بدعوة من مركز
القدس للدراسات السياسية، مقره الأساسي في الأردن وله فرع في بيروت ويشرف عليه الباحث عريب الرنتاوي، انعقدت في بيروت يومي 17 و18 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري ورشة عمل عربية موسعة، (وهي الأولى من ضمن سلسلة ورشات ستعقد في عدد من العواصم العربية)، لبحث الاستراتيجية الشاملة لمحاربة التطرف وكيفية بناء توافقات وطنية في
الوطن العربي، وأتى انعقاد هذا المؤتمر في ظل الانتشار الواسع للجماعات الإسلامية المتطرفة في كل من
سوريا والعراق بخاصة، والإقليم بشكل عام، ونظرا لزيادة الاهتمام العربي والإسلامي والدولي بظاهرة التطرف بشكل عام، وأقدام حكومات عربية عديدة على تطوير "استراتيجيات لمحاربة التطرف والغلو"، وبعد إقرار سلسلة من قوانين مكافحة الإرهاب، والتشجيع على إطلاق العديد من المبادرات التي تدور في معظمها حول محور واحد: محاربة التطرف والإرهاب.
وقد تضمنت الورشة عرضا للأوضاع العربية من مختلف جوانبها السياسية والفكرية وخصوصا في الدول التي تشهد تطورات سياسية وأمنية أو متغيرات سياسية (لبنان والعراق ومصر وتونس والبحرين والكويت وسوريا وليبيا)، كما استعرض المشاركون الانتفاضة الفلسطينية الجديدة من خارج جدول الأعمال المقرر مسبقا.
واعتبر المشاركون في الورشة "أن هذه الاستراتيجيات والقوانين والمبادرات التي وضعت تحت عنوان "محاربة الإرهاب والتطرف في الوطن العربي"، انطوت على ما يمكن اعتباره "انتهاكات جسيمة" للحريات وحقوق الإنسان، وشكلت "نكسة" للإنجازات التي تم تحقيقها في العقد الأخير في عدة دول عربية، وخصوصا في سنوات "الربيع العربي" الأخيرة، وبدا أن هناك قوى معادية للإصلاح والتغيير، تحاول أن تتخذ من شيوع ظاهر الإرهاب والتطرف، مبررا وذريعة للانقضاض على إنجازات الشعوب العربية و"تصفية الحساب" مع الربيع العربي، ووقف مسارات المشاركة الفاعلة والإصلاح، وإعادة إنتاج أنظمة الفساد والاستبداد بصور وأشكال جديدة.
وقال المشاركون إن القوى المناهضة للإصلاح والتغيير في المنطقة تحاول "توظيف" حالة القلق التي تنتاب المجتمع الدولي جراء تصاعد نفوذ "داعش" وشقيقاتها من الجماعات السلفية المقاتلة، وامتداد تهديداتها للغرب، في إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخاصة، بضرورة تجميد أجندة الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي وإرجائها، والتركيز بدلا عن ذلك، على أجندة محاربة الإرهاب، وإعطاء الأولوية للمعالجات الأمنية والعسكرية على حساب المعالجات السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية – الاجتماعية التي تخاطب مختلف جوانب المشكلة".
وفي مواجهة هذه الرؤية والمقاربة الخاطئة قدمت في اللقاء أفكار جديدة أكدت على أن الطريق إلى استئصال ظاهر التطرف والإرهاب، لا يمكن أن يمر عبر استهداف المجتمع المدني وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات، كما أنها ستكون أكثر كلفة وصعوبة، في ظل تفاقم ميول بعض الأنظمة والحكومات العربية، لاستهداف جميع الحركات والتيارات ذات المرجعية الإسلامية، ووضعها جميعا في سلة واحدة مع القوى التكفيرية والعنفية... لقد برهنت كافة الدراسات المتعلقة بالعنف والإرهاب، أن ثمة صلة وثيقة بين الإرهاب والاستبداد، وأن أحدهما يغذي الآخر، يعيد إنتاجه، ويعتاش عليه.
وانطلاقا من هذه الرؤية المغايرة أعد مركز القدس للدراسات السياسية مبادرة جديدة لمواجهة التطرف، قائمة على الأسس التالية:
أولا، إطلاق مبادرات عربية أهلية مستقلة، يقوم عليها فريق من السياسيين والمفكرين رفيعي المستوي، من ذوي المكانة المحترمة في مجتمعاتهم وعلى مستوى الإقليم، معروف عنهم رفضهم المطلق للتطرف والإرهاب وقدرتهم المعترف بها على مواجهته ومحاربته، وإيمانهم العميق بأهمية استئناف مسار الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي واحترام منظومة حقوق الإنسان في المنطقة العربية، وإبقاء قضية الانتقال للديمقراطية مدرجة على رأس الأولويات وصدارة جداول الأعمال.
ثانيا، المساعدة في بلورة استراتيجيات شاملة لمحاربة التطرف، تعالج مختلف أوجه القصور السياسي والتربوي والإعلامي والثقافي والديني، ولا تكتفي فقط بالبعد الأمني أو التشريعي لهذه المعالجات.
ثالثا، القيام بجهد ريادي في مجال تطوير مهارات الحوار والوساطة وفض النزاعات واحتوائها وبناء التوافقات الوطنية العريضة التي تبدو المنطقة، ولسنوات عديدة قادمة، بأمس الحاجة إليها.
هذه الورشة يمكن أن تشكل منطلقا جديدا لفهم التطورات في الوطن العربي، من قبل السلطات والحكومات العربية أو من قبل الجهات الدولية أو مؤسسات المجتمع المدني والقوى والحركات السياسية والثقافية.