قال نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،
أحمد الريسوني، "إذا أرضى الإسلاميون جمهورهم ولبوا حاجات شعوبهم ومجتمعاتهم، فقد طبقوا بذلك شريعتهم وأرضوا ربهم، وإذا أحسنوا تطبيق شريعتهم، فقد خدموا بذلك جمهورهم وأرضوا شعوبهم".
وشرح أحمد الريسوني، في مقال نشره على موقعه الرسمي، الجمعة، اختار له عنوان " الإسلاميون بين إرضاء الشرع وإرضاء الشعب"، جوابه على التعارض الذي يدفع به البعض بين "تطبيق
الشريعة" وبين"إرضاء
الناس".
وتابع إن "شريعة الإسلام دين ودنيا معا، وحفظ المال هو أحد مقاصدها الضرورية الخمسة، وكذلك حفظ التحسينيات بكل أجناسها وأنواعها. فمن أراد حمل الناس على الالتزامات الدينية والخلقية من غير مصالح ومباهج دنيوية، أفسد على الناس دينهم ودنياهم.
وأوضح الريسوني، أن بقاء الإسلاميين في الحكم أصبح في قبضة الناخبين وتحت رضاهم أو سخطهم. ولذلك يتساءل بعض الإسلاميين المنتخبين: هل علينا الآن أن نرضي الجماهير التي صوتت علينا، ونعطي الأولوية لطلباتها ورغباتها ومصالحها، أم علينا أن نرضي الشرع ونعطي الأولوية والكلمة العليا لأحكامه وطلباته؟".
وأضاف أن طرح الإشكال والتساؤل بهذه الصيغة، إنما ينشأ عن غفلة الصالحين وسذاجة بعض المتدينين، من الجهلة بمقاصد الدين".
وتابع الفقيه المقاصدي، "هناك من يطرحون هذا الموضوع بطريقة أخرى فيها مكر ودهاء، فيقولون: هل سيبقى الإسلاميون أوفياء لشعاراتهم ومواقفهم؛ فيمنعوا الخمر ومحلاته والربا وبنوكه؟ وهل سيمنعون الغناء والسينما والمسلسلات؟ وهل سيفرضون الحجاب على النساء، ويمنعون الاختلاط في المدارس والجامعات والحافلات…؟ أم أنهم سيسكتون عن هذه الأمور وينسونها، ويشتغلون _كسائر الأحزاب_ بما يجلب الأصوات ويرضي المصوتين في
الانتخابات؟".
وقدم الريسوني "الجواب عن هذه القضية على وجهين: إجمالي، وتفصيلي".
وسجل "أما الجواب الإجمالي: فمفاده أن نعلم أن أحكام الشريعة هي عين
المصلحة الحقيقية للناس أفرادا وجماعة، وأن المصلحة الحقيقية هي أيضا شريعة ويجب أن تتخذ شريعة".
وأفاد "أنه لا تعارض بين الشريعة الحقيقية والمصلحة الحقيقية، ولا تضاد بين ما تريده الشريعة الإسلامية وما تريده الشعوب الإسلامية".
وشدد "أما كون الشريعة مصلحة، فهو أمر مسلم به لدى عامة المسلمين وخاصتهم، مقول به عند جماهير العلماء من كل عصر ومن كل مصر ومن كل مذهب سوى الظاهرية، ولا اعتبار لهم، لا كما ولا كيفا".
وأكد "أما كون المصلحة شريعة، فيتمثل عند علمائنا في عدد كبير من الأصول والقواعد التشريعية التي ترجع إلى اعتبار المصلحة. وأصرحها وأشهرها هو أصل (المصلحة المرسلة) الذي يعد حجة ومصدرا تشريعيا عند عامة الفقهاء، خلافا لما يشتهر من اختصاص المالكية بهذا الأصل".
ومضى الريسوني يقول: "وهناك –سوى أصل المصلحة المرسلة– أصول أخرى أساسها جوهرها مراعاة المصلحة وبناء الأحكام عليها، كالاستحسان، الذي هو ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس، وهناك أصل سد الذرائع، الذي يرجع حاصله إلى درء المفاسد.
وزاد الفقيه المقاصدي، أن "هناك قواعد فقهية كثيرة تؤسس (التشريع المصلحي) وتضبطه، ومنها: الأصل في المنافع الحل وفي المضار المنع، لا ضرر ولا ضرار، الضرر يزال، الضرر لا يزال بمثله، يتحمّل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، والتصرف على الرعية منوط بالمصلحة".
وخلص إلى "من خلال ما ذكرته من أصول وقواعد تشريعية _مدى حجية المصلحة_ ومرجعيتها في التشريع الإسلامي. ولذلك حق لنا أن نقول: إن المصلحة شريعة، وهو مقصود قولهم: حيثما كانت المصلحة فثَمّ شرع الله".
واعتبر أنه "على هذا الأساس وهذا النهج، لا يبقى مجال لتخويف الناس ـولو بعض الناسـ على مصالحهم الحقيقية".
وزاد "فالإسلام يتسع غاية السعة لكل الفنون الجميلة الممتعة البناءة، بما فيها فنون اللهو والترفيه والإمتاع، والإسلام يتسع للسياحة والتمتع بمباهج الأرض ومخلوقاتها، والإسلام يتسع لتنمية الاقتصاد وربح الأموال وحفظها وتكثيرها، وله في ذلك من الطرق المشروعة الـمشرعة ما يسع كل طموحات الناس ومشاريعهم، فعلينا فقط أن نفتح أبواب الكسب الحلال ونوسعها ونعـبدها، كما علينا أو نوسع أبواب الترفيه واللهو ونرقيها".