حزب العدالة والتنمية ارتكب أخطاء في استراتيجيته الانتخابية قبل السابع من حزيران/ يونيو الماضي أدَّت إلى تراجع شعبيته وعدم حصوله على عدد من مقاعد البرلمان يمكنه من تشكيل الحكومة وحده، ولكنه قام بمراجعة شاملة وبدأ يصحح أخطاءه ليخوض الانتخابات المبكرة في الأول من الشهر القادم باستراتيجية انتخابية جديدة أقوى من سابقتها.
الخطوة الأولى بعد المراجعة كانت عملية ترتيب البيت الداخلي التي تمت في مؤتمره العام الاعتيادي الخامس، وأعقبتها الخطوة الثانية وهي تعديل قائمة المرشحين التي كانت من أسباب تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، لتأتي بعدها الخطوة الثالثة التي تقدم بها يوم الأحد الماضي حين أعلن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بيان حزبه الانتخابي ووعوده للناخبين.
في عيد الأضحى المبارك زرت أحد أقاربنا، وهو رجل مسن متقاعد ليس له دخل آخر غير راتب التقاعد المتواضع. ودار الحديث بيننا حول نتائج الانتخابات الأخيرة وفشل المباحثات التي أجريت من أجل تشكيل حكومة ائتلافية وندم بعض الناخبين الذين امتنعوا عن التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية لأسباب مختلفة. وكان غاضبا من تجاهل المتقاعدين وعدم الزيادة في رواتبهم. وأبلغني أنه لم يصوِّت في الانتخابات الأخيرة لحزب العدالة والتنمية إلا أنه سيصوِّت له في الانتخابات المبكرة. وسمعت مثل هذه التعليقات من متقاعدين آخرين وكان هناك استياء في صفوفهم من عدم اهتمام الحكومة بهم وبمعاناتهم كما ينبغي.
الحكومات التركية المتتالية التي شكَّلها حزب العدالة والتنمية وحده منذ فوزه الساحق في أول انتخابات خاضها في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2002، حققت نجاحات كبيرة وأنجزت مشاريع عملاقة غيَّرت وجه
تركيا، إلا أن المواطن العادي، على الرغم من افتخاره بتلك المشاريع وتقدم بلاده في طريق الاعتماد الكلي على الصناعة الوطنية في تسليح جيشها، يريد أن يرى أيضا تحسنا ملموسا في مستوى معيشته وزيادة مُرْضِية في دخله الشهري. وكان حزب العدالة والتنمية أهمل هذا الجانب إلى حد كبير في بيانه الانتخابي السابق وركَّز على تذكير الناخبين بالقفزة الكبيرة التي تحققت خلال أكثر من عشر سنوات في ظل حكمه.
البيان الانتخابي الذي أعلنه داود أوغلو وسط حشود من أعضاء حزب العدالة والتنمية يقدم للناخبين من الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود وشريحة الشباب وعودا اقتصادية وخدماتية، مثل رفع الحد الأدنى للأجور من 1000 ليرة تركية إلى 1300 ليرة تركية، أي ما مقداره 435 دولارا أمريكيا، وإضافة 100 ليرة إلى رواتب المتقاعدين الشهرية.
الوعود المقدمة لفئة الشباب تحتل نصيبا كبيرا من البيان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، حيث يتعهد بتعزيز دور الشباب في السياسة والاقتصاد من خلال تخفيض سن الترشح للانتخابات البرلمانية إلى 18 عاما، وتوفير دعم حكومي غير مسترد للمشاريع الشبابية، وإعفاء أصحاب المشاريع الخاصة الصغيرة من ضريبة الدخل لمدة ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى توفير خدمة إنترنت مجانية ومفتوحة، كما أنه يتعهد بأن تدفع الحكومة رواتب الموظفين الشباب لمدة عام كامل، بهدف تشجيع أصحاب العمل على توظيف واستخدام الشباب.
البيان يتضمن أيضا وعودا أخرى متعلقة بالمرأة والمزارعين وعموم المواطنين، ويتعهد بتعزيز دور المرأة في الحياة العامة والمهنية، وتقديم هدايا للأمهات عند الولادة، وإجراء تعديلات على قانون الإجازات للأمهات، مثل أن تعمل نصف الدوام مع استلام الراتب كاملا بعد الولادة الأولى لمدة شهرين والثانية لمدة أربعة أشهر والثالثة لمدة ستة أشهر، كما أنه يتعهد بتقديم الحكومة دعما للمواطنين لامتلاك مساكنهم، وإعفاء الأعلاف والأسمدة من الضرائب ومنح الفلاحين الشباب 30 ألف ليرة تركية كدعم حكومي غير مسترد، بالإضافة إلى وعود بإصلاحات في التعليم والقضاء والعمل السياسي.
الأحزاب السياسية الأخرى التي ستخوض الانتخابات المبكرة أعلنت أيضا بياناتها الانتخابية، ومن المتوقع أن يأخذ الناخبون وعود حزب العدالة والتنمية بعين الاعتبار حين يدلون بأصواتهم في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بخلاف وعود الأحزاب الأخرى، لأن حزب العدالة والتنمية أقرب من الفوز بعدد من المقاعد يكفيه لتشكيل الحكومة وحده، كما أنه يتمتع بتجربة واسعة في إنجاز مثل هذه الوعود وأثبت خلال السنوات الماضية التي حكم فيها تركيا قدرته على الوفاء بتعهداته.