ناقش كل من وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، كيفية مواجهة الولايات المتحدة لتحركات
بوتين الأخيرة في
سوريا.
وقال الوزيران السابقان، في مقال مشترك لهما في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إنه "في الوقت الذي يعم فيه غياب الثقة عواصم العالم، من واشنطن إلى لندن إلى برلين إلى أنقرة وغيرها، نجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالرغم من الاقتصاد المنهار والجيش الضعيف يحدد مسار الأحداث الجيوسياسية الكبرى".
وأشار الوزيران الجمهوريان إلى أنه "سواء في أوكرانيا أو سوريا، فإن الرئيس الروسي يبدو صاحب اليد العليا دائما"، بحسب تعبيرهما.
وتابعا: "أحيانا يكون رد الفعل ساخرا: هذه إشارة للضعف، وأحيانا يكون عجرفة: سيندم على هذا القرار، فلا يمكنه أن ينجح، وأحيانا يكون تنبيها: هذا سيزيد الوضع السيئ إلى أسوأ، وأحيانا انسحابا: ربما أتى الروس ليساعدوا بدعم الاستقرار، ويمكنهم مساعدتنا بقتال تنظيم الدولة".
وأكد الوزيران، اللذان شاركا بالإدارات الأمريكية التي شجعت وتدخلت بشكل مباشر في العراق، أن بوتين يستغل مواقف ضعفه بشكل ممتاز، لأنه يعرف تماما ما الذي يريده، إذ إنه لا يخل بالاستقرار بحسب تعريفنا له، لكنه يدافع عن مصلحة
روسيا بإبقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد بالسلطة، مشيرين إلى أن مشاركته العسكرية بالتأكيد ليست ضد تنظيم الدولة، إذ إن تنظيما يعارض المصالح الروسية يعتبر "إرهابيا"، مثل ما جرى في أوكرانيا ونراه الآن، بجولات القصف والصواريخ البالستية، في سوريا، بحسب تعبيرهما.
ووصف غيتس ورايس بوتين بأنه "ليس رجلا وجدانيا"، مشيرين إلى أنه مستعد للتخلي عن الأسد في حال أصبح عبئا، إلا أن الروس، والإيرانيين، يعتقدون الآن أنهم قادرون على إبقائه.
وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري أن الأزمة السورية لا يمكن أن تحل عسكريا، وهذا صحيح، بحسب الوزيرين السابقين، فإن موسكو تفهم أن الدبلوماسية تتبع الأحداث على الأرض، وليس العكس، مما يدفعها مع إيران لتغيير الواقع، متوقعين أن تعلن موسكو عن مبادرة سلام بعد تقدم حملتها العسكرية، بحيث تضمن مصالحها العسكرية، بما في ذلك القاعدة العسكرية في طرطوس.
وذكّر غيتس ورايس في مقالهما مع "الواشنطن بوست"، بأن تعريف موسكو للنجاح ليس مشابها للتعريف الأمريكي، إذ إن الروس أظهروا استعدادا لقبول وتشجيع ما يسمى بـ "الدول الفاشلة" و"الصراعات المجمدة"، من جورجيا إلى مولودوفا إلى أوكرانيا، ولن تكون سوريا مختلفة عن ذلك، ما دام بعض "أشخاص" موسكو قادرين على حكم ولو جزء ضئيل من أي دولة، ومنع الآخرين في الوقت نفسه من حكم بقيتها، بحسب تعبيرهما.
واعتبرت وزيرة الخارجية السابقة ووزير الدفاع السابق أن موسكو لا تقيم اعتبارا لحياة الناس، إذ إن تعريف موسكو للنجاح لا يتضمن الحالة الكئيبة للشعب السوري، مضيفين بسخرية بعض الأمثلة، بالقول: "اللاجئون: هذه مشكلة أوروبا! أما الطائفية فهذا حال الشرق الأوسط، والشعب الذي يعيش تحت براميل وقنابل الأسد الكيماوية - التي يفترض أنها منعت في الصفقة التي فاوضت عليها موسكو - فهذا لسوء حظه!".
ووصف الوزيران تحرك بوتين إلى سوريا بأنه "سياسات القوى العظمى القديمة"، إذ إنه لا يقدم فائدة محلية له، لكنه لا ينقل المشاكل إلى روسيا في الوقت نفسه، إذ إن المصالح المحلية والدولية الروسية كانت مترابطة دائما، فالروس يشعرون بالقوة داخليا عندما يكونون أقوياء خارجيا، بحسب الدعاية التي يبيعها بوتين لشعبه، ويشتريها منه، بحسب قوله.
وأضاف الوزيران بالقول: "روسيا قوة عظمى، وهي تكسب احترامها لنفسها من ذلك، وهي لا تملك سواه"، موضحين، بمزيد من اللغة الساخرة: "ماذا تملك روسيا غير ذلك؟ متى كانت آخر مرة اشتريت منتجا روسيا غير النفط؟ موسكو أصبحت مهمة مجددا في السياسات الدولية، والقوات الروسية متحركة".
ودعا الوزيران لإدراك ما وصفاه بأن خطاب "بوتين المتغضرس" كان ضعيفا بخصوص خياره، إذ إن آخر مرة ندمت بها روسيا على مغامرة خارج أرضها كانت في أفغانستان، لكن ذلك لم يحصل حتى سلح رونالد ريغان المجاهدين الأفغان بصواريخ ستينجر، التي بدأت تسقط الطائرات والمروحيات الروسية، مما دفع الاتحاد السوفييتي، بقيادة جورباتشوف، للتنازل للغرب والقرار بأن أفغانستان لا تستحق ذلك.
وحول ما يمكن فعله، قال الوزيران الجمهوريان: "أولا: يجب رفض الخطاب الذي يقدمه بوتين حول اضطراب العالم، والذي يقول فيه إنه يسعى لتماسك نظام دول الشرق الأوسط، الذي يعاني من الفوضى التي عززتها الولايات المتحدة في العراق وليبيا وغيرها".
وأشار الكاتبان، إلى أن بوتين يستجيب بالفعل للظروف في الشرق الأوسط، إذ إنه يرى فراغا سببه ترددنا للمشاركة الكاملة في مناطق مثل ليبيا، وعدم البقاء في العراق، محذرين من تصديق أن بوتين هو "المدافع عن الاستقرار العالمي".
وثانيا، بحسب رايس وغيتس، فإن على أمريكا فرض واقعها على الأرض، عبر تشكيل مناطق حظر طيران ومناطق آمنة، إذ نجحت هذه الأفكار سابقا (بحماية الكرد لـ12 عاما تحت حكم صدام حسين)، وكانت ضمانة حقيقية.
ودعا الوزيران كذلك لتوفير الدعم للقوات الكردية والعشائر وما تبقى من القوات العراقية الخاصة، معتبرين أن ذلك قد يكون إنقاذا للاستراتيجية المنهارة، معتبرين أن الالتزام الجاد بهاتين الخطوتين سيعزز العلاقة مع تركيا، التي تترنح بسبب الموقف الأمريكي من التدخل الروسي، قائلين: "باختصار، يجب أن نشكل توازنا عسكريا أفضل للقوى على الأرض، إذا كنا نسعى لحل سياسي مقبول من حلفائنا"، بحسب قولهما.
وثالثا، أكد رايس وغيتس على تجنب الصراع بين النشاطات العسكرية مع الروس، داعين للاستجابة للروس بتجنب مناطقهم.
وأخيرا، اختتم الكاتبان بالقول إن علينا "تعريف بوتين بقدره"، داعين للتوقف عن القول إننا نريد فهما أفضل لدوافع الروس، إذ إنهم يعرفون أهدافهم جيدا بتأمين مصالحهم في الشرق الأوسط بأي ثمن، مستنكرين بالقول: "ما هو غير الواضح في ذلك؟".