تعيش
القدس والضفة الغربية على أثير مواجهات عنيفة لم تحدث منذ سنوات بين جنود الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه من جهة والفلسطينيين من جهة ثانية، تزامنت مع ما اعتبره
الفلسطينيون تصعيدا إسرائيليا من خلال تطبيق التقسيم الزماني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وتمادي المستوطنين في اعتداءاتهم، يضاف إلى ذلك غياب أي أفق سياسي أو حل على أرض الواقع مع توقف المفاوضات.
وهذا ما عبر عنه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، بقوله إن "هناك خطة لمحاولة فرض الوقائع على الأرض وتوسيع وبناء المشروع
الاستيطاني وتهويد مدينة القدس وتقسيم الأقصى مكانا وزمانا، لذلك هي تحاول –أي إسرائيل- عرقلة المشروع الوطني الفلسطيني، من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية في الفترة الماضية، وبهذا تريد -حكومة نتنياهو- فرض إرادتها على الشعب الفلسطيني".
وتصاعدت حدة المواجهات منذ ليلة الخميس الماضي، ما أسفر عن استشهاد أربعة فلسطينيين، فيما قال الهلال الأحمر الفلسطيني أن إجمالي عدد الإصابات التي تعاملت معها طواقم الجمعية منذ الثالث من تشرين الأول حتى اليوم الثلاثاء، بلغت 698، منها: 47 إصابة بالرصاص الحي، 186 إصابة بالرصاص المغلف بالمطاط، 447 إصابة بالغاز، و15 إصابة جراء تعرضهم للضرب، وبلغت حصيلة إصابات اليوم نحو 22 إصابة.
ويرى أبو يوسف في حديثه لـ"
عربي21"، أن القرارات التي اتخذت بمجلس المركز الفلسطيني وما تحدث به الرئيس محمود عباس في خطابه في الأمم المتحدة، يؤكد على أنه لا بد من تضافر كل الجهود سواء على المجتمع المحلي من خلال استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية أو على صعيد استئناف الوسائل والجهود مع المجتمع الدولي من أجل إقرار دولة فلسطين، وأيضا للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لوضع حد لمشروع الاحتلال وإسقاطه.
ونوه أن "السلطة الوطنية الفلسطينية جاءت في مرحلة انتقالية، اتفاق أوسلو الذي من المفترض أن ينتهي في شهر أيار/مايو عام 1999 لكن في الأمر الواقع تم تمديده حتى اليوم، لا يمكن القبول أن تبقى الأجهزة الأمنية أو السياسية أو حتى الاقتصادية مسلطة على إيقاف شعبنا الفلسطيني من خلال ما يقوم به الاحتلال من جرائم، جيش الاحتلال يحاول كسر عزيمة شعبنا الفلسطيني في هذه الهبة الشعبية العارمة في المدينة المقدسة، التي بدأت منذ حرق الطفل الفلسطيني محمد خضير قبل أكثر من عام، وحرق عائلة دوابشة في بلدة دوما، بالتالي هذه الهبة مستمرة، ولا يمكن القبول بأن يبقى الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الذي يمارس جرائمه مع قطعان المستوطنين في الأراضي الفلسطينية".
مرحلة جديدة
المحلل العسكري في القناة العاشرة، قال إن الجيش الإسرائيلي يعتبر ما تشهده الضفة الغربية هو موجة عمليات وليس "انتفاضة ثالثة".
في ذات السياق، حمل نصر أبو جيش عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني، الإحتلال الإسرائيلي مسؤولية تصعيد الأحداث، وقال في حديثه لـ"
عربي21" إن الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى جر المنطقة إلى "العنف وإحكام السيطرة، في ظل حكومة إسرائيلية دينية متطرفة تعيش في مرحلة دبلوماسية صعبة على مستوى العالم، ولإضعاف الإنجاز الذي حققته القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس أبو مازن".
وأضاف، "أعتقد أننا في مرحلة جديدة قادمة سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي أو حتى على المستوى الشعبي والجماهيري، والمقاومة تجاه الاحتلال وعصابات المستوطنين، إذ تتطلب هذه المرحلة توحيد جهودنا وتعزيز الجبهة الداخلية وتشكيل جبهة وطنية موحدة سواء في الضفة أو غزة بما يضعف المخاطر الحقيقة ضد شعبنا وقضيتنا الفلسطينية".
ونوه أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا حول زيادة الاعتقالات الإدارية، وشق الطرق الالتفافية، وغيرها من العقوبات هي "اعتداءات شبه يومية ضد شعبنا، وتصريحات نتنياهو هذه ليست جديدة، شعبنا معتاد على هذه الأمور وما زال حي ويمتلك الحس الوطني والنضالي، شعبنا محاصر منذ 15 عاما، أعتقد أن هذه القرارات ليست جديدة، الشيء الجديد هو تزايد عمليات القتل ضد نسائنا وأطفالنا ومصادرة الأراضي وقيام مستوطنات جديدة".
وأوضح بقوله: "أي تصعيد وتوتر للأوضاع سواء في القدس أو في الأقصى مربوط بعصابات المستوطنين، عصابات المستوطنين يعملون بآلية جدية، فهم يمتلكون مركزية في العمل ضد شعبنا الفلسطيني، كما حصل منذ يومين كان هناك تعميم من قبل المستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعي أن يجتمعوا شرق نابلس، هؤلاء المستوطنين يضعون العراقيل بطريقة منظمة، والتصعيد باتجاه الشعب الفلسطيني يهدف إلى قطع الطريق أمام أي فرصة للمفاوضات أو ما تبقى من إحياء لفكرة الدولتين".
الأقصى والمستوطنون كانوا الشرارة
وأرجع رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية خليل عساف، المواجهات الحاصلة إلى "الجرائم المتصلة والمتواصلة والمتنوعة من المستوطنين بحماية الجيش، والتي أصبحت تستهدف كل شيء وبدون توقف ...عدا عن سلوك الجيش وأجهزة أمن إسرائيل وخاصة بالقدس والأقصى، والمقصود منها الإهانة الدينية والوطنية لكل المسلمين وخاصة بالقدس، وتدنيس المقدسات ومحاولة التقسيم الزماني والمكاني ...هذا مع ما يرافقه من حالة اقتصادية آخذة بالتردي وحالة اجتماعية لا تقل سوءا..كل هذه العوامل أوجدت حالة من القهر والضغط والغضب لدى كل فئات الشعب".
إضافة إلى "ما رافق أيضا الحالة الموجودة بالإقليم، وضعف التعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته، كل تلك الظروف نتج عنها حالة من أن تأخذ بعض الجماعات أسلوبا يجب على المستوطنين أن يفهموه، وهو ما دمتم تريدون قتلنا أنتم وجيشكم فإننا لن نموت إلا نحن وأنتم، وهذا ما يتجلى بتلك العمليات التي تحدث من طعن ودهس وإطلاق نار".
وأشار عساف في حديثه لـ"
عربي21"، أن من يقود دفة الأمور في إسرائيل هم المستوطنين، وأوضح بقوله أن ما يتم من تصعيد يقوم به "الجيش والسياسيين اليهود مع المستوطنين الذين لا يمكن ان يخالفوهم لقوتهم الانتخابية والحزبية والأصولية ... وهناك تنظيمات للمستوطنين لها برامجها ولها الآليات لتطبيقها وكل الظروف تخدمها وهي تجد أن هناك فرصة لعمل إنجاز على الأرض، وهو مهيأ حاليا، وبالتالي اعتقد بأن من يقود المركبة هم قادة الاستيطان، وأن ردة الفعل هي من جيشهم ومن شعبنا".
إسرائيل غير معنية بالتصعيد
أما الكاتب الصحفي مصطفى إبراهيم، فقال إن "الإسرائيليين وحكومتهم أصابهم الجنون، وهناك إجماع على الانتقام من الفلسطينيين وتحميل الفلسطينيين والسلطة مسؤولية التحريض، وسمعنا تصريحات كثيرة متطرفة ومتشددة خاصة من وزير الاتصالات الإسرائيلي الذي هدد بعملية السور الواقي 2 وأسوار القدس، خاصة بعد عملية مقتل مستوطنين في القدس، وعلى إثر عملية نابلس الفدائية، وتزامن ذلك مع تجاهل نتنياهو في خطابه ما يجري في فلسطين".
وتوقع إبراهيم في حديثه لـ"
عربي21" أن تعود القضية الفلسطينية قريبا إلى جدول أعمال الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، لمنع الانفجار في الضفة الغربية وذلك لمصلحة إسرائيل الأمنية وغير المعنية بالتصعيد، فما يجري على الأرض المحتلة خطير".
وأضاف، "إسرائيل ستشدد من إجراءاتها الأمنية والقمع والاعتقالات والقتل في القدس والانتقام والتحريض ضد الفلسطينيين، وإطلاق يد المستوطنين، وربما الإعلان عن عطاءات بناء مستوطنات، وسيكون هذا تحت السيطرة لأن إسرائيل غير معنية بإشعال الضفة، ونتنياهو وحكومته خياراتهما بالقمع محدودة، ولن يقدم على اجتياح الضفة، لكن سيعتمد على حشد قوات كبيرة وتنفيذ اعتقالات، مع تشديد قبضتها الأمنية".
ولفت أن "إسرائيل هدفها الآن إعادة الردع، وتقديراتها أن الفلسطينيين في الضفة غير معنيين بالمواجهة لكنهم يدركون أن الأوضاع صعبة، وعليه فهم يحاولون امتصاص غضب الفلسطينيين بعدم فرض عقوبات جماعية، والاستمرار في التركيز على القدس وهدم منازل منفذي العمليات وتشديد العقوبة على قاذفي الحجارة كما حصل الأسبوعين الماضيين، وسن تشريعات أخرى، ومنع بعض فلسطينيي الداخل من دخول القدس".
دعوة إلى حماية الفلسطينيين
وحمل الناشط الحقوقي زكريا السدة، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن التصعيد الحالي بالضفة الغربية، "وذلك بإطلاق العنان للمستوطنين بالاعتداءات المتكررة على المواطنين الفلسطينيين، وحل الأزمة؛ فوقف التصعيد بالمنطقة مرتبط باتخاذ إجراءات صارمة ضد المستوطنين ولجم اعتداءاتهم على المواطنين وتوفير الحماية للمواطن الفلسطيني، لأنها مسؤولية الجيش والشرطة الإسرائيلية".
ونوه في حديثه لـ"
عربي21" أنه "إذا ما استمر دخول المستوطنين للقدس، سيستمر التصعيد بالمنطقة، إضافة إلى عدم إلقاء القبض على قتلة عائلة دوابشه ومحاكمتهم سوف يدفع المستوطنين إلى المزيد من القتل والاعتداء على المواطنين، خاصة في ظل موسم قطف الزيتون، فالتصعيد من قبل المستوطنين سيستمر وذلك بالاعتداء على المزارعين وأشجار الزيتون ومنع المزارعين من دخول أراضيهم، وتقطيع وحرق أشجار الزيتون".