكل الرسائل الممكنة أمريكيا وفرنسيا وفاتيكانيا عما كانت ستؤول إليه الأمور من قصف الطيران السوري لقصر بعبدا ووجود تغطية إسرائيلية للعملية على أن لا تتجاوز إلى الجبل والجنوب من دون نتيجة. وكما دعم "حزب الله" للأسد مرتبط بقناة حياة بالنسبة إليه عبر نظام الأسد فان دعم الحزب لعون مرتبط أيضا بغطاء حيوي له لئلا يفقد الحزب غطاءه المسيحي ويتحول مجرد ميليشيا في اللعبة الداخلية. ولعل الرهان سيكبر مع نجاح الدعم الروسي والإيراني للأسد في شراء بعض الوقت الإضافي له في السلطة أيا تكن الصلاحيات التي يمكن أن تترك له من اجل الاسترشاد بذلك في لبنان حيث تعب الخارج من المراوحة اللبنانية أصلا. ولعل المتحفظين الكثر عن ترقية صهر العماد عون العميد روكز يرتبط بالإضافة إلى كونه يحاول أن يمس بهيكلية المؤسسة العسكرية ويعزز أسس المفاضلات والكفاية في مؤسسات الدولة على ركائز المحسوبيات السياسية والحزبية بحيث يوجه رسالة قوية إلى الحياديين والمستقلين بأن لا مكان لهم خارج هذه المحسوبيات هو انتقال عون في المرحلة المقبلة بعد حصوله على هذا المكسب من خلال الترقية إلى استمرار التمسك بالتعطيل حتى التسليم له بالرئاسة قسرا.
(عن صحيفة النهار اللبنانية ـ 21 أيلول/ سبتمبر 2015)