بعد مضي خمسة عشر شهرا على تسلم قائد الانقلاب العسكري في
مصر، عبد الفتاح
السيسي، مقاليد رئاسة الجمهورية في 8 حزيران/ يونيو 2014، كيف يقرأ الباحثون والمحللون المشهد السياسي المصري الراهن؟
وبعد موجات متلاحقة من القمع الأمني للقوى الثورية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، هل استطاع النظام الحالي، بكل ممارساته الأمنية الباطشة إجهاض الثورة، ووأد قواها الفاعلة، أم إن نيرانها ما زالت تضطرم تحت الرماد، والتي قد تندلع مرة أخرى في حال استكمال شروط اندلاعها بحسب محللين؟
وبعد كل الضربات الموجعة التي تلقتها جماعة الإخوان المسلمين، هل تمتلك الجماعة مقومات الصمود، لمواصلة مشوارها النضالي السلمي المناهض للانقلاب العسكري؟ وهل هي قادرة على ضبط أداء أعضائها بالتزام السلمية وعدم الانجرار إلى مربع "عسكرة الثورة" حتى لا يصيبها ما أصاب الثورة السورية؟
وبعد الذي بدا عليه ظاهر المشهد الراهن من استقرار الأوضاع للعسكر، هل خلفيات المشهد وخفاياه ترسخ حالة الاستقرار البادية تلك، أم إنها تكشف عن أزمات حقيقية تعصف بمؤسسات صنع القرار ورديفاتها من قوى 30 يونيو؟ أمام ذلك كله، ما هي السيناريوهات المحتملة لمسار الأحداث مستقبلا؟
قوة النظام وصمود الجماعة
يرى الباحث السياسي المصري، حسن الرشيدي، أن طرفي الصراع الحاليين في مصر (المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين) غير قادرين على حسم الصراع بشكل نهائي، فعجز الطرف الأول يعود إلى غلبة النزعة العسكرية وغياب الرؤية السياسية، أما الإخوان فميزان القوى ضدهم، مع ضعف أدواتهم، وعدم القدرة على حسم خياراتهم (داخل الجماعة) بشكل قاطع بشأن السلمية.
وجوابا عن سؤال "
عربي21" حول قدرة الجماعة على الصمود طويلا في مواجهة حملات القمع المتلاحقة ضدها، أكدّ الرشيدي أن هذا هو التحدي الحقيقي أمام الجماعة، وقد يكون العامل المهم في مسار الأحداث مستقبلا، فإذا ما صمدت الجماعة وحافظت على سلمية الحراك وثوريته، فإن ذلك مع عوامل أخرى سيزعزع أركان النظام الحالي.
وحذر الرشيدي من جر الجماعة إلى مربع "عسكرة الثورة" لأنه سيفضي إلى إجهاضها، وستكون مآلات ذلك أسوا بكثير مما يجري حاليا في سوريا، لافتا إلى أن صمود الإخوان على طريق السلمية، وحسم خياراتهم بشكل واضح وقاطع، وعدم خضوعهم لعقد صفقات مع السلطة الحالية سيساهم في حسم الأمور لصالح الإخوان.
من جانبه، رأى الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية، مصطفى زهران "أن النظام الحالي يستمد قوته من ضعف وانقسام أكبر قوى الإسلام السياسي في مصر، المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين".
وأضاف زهران لـ"
عربي21": "لقد ساهم هذا التشظي الداخلي في الجماعة الذي طفى على السطح للمرة الأولى منذ تأسيس الجماعة في عشرينيات القرن الماضي، في تطويل أمد السجال القائم بين النظام من جهة والإخوان من جهة أخرى".
ووفقا لزيدان فإن القوى الثورية الأخرى، سواء أكانت إسلامية أم ليبرالية أم غيرها، غير قادرة على الوقوف صفا واحدا أمام السلطة الحالية، ما يعني أن نجاح السلطة في قصقصة أجنحة المعارضين ساهم بقدر كبير في عدم الإبقاء على معارضة تذكر في المشهد السياسي القائم.
وفي رده على سؤال حول أداء النظام الحالي وما إذا كانت الأوضاع قد استقرت له، قال زهران: "إن من نقاط الضعف لدى السلطة القائمة، حجم الفساد الآخذ في الصعود، والوضع الاقتصادي الذي لم تتحدد ملامحه بعد، وحجم الإرباك في صفوف الموالاة التي تساهم بقدر كبير في ردة فعل سلبية من الجماهير تجاه السلطة نظرا لحالة التقديس الممنهجة التي تتبعها الأدوات الإعلامية القريبة من السلطة وشخص الرئيس.
السيناريوهات المحتملة مستقبلا
إذا ما كانت معطيات الواقع تشي بأن طرفي الصراع غير قادرين على حسم الأمور بشكل نهائي، فما هي السيناريوهات المحتملة مستقبلا؟
طبقا للباحث والناشط السياسي المصري، محمد جلال القصاص، فإن ثمة ثلاثة احتمالات لمسار الأحداث مستقبلا:
أول تلك الاحتمالات تطبيق النموذج الجزائري، الذي يُمكن العسكر من التحكم بمقاليد السلطة لفترة طويلة بذريعة الاستقرار وباستخدام القبضة الأمنية القاسية، لكن فرص نجاح هذا السيناريو ضعيفة بحسب القصاص، والتي عزاها إلى فشل الحكومة في تسويق فكرة ممارسة الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان للإرهاب والقتل.
وتابع القصاص بأن المواطن العادي يرصد فشل النظام القائم في تلبية طلباته، ويحمل النظام المسؤولية، والناس يعيشون حالة ثورية في الجملة، ونسبة الوعي عالية لا كما كان عليه الحال في التجربة الجزائرية.
أما السيناريو الثاني الذي أوضحه القصاص لـ"
عربي21" فهو تجمع القوى المعارضة لاستعادة ثورة يناير مرة ثانية، وهذا الفعل راجح، ويلقى دعما من الخارج كبديل لفشل العسكر، ورموزه موجودة وبدأت تظهر في المشهد، فمن قريب ظهر البرادعي، ويظهر أيمن نور من وقت لآخر، وظهرت تحالفات في المنفى على خلفية يناير.
وتابع القصاص: "هذا الفعل لا يلقى معارضة في الداخل، إلا أن هذا الخيار لا يستطيع التعامل مع العسكر، ويفضل البقاء في الخارج بانتظار هبة شعبية كما حدث في 25 يناير، وعمليا يتم تفعليه في إطار الضغط على العسكر لمزيد من التنازلات".
الاحتمال المستقبلي الثالث بحسب رؤية القصاص يسير في اتجاه استقلال الإسلاميين بالفعل الثوري وحدهم، أو إعطاء المعارضة هوية دينية، وهذا وارد، وخاصة بعد اليأس من التصالح مع النظام الحالي، وبعد تخلي قوى يناير عنهم في محنتهم، وظهور محدودية تأثير غير الإسلاميين من الثوريين على الشارع.
وتابع القصاص ومما يشجع على ذلك ظهور تجربة جماهيرية نجحت في الحشد من قبل (تجربة الشيخ حازم أبو إسماعيل)، غير أن ما ينقصها التفكير المنظم الجاد لبلورة الفكرة بشكل متكامل، ومن ثم التأطير لها، وتكوين رؤية وإيجاد أدوات للتنفيذ.
في السياق ذاته، أوضح الناشط الحقوقي والسياسي المصري، خالد أبو زيد أن "حكم العسكر مستقر منذ حركة يوليو 1952، ولم يستطع أحد زحزحته، وثورة 25 يناير كانت زلزالا، ولكن للأسف لم يكن لهذا الزلزال توابع، فثورة يناير هزت حكم العسكر لكنها لم تتمكن من إزالته".
لكنها وفقا للناشط (أبو زيد) "أخذت الشعب المصري إلى طريق الاعتراض عليه، أخذته لأول طريق الثورة عليه، إذ إنه لم يكن أحد من المصريين يتصور أن يقال أو ينادى بسقوط حكم العسكر، فالناس تجرأت وانتهى الأمر".
ولفت أبو زيد في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن "مجرد الاعتراض على سياسات الجيش هو الثورة بعينها" و"أن الثورة بدأت منذ اعترض المصريون على سياسات الجيش".
وتوقع أبو زيد من معايشته للمشهد بتفاصيله توسع وتنامي دوائر المعارضة الشعبية لحكم العسكر المتغلغل في جميع مفاصل الحياة، بسبب ضغوط المعيشة المتزايدة، وعدم تقديم حلول للمشاكل المزمنة والمستعصية (فقر، بطالة، غلاء).
وتساءل أبو زيد: "إلى متى سيصبر أبناء الشعب المصري على هذه الأحوال الكارثية؟"، لافتا إلى أن تذمر الناس في ازدياد، وسخطهم على الواقع يكبر، وما يسكتهم هو القمع الأمني الذي يشاهدونه، لكن الثورة لم تتنهِ، بل إن نيرانها ما زالت تضطرم تحت الرماد، وعوامل الانفجار تتزايد وتتراكم بحسب الناشط الحقوقي خالد أبو زيد.