تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن النظام السوري إلى أن ما بين 500 و1000 معاملة إذن
سفر لقاصرين يجري إنجازها يوميا في دمشق، في حين أن 50 في المئة معاملات
الزواج أو تثبيتها هي لمواطنين في الخارج.
وبحسب القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، الذي أعلن هذه الأرقام، فإن معاملات سفر القاصرين هي لكي يلتحقوا بذويهم المهاجرين، لا سيما ألمانيا ولبنان، وتركيا، وهولندا.
وتشير هذه الأرقام إلى ارتفاع نسبة المهاجرين واللاجئين، حيث تشير أرقام الأمم المتحدة إلى
أن حوالي 11 مليون نسمة هجروا منازلهم في
سوريا، أي نحو نصف عدد السكان، منهم نحو 6 ملايين باتوا خارج البلاد.
ويعد القصف الجوي واستهداف مراكز تجمع المدنيين من قبل النظام في مختلف أرجاء سوريا، وإضافة إلى الحصار، السبب الرئيسي للهجرة.
يقول أبو ياسر الشامي، في حديث خاص لـ"
عربي21"، إن جل من يعرفهم من الشباب باتوا يسعون للخروج من سوريا، ولو إلى تركيا، حتى أبو ياسر نفسه يسعى لبيع بعض ممتلكاته لتأمين المبلغ اللازم لإخراجه إلى تركيا عن طريق التهريب بسبب ملاحقته من قبل النظام.
واعتبر أبو ياسر أن معظم الشباب أصبحوا سجناء في المناطق المحاصرة أو المناطق المهادنة التي لا يستطيع النظام دخولها، وكل من يستطيع الإفلات يسعى للخروج من سوريا نهائيا بسبب الملاحقة الأمنية أو الخدمة العسكرية الإلزامية.
أما عبد السلام، فقال لـ"
عربي21"، إنه ينتظر ابنه ذا الـ16 عاما، الذي ينتظر الحصول على الإقامة في ألمانيا بعد سفره عن طريق البحر برفقة عدد من أصدقائه، حيث يأمل عبد السلام أن يتمكن ابنه من لم شمل العائلة، وبالتالي سفر عبد السلام وزوجته وابنتيهما إلى ألمانيا فور انتهاء الإجراءات.
وتقول مها لـ"
عربي21" إنها قامت باستصدار إذن سفر لابنها الذي دخل عامه الـ17 بعد أن دفعت حوالي 50 دولارا كرشوة للموظف الذي عجل باستصدار المعاملة؛ لكي يلتحق بأصدقائه في تركيا والسفر إلى أوروبا سوية.
واعتبر أبو أسامة، وهو موظف كبير سابق في وزارة العدل، أن "ما يجري خطير جدا، وهو تحريض واضح من قبل النظام للشباب على
الهجرة، فالعملية بأكملها تستهدف تهجير الناس إلى خارج سوريا، حيث تبدأ بالاعتقال والتنكيل والقتل تحت التعذيب، والقصف بالبراميل، ولا تنتهي بتسهيل الإجراءات بشكل غير مسبوق، وهو أمر يدعو للريبة فعلا، (ويشكك) بدعوات النظام المتكررة للسوريين للعودة"، وفق قوله لـ"
عربي21".
وقال أبو أسامة إن كل تلك الدعوات للعودة مجرد كلام سياسي وموجه للخارج فقط، "والكل يعلم ما هو مصير النازح لو عاد إلى سوريا والأفعال على الأرض خير دليل على نوايا النظام الحقيقية".
وأكد أنه يعرف العشرات من العائلات التي تغادر بأكملها سوريا يوميا عن طريق لبنان؛ بواسطة مكاتب سفر مرخصة من قبل النظام، ووصل الأمر يوما إلى تسيير أكثر من سبع باصات من دمشق وريفها باتجاه لبنان، ومن ثم إلى تركيا عن طريق الحجز المسبق بواسطة تلك المكاتب.
وقالت بيان، وهي إحدى موظفات القصر العدلي في دمشق، إن نسبة الزواج بالوكالات كبيرة جدا ولا تقتصر على من هم خارج سوريا فقط، بل يقوم المئات من الشباب داخل البلاد باستصدار الوكالات الخاصة لتسجيل الزواج في المحاكم، وذلك يعود لعدم تمكنهم من الحضور بسبب الملاحقة الأمنية. أما من هم خارج البلاد، فهم بحاجة لتثبيت الزواج للقيام بالمعاملات والإجراءات الأساسية، وهو ما لم تتمكن أي جهة معارضة من القيام به، وهذا الأمر أدى إلى ارتفاع أجور الوكالات وخلق وظائف جديدة لمعقبي المعاملات بسبب كثافة المعاملات وتعقيدها.
ازدادت حركة النزوح مرة أخرى مع بدء الضربات الروسية، وانعدام الأمل بحل سياسي أو انفراج عسكري قريب، لكن تبدو أيادي النظام واضحة في الدفع في هذا الاتجاه من خلال الضغط على الشباب بالممارسات الأمنية، أو من خلال تصريحات كبار المسؤولين كرئيس الوزراء وائل الحلقي الذي دعا الشباب للالتحاق بصفوف الجيش؛ وهو ما يدفع الشباب للفرار من البلد، أو من خلال القانون الذي سمح لمئات الآلاف من السوريين باستصدار جوازات سفر دون النظر إلى الملف الأمني، وهو ما كان يشبه الحلم بالنسبة لهم. واستطاع النظام من خلال تلك الخطوة "التخلص" من أكثر من 800 ألف سوري نهائيا، وأدخل إلى خزينته حوالي 5.5 مليون دولار.