كتب جدعون رتشمان، المعلق في صحيفة "فايننشال تايمز"، تقريرا قال فيه إن الأطراف المشاركة في
الحرب السورية ستحترق بنارها.
ويقول رتشمان: "في الثلاثنييات من القرن الماضي، جرّت الحرب الأهلية الإسبانية القوى الخارجية، حيث دعمت ألمانيا النازية القوميين، ودعم الاتحاد السوفييتي الجمهوريين، فيما تدفق المتطوعون الأجانب المثاليون لدعم واحد من الطرفين. وهناك حرب بالوكالة مماثلة تجري اليوم في
سوريا، وتقوم كل من الولايات المتحدة وروسيا بضرب أهداف في البلد، ويتدفق المقاتلون الأجانب إلى سوريا".
ويضيف الكاتب: "إن تطور الحرب الأهلية إلى حرب بالوكالة بين القوى الخارجية، يعد على أي حال تطورا مأساويا وخطيرا. فقد صارت الحرب في سوريا طويلة ودموية وخطيرة على بقية العالم، وأصبح من الصعب وضع حد لها. فقد كان لحرب تقليدية أن تنتهي بعد أربعة أعوام، ما كان سيمنح السوريين فرصة لإعادة بناء حياتهم وبلدهم. لكن القوى الخارجية صبت الزيت على لهيب النزاع، بشكل بات من الواضح بأن أي تسوية دولية للنزاع ستكون هي الأمل الوحيد لوضع حد له".
ويتابع رتشمان قائلا: "لسوء الحظ لا نزال في مرحلة التصعيد، حيث تقوم القوى الخارجية بزيادة جهودها في ساحات المعركة، وتأمل بتحقيق الانتصار (لمعسكرها)، أو لتزيد نفوذها في أي تسوية مقبلة. فقد تدخلت
إيران وروسيا وحزب الله نيابة عن رئيس النظام السوري بشار
الأسد. أما الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج وفرنسا وبريطانيا فقد دعمت قوى المعارضة المسلحة. وفي الوقت ذاته يستمر تدفق الجهاديين إلى سوريا، حيث يقاتلون إلى جانب ما يطلق عليها بالدولة الإسلامية".
ويرى الكاتب أن "الحروب بالوكالة هي كارثية على البلاد التي تجري فيها، ولكنها قد تكون خطيرة على القوى التي تشعل لهيب النزاع. ومن أوضح المخاطر أن الحروب التي تخاض بالوكالة تقود في النهاية إلى نزاع مباشر. فالدول التي دعمت الأطراف المتنازعة في الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينيات من القرن الماضي، قاتلت بعضها البعض في الأربعينيات من القرن الماضي. وعليه فإن مخاطر أن يؤدي النزاع السوري إلى صدام بين الإيرانيين والسعوديين، وحتى بين الروس والأمريكيين لا يمكن التغاضي عنها، خاصة عندما يعمل سلاح الجو لدول متنافسة في مجال جوي واحد".
ويستدرك رتشمان بأن "مخاطر الحرب الأهلية تمتد إلى أبعد من مخاطر الحرب المباشرة؛ لأنه من الصعب التحكم بنيرانها عندما يغذى لهيبها بقصد. فقد خاضت باكستان والولايات المتحدة مثلا حربا بالوكالة ضد الاتحاد السوفييتي السابق على أرض أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي. لكنهما عانتا لاحقا من آثار دعمهما للتشدد الإسلامي في البلاد".
ويجد الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "ليس مستبعدا أن تؤدي الحرب الأهلية السورية إلى تأثر بعض الدول التي تشارك فيها. وتواجه حكومة المملكة العربية السعودية تهديدا من جماعات إسلامية متشددة، بعضها لقي دعما منها. وهناك مخاطر من أن تؤدي المشاركة الروسية إلى إشعال سخط المسلمين في
روسيا، وهو ما سيدفعهم إلى الانخراط في الحرب بدرجة أكبر".
ويشير الكاتب إلى أنه "رغم هذه المخاطر، فلا تزال القوى الأجنبية منخرطة في النزاع السوري، حيث تخشى أن يتأثر موقعها الامني، في حال سمحت للطرف الآخر بأخذ زمام المبادرة في النزاع".
ويبين رتشمان أن "أوضح مثال على هذا هو القتال بين القوى السنية والشيعية. فنظام الأسد يلقى دعما من الدول التي يسيطر عليها الشيعة في إيران والعراق. أما القوى المعادية للأسد، فتلقى دعما من القوى السنية، خاصة السعودية ودول الخليج وتركيا".
ويذكر الكاتب أن "هذا النزاع بين القوى الإقليمية كله، يبرز التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تدعم روسيا حكومة نظام الأسد، الذي تطالب أمريكا بالإطاحة به. ولهذا فإن النزاع الروسي الأمريكي هو في جزء منه حول التأثير في منطقة الشرق الأوسط، ولكنه يحتوي على عناصر أيديولوجية وجيوسياسية. ويخوض الغرب حاليا مع روسيا حربا بالوكالة على مستقبل أوكرانيا، وهما على خلاف حول دعم فكرة (تغيير النظام) ضد الحكومات غير الديمقراطية والقمعية".
ويمضي رتشمان قائلا: "يضيف تنظيم الدولة طبقة أخرى من التعقيد. فمن الناحية النظرية يجب أن يجمع التهديد النابع من الجهاديين القوى الخارجية. ومن الناحية العملية، يتهم الغرب روسيا بتجاهل تنظيم الدولة، واستهداف الجماعات المعتدلة، التي تقاتل نظام الأسد، وبعضها يتلقى الدعم من الحكومات الغربية".
ويلفت الكاتب إلى أن "هناك نقاشا مشابها، ولكنه أقل وضوحا بين الولايات المتحدة وتركيا، فقد رحبت الولايات المتحدة بخطوة تركيا للانضمام للغارات الجوية ضد تنظيم الدولة، ولكنها شعرت بالفزع عندما اكتشفت أن تركيا مهتمة أكثر بضرب المتشددين الأكراد، الذين يعدون من أكثر الجماعات التي أثبتت فعالية في قتال تنظيم الدولة".
ويجد رتشمان أن "الدول التي تدخلت في سوريا كلها قد اندفعت بدافع من الخوف: فالسعوديون يخشون من صعود إيران. والإيرانيون يخشون استبدال حليفهم في دمشق بحكومة سنية معادية لهم. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يواجه اقتصادا متآكلا وجمودا على الساحة الأوكرانية، فيريد منع عمليات تغيير أنظمة مدعومة من القوى الغربية. وتشعر الولايات المتحدة بأنها مجبرة على الرد، ليس لأن إدارة أوباما تتهم مرة أخرى بتقبل تراجع القوة الأمريكية. وهو مفهوم يتحقق".
ويخلص الكاتب إلى أن "هذه الدول كلها تخشى أن تظهر بمظهر الضعف لو خسر طرفها الذي تدعمه في سوريا. وكلها على ما يبدو غير قادرة على التصرف بطريقة جماعية لإنهاء الحرب التي تهددها جميعا، وحتى يقرروا التعاون فإن البؤس السوري سيتواصل".