حركت ثورات
الربيع العربي ماء
القوى الشعبية العربية الراكد، وأصبحت حركة هذه القوى - بحسب مراقبين - أكثر جدوى، وأقدر على الإمساك بلحظتها وراهنيتها، للتوجيه نحو مستقبلها المنشود.
لكن في المقابل؛ ينظر إلى القوى الشعبية العربية على أنها أصبحت منهارة؛ جراء تبعات الربيع العربي المنهار أيضاً، وأن الأجيال التي ولدت في أوج "اللاطمأنينة السياسية" - بحسب تعبير المفكر فرناندو بيسو - لن تكون قادرة على "خلق طمأنينة مقاومة لمنظومات
الفساد السياسي والاقتصادي في دولها".
اختراع الصراع
يشير الكاتب السياسي السوري لؤي صافي، إلى وجود أصوات تترحم على أيام ما قبل الثورة، وتعبر عن رغبتها في العودة إلى لحظات الهدوء التي سبقت عاصفة الربيع العربي، مؤكدا أن أصحاب هذه الأصوات هم "المنزوون في دوائرهم الخاصة، غير مكترثين بالشأن العام، والمصلحة الوطنية، ومستقبل البلاد".
وأضاف لـ"
عربي21" أن المطالبة بالعودة إلى ما قبل "الربيع العربي" ليست مقبولة من "الشباب العاطل عن العمل، الفاقد للأمل بحياة كريمة، كما أنها مرفوضة من قبل المؤمنين بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".
وأوضح أن الشعب السوري، وشعوب الربيع العربي عموما، لم تختر الصراع والقتال، وإنما "خرجت في ثورة سلمية مطالبة بإصلاحات ضرورية، وبإنهاء الفساد الذي حول حياة الكثرة الغالبة؛ إلى حياة الفاقة والعيش دون مستوى الكفاف"، مؤكدا أن "القتل والدمار فرض على السوريين الأحرار، ولم يكن خيارهم طوال السنوات الثلاثة الماضية".
وقال صافي إن "الكفاح والتضحيات التي قدمتها الشعوب العربية؛ قد تبدو للبعض جهدا ضائعا مع سعي الطغم التي تتحكم بالدولة العميقة ومؤسساتها؛ إلى قلب الطاولة على الشعوب المصرة على الحصول على الحرية والكرامة والعدالة والتساوي تحت سقف القانون"، ذاهبا إلى أن "هذه الجهود والتضحيات؛ لا يمكن وأدها، مهما تعاظمت قدرات القوى التي تقف خلف
الثورات المضادة؛ لأن التغيرات التي يسعى لتحقيقها الثوار؛ تغييرات ضرورية في سياق التطور التاريخي للمجتمعات العربية والمشرقية".
وأضاف أن منطقة المشرق تقف على عتبة تحولات كبيرة وحيوية، مؤكدا أن "الشعوب العربية، وشعوب دول المشرق، تتحرك مع حركة التاريخ، لذلك فإن قدرها اليوم سيتحقق بالخروج من القمقم التي وضعت فيه، وستنتهي مرحلة القيادات المستلبة التي تكتسب شرعيتها من خلال قهر الإنسان المشرقي، والحيلولة دون تطوير مجتمعه واقتصاده وسياساته الوطنية".
"مشروع صهيوني"
من جانبه؛ قدم الكاتب الأردني موفق محادين، قراءة تفصل بين مفهومي "الربيع العربي" و"الثورات العربية"، معتبرا الأول "مشروعا صهيونيا، يستهدف إطلاق حالة من الفوضى الهدامة، التي تفقد الدول المستهدفة خياراتها الديمقراطية".
وفي سياق تفريقه بين "الربيع" و"الثورات"؛ ذهب محادين إلى أن "الثورات العربية مطلوبة وضرورية؛ لتجاوز الواقع المثقل بالفساد والتبعية، وباحتكار السلطة المرتبطة بهما"، مستدركا بأن الثورات لها شروطها، "ومنها؛ القيادة الثورية، والبرنامج الثوري، والتحالفات الثورية".
وقال لـ"
عربي21" إنه "لا يمكن اعتبار أمريكا، والقوى الأطلسية أو الرجعية، وجماعات الإسلام السياسي الأمريكي، والمنابر الإعلامية المختلفة المرتبطة بها؛ جزءا من هذه الثورات، بل هي ثورات مضادة"، على حد وصفه.
ووصف القوى الشعبية بأنها "هزيلة أصلا، ولا تمتلك القدرة على المراجعة والفعل النظري والعملي، فضلاً عن تورط بعضها في الأجندة المشبوهة للربيع الصهيوني المذكور" بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن "الضخ الإعلامي المبرمج حول هذه القوى، وتصويرها على أنها معتدلة؛ لم يخرجها من كونها قوى هامشية؛ لا يمكن التعويل عليها، بل كان من الطبيعي خروجها من الشارع".
وأضاف أن "من الأفضل انتظار إرهاصات لقوى جديدة تؤمن بالثورة الحقيقية، التي تربط الحريات السياسية، وتداول السلطة، والتجديدات الدستورية؛ بالصراع مع أعداء الأمة، وفي مقدمتهم القوى الأطلسية والصهيونية والرجعية، وجماعات الإسلام السياسي الأمريكي".
قوى مأزومة
من جهتها؛ قالت الباحثة في مركز دراسات الجزيرة، فاطمة الصمادي، إن القوى الشعبية العربية تمر بأزمة حقيقية؛ بعد تعرضها لانتكاسة كبيرة بعد ثورات الربيع العربي.
وأضافت لـ"
عربي21" أن "جزءا من هذه الأزمة؛ يعود إلى غياب القيادة القادرة على التخطيط، وفقدان التنظيم، وعدم امتلاك آليات التعامل مع الأزمات ومواجهتها"، مشيرة إلى "بعض القوى الشعبية العربية؛ لم تكن تمتلك برنامجا لما بعد التظاهر والتواجد في الشارع، ولذلك تلاشت".
وتابعت الصمادي: "لم تكن حالة الاحتجاج لدى بعض المعارضين؛ سوى تمرين على التواجد في الشارع، ويصلح الحراك الشعبي في الأردن أن يكون مثالا على ذلك".
وبينت أن قوة المعسكر المناوئ للثورات، وقدرته على القمع؛ لعبت دورا في لجم هذه القوى، مستدركة بالقول إن ذلك لا يعني أن المسألة حسمت، "فالأسباب التي أخرجت الناس إلى الشارع ما زالت قائمة، بل تعاظمت، والقمع لا يمكن أن ينهي المسألة مهما ارتفعت حدته".
وخلصت الصمادي إلى القول بأن "القوى الشعبية العربية على موعد مع انتفاضات جديدة ستكون لها نتائج مختلفة؛ إذا ما استطاعت هذه القوى أن تنظم نفسها، وتسير خلف قيادة، ويكون لديها خطة لما بعد كل خطوة".