نشرت صحيفة ميدل إيست آي تقريرا تحذر فيه من إحاطة
إسرائيل بالأقصى أصبحت شبه كاملة، إذ بالرغم من الادعاءات بأنها تسعى لتهدئة التوترات داخل
القدس، إلا أن إسرائيل تكثف نشاطاتها للإحاطة بالمسجد الأقصى وتعزيز سيطرتها على الموقع المقدس، بناء على تحذيرات صدرت الأسبوع الماضي عن خبراء إسرائيليين في الآثار.
وتشرف الولايات المتحدة على إجراءات داخل مجمع المسجد الذي يعرف باسم الحرم الشريف بهدف وضع حد لأسابيع من الاحتجاجات
الفلسطينية التي تتركز على القدس.
وتوسط وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نهاية الأسبوع الماضي لإبرام اتفاق بين إسرائيل والأردن، الراعي الرسمي للحرم، سيتم بموجبه وضع كاميرات داخل مجمع المسجد.
إلا أن خبراء الآثار يقولون إن أكثر الأخطار التي تهدد المسجد – الذي يقع على ربوة مرتفعة عن الحائط الغربي داخل القدس القديمة – هو الخطر الذي لن تتمكن الكاميرات من التقاطه.
ويتهمون إسرائيل بإجراء تغييرات سريعة للأماكن المحيطة بالمسجد الأقصى وذلك لإخفاء المعالم الإسلامية للمنطقة ولإقامة "مسار إعاقة" يشق على المصلين المسلمين.
ويقول يوناثان ميزراخي، رئيس منظمة اسمها إيميك شافيه – وهي منظمة لخبراء في الآثار يعارضون استخدام علم الآثار لمآرب سياسية: إن "الصورة الأشمل هي أن إسرائيل تعمل في الواقع على إضعاف الوجود الإسلامي والفلسطيني هناك حتى يتسنى لليهود الإسرائيليين الاعتقاد بأنهم أصحاب المكان الحقيقيين".
وقال إن مختلف النشاطات الإسرائيلية ذات العلاقة بالبحث عن الآثار هي التي مكنت إسرائيل من الإحاطة بمجمع المسجد الأقصى من كافة الجهات وعزله عن الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
رقابة على مدار الساعة
يقول كيري إن الكاميرات من شأنها أن تقنع الفلسطينيين أن إسرائيل لا تقدم على انتهاك اتفاقية "الأمر الواقع" الخاصة بالموقع منذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية وبقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967.
ومن المفروض أن التفاهمات غير المكتوبة تضمن بقاء الإدارة الدينية لمجمع المسجد حصريا بأيدي السلطة الإسلامية المعروفة بالأوقاف بينما تتحكم إسرائيل بالإشراف الأمني على المكان، ورغم أن اليهود يسمح لهم بزيارة منطقة المسجد إلا أنه يحظر عليهم الصلاة داخله.
ويطلق اليهود على الحرم اسم "جبل الهيكل"، ويقولون إن المسجد يربض فوق بقايا هيكلين (معبدين) قديمين.
ويعتقد بأن الحائط الغربي الذي يقدسه اليهود المتدينون هو الحائط المتبقي من الهيكل الثاني الذي دمر قبل ما يقرب من ألفي عام.
وسوف يتم بث الصور الملتقطة من قبل الكاميرات على مدار الساعة بما يوفر "رؤية شاملة وشفافية كاملة"، بحسب ما قاله كيري.
ومن المفروض أن تؤدي هذه الخطوة بشكل خاص إلى طمأنة الفلسطينيين بأن القوميين اليهود
المتطرفين، الذين ما فتئوا في الآونة الأخيرة يترددون على المسجد بأعداد متزايدة وتحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، لا يستخدمون المكان للصلاة.
إلا أن النقاد من أمثال مزراخي يقولون إن تركيز واشنطن على صلاة اليهود داخل الأقصى سيخفق في تخفيف التوترات لأنه يتجاهل الدائرة الأوسع للمظالم التي تنجم عن الاحتلال الإسرائيلي ويتجاهل كذلك التضييق الذي يمارس على الفلسطينيين لتقليص أعداد من يصلون منهم إلى المسجد ناهيك عن التغييرات الكبيرة والخطيرة التي تدخلها إسرائيل على طبيعة الأماكن المحيطة بمجمع المسجد.
وقال في تصريح: "لا يتعلق الأمر فقط بما يجري داخل المجمع وإنما بما تقوم به إسرائيل من حوله في الخارج بهدف تضييق منافذ العبور أمام المصلين المسلمين تمهيدا لحرمانهم من حقهم في الصلاة داخل المسجد، وكذلك بهدف تغيير معالم وملامح ومناخ القدس الشرقية والمدينة القديمة. تعمل الحكومة مع المستوطنين يدا بيد لخلق انطباع بأن المدينة القديمة تقع في الصميم من التاريخ اليهودي والهوية اليهودية ولذلك ينبغي أن تكون تحت السيادة الإسرائيلية".
قيود أشد على الدخول
منذ فترة طويلة يشكو الزعماء الفلسطينيون أن الحواجز الإسرائيلية ونقاط التفتيش تعني أن عددا قليلا من الفلسطينيين من داخل الضفة الغربية وقطاع غزة سيتمكنون من الوصول إلى القدس أو إلى الأماكن المقدسة فيها.
وحتى الفلسطينيون الذين يقيمون داخل القدس أو أولئك الذين ينحدرون من الأقلية الفلسطينية الكبيرة من مواطني إسرائيل، والذين يبلغ تعدادهم 1.6 مليون نسمة، باتوا يواجهون القيود نفسها.
في العام الماضي، وطبقا لأرقام رسمية، فرضت الشرطة الإسرائيلية القيود العمرية على الفلسطينيين 41 مرة، وكانت القيود في العادة تحظر على الفلسطينيين دون الـ50 من العمر الدخول إلى المسجد.
وعلى مدى ثلاثة أسابيع في أواخر آب/ أغسطس وفي أيلول/ سبتمبر، أفاد مراقبو الأمم المتحدة أن إسرائيل حظرت أيضا الدخول على النساء الفلسطينيات في ساعات الصباح للسماح للمجموعات اليهودية بالدخول إلى المكان.
ومنع ما يقرب من 500 طفل مسلم يدرسون داخل المجمع من العبور إليه.
بالإضافة إلى ذلك، كما يقول مزراخي، تؤدي النشاطات الإسرائيلية إلى فصل مجمع الأقصى عن محيطه الفلسطيني. ولقد اشتملت التغييرات الأخيرة على ما يلي:
1. مد نطاق الحفريات السرية وإنشاء الأنفاق حول المجمع لبناء "مدينة يهودية تحت الأرض" في الجناحين الغربي والجنوبي من الحرم.
2. نقل صلاحيات الإشراف على حديقة للمعالم الأثرية تقع في الجانبين الغربي والجنوبي من أسوار الأقصى إلى منظمة استيطانية يهودية متطرفة.
3. الإغلاق القسري لمقبرة إسلامية قديمة، رغم أنها ما تزال فاعلة، على امتداد الجانب الشرقي من المجمع، الأمر الذي يحرم العائلات الفلسطينية حق العبور إليها بحجة أنها تقع ضمن الحديقة الوطنية الإسرائيلية.
ويشير مزراخي أيضا إلى أن إسرائيل زادت كذلك من القيود الأمنية المفروضة على الفلسطينيين على الطريق العام الذي يصل الحي الإسلامي داخل المدينة القديمة بالمسجد الأقصى، الأمر الذي يحد من قدرتهم على العبور.
ويضيف: "أن الهدف من كل هذه التغييرات هو التأكيد على الصفة اليهودية للبيئة المحيطة بالأقصى، سواء فوق الأرض أو تحتها".
التعهد بوقف الصلاة اليهودية
وينفي المسؤولون الإسرائيليون الاتهامات بأنه يجري تقويض صلاحيات الأوقاف الإسلامية داخل المجمع، بل زعم رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو الشهر الماضي بأن "إسرائيل ليست هي المشكلة داخل منطقة جبل الهيكل، بل هي الحل، فنحن الذين نبقي على الوضع الراهن كما هو".
وإثر ضغوط مارستها واشنطن على نتنياهو، أصدر مكتبه بيانا الأسبوع الماضي في وقت متأخر من الليل، وباللغة الإنجليزية فقط، جاء فيه: "سوف تستمر إسرائيل في فرض سياستها التي تنتهجها منذ زمن طويل، وهي: المسلمون يصلون فوق جبل الهيكل، وأما غير المسلمين فيزورون جبل الهيكل".
وجه نتنياهو اللوم عن الاضطرابات التي اندلعت لأسابيع في القدس وفي الضفة الغربية إلى ما قال إنه "التحريض" الذي يمارسه الزعماء الفلسطينيون.
ولكن، ثمة مؤشرات على تصاعد القلق في أوروبا وداخل الولايات المتحدة الأمريكية من أن الإجراءات الإسرائيلية تقوض الوضع الراهن.
ولا أدل على ذلك من أن أحد المسؤولين في فريق كيري، واسمه جون كيربي، أثار عاصفة دبلوماسية حينما قال للصحفيين في الشهر الماضي: "من المؤكد أن الوضع الراهن لم يحترم، وهو ما نجم عنه كثير من العنف." ولكنه ما لبث إثر احتجاج الإسرائيليين أن تراجع عن موقفه وسحب تصريحه.
في الوقت نفسه أقرت منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة (اليونسكو) قرارا يدين إسرائيل على تقييدها لحرية العبادة للمسلمين وعلى إدارتها لأماكن العبادة التي تقع تحت سيطرتها.
وقدمت فرنسا مقترحا بنشر مراقبين دوليين داخل مجمع المسجد، إلا أن واشنطن وإسرائيل نجحتا في قطع الطريق عليه وإجهاضه.
يخشى كثير من الفلسطينيين أن إسرائيل ترغب في نهاية المطاف في تقسيم الحرم فعليا حتى تنشئ حيزا يصلي فيه اليهود أو من أجل الإصرار على مواعيد خاصة بالصلاة اليهودية داخل الحرم. وكانت إسرائيل قد فرضت ترتيبات مشابهة داخل المسجد الإبراهيمي في الخليل منذ عام 1990.
ولقد فاقمت تسيبي هوتوفلي، التي تشغل منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، من القلق في الأسبوع الماضي حينما قالت للتلفزيون الإسرائيلي: "أحلم بأن أرى العلم الإسرائيلي يرفرف فوق جبل الهيكل. إنه أقدس مكان بالنسبة للشعب اليهودي".
هذا، بينما دعا وزراء آخرون إلى إنشاء هيكل ثالث ليحل محل المسجد الأقصى. وأشارت صحيفة هآريتز في الأسبوع الماضي إلى أن المتطرفين الذين يطالبون بتدمير المسجد باتوا الآن يتمتعون بمراكز قوة ونفوذ داخل حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو وداخل شريكه في التحالف حزب البيت اليهودي.
الأنفاق السرية
يقول مزراخي إن الأقصى ليس مهددا فقط من قبل النشاطات التي يقوم بها قلة من القوميين المتطرفين وإنما أيضا من قبل مجمل الأعمال التي يقوم بها التيار السياسي العريض في إسرائيل وكذلك ما يقوم به علماء الآثار والسلطات الدينية اليهودية.
وقال إن الحكومة وسلطة الآثار الإسرائيلية وصندوق الحائط الغربي للتراث تعمل جميعا بشكل سري في إنجاز حفريات مكثفة بجوار المسجد لإقامة شبكة تحت الأرض من الممرات والحيزات.
وقال إن الغرض من هذه الأنفاق غير واضح مضيفا أنها "حينما تنجز بشكل سري فلا مفر من أنها ستثير القلق في صفوف الفلسطينيين الذي يتوجسون من أن الحفريات قد تمتد إلى ما تحت المسجد مباشرة الأمر الذي سيقوض أساساته ويلحق به أضرارا جسيمة".
وأضاف أن إسرائيل مستمرة في أعمال الحفريات في الجناح الغربي من المسجد الأقصى، وهي الحفريات التي نمت إلى علم الرأي العام لأول مرة مع افتتاح أنفاق الجدار الغربي في عام 1996، حينما كان نتنياهو في أول دورة له رئيسا للوزراء.
وأدى افتتاح الأنفاق إلى اشتباكات نجم عنها مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة المئات منهم بجروح.
بالإضافة إلى ذلك أمرت محكمة إسرائيلية في الأسبوع الماضي بأن تسلم السيطرة على حديقة للمعالم الأثرية اسمها مركز دافيدسون، وتقع على امتداد الجناحين الغربي والجنوبي من مجمع المسجد الأقصى، إلى منظمة إيلاد، وهي منظمة استيطانية.
تسيطر إيلاد حاليا على أجزاء كبيرة من حي سلواد الفلسطيني، جنوب مجمع المسجد الأقصى، حيث تعمل على إنشاء حديقة للمعالم الأثرية اسمها مدينة دافيد مما تسبب في تشريد السكان الفلسطينيين.
يقول مزراخي إن دور إيلاد في مركز دافيدسون يبعث على القلق لأنها جاءت بالمجموعة الاستيطانية وأوصلتها إلى عتبة المسجد الأقصى، ويضيف إن إيلاد تحاول ربط مجمعها في سلواد بمركز دافيدسون، سعيا منها لتعزيز الرواية اليهودية الحصرية بشأن القدس العتيقة.
وفي أيلول/ سبتمبر قامت سلطة الحدائق الوطنية في إسرائيل بإغلاق باب الرحمه، وهي مقبرة إسلامية عتيقة تقع على الجانب الشرقي من المسجد، بالأسلاك الشائكة بهدف منع الفلسطينيين من الوصول إليها أو الدفن فيها.
وقد حذر إيميك شافيه من أن هذا الإجراء يأتي بمثابة إسدال الستار "على الصراع المستمر منذ وقت طويل بين المستوطنين والفلسطينيين حول السيطرة على السور الشرقي للمتنزه".
وخلال الأسابيع الأخيرة من الاضطرابات في القدس، لجأت إسرائيل إلى وسائل القمع الشديد بحق الفلسطينيين حاظرة عليهم العبور نحو شارع الواد في الحي الإسلامي من المدينة القديمة، وهي المنطقة التي طالما استهدفها المستوطنون اليهود سعيا للاستيلاء عليها نظرا لأنها أيضا تتواصل مع الحائط الغربي.
يقول مزراخي: "إن الذي يجري مع مرور الزمن هو أن الحرم يزداد عزلة يوما بعد يوم عن محيطه العربي والإسلامي".
حظر القيادات الفلسطينية
ترافقت التغييرات الفعلية المستحدثة في محيط المسجد الأقصى مع وجود قيود تزداد صرامة يوما بعد يوم تفرضها إسرائيل على القيادات الفلسطينية والدينية لتحول دون وصولهم إلى المكان، كما يشير المراقبون.
وكانت السلطة الفلسطينية قد منعت منعا باتا من أن يكون لها أي وجود في القدس منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000.
وفي الشهر الماضي أمر نتنياهو بمنع جميع أعضاء البرلمان الإسرائيلي، بما في ذلك ممثلي الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من دخول مجمع المسجد الأقصى.
لقد اضطر باسل غطاس، وهو عضو فلسطيني في البرلمان الإسرائيلي عن القائمة المشتركة، إلى التخفي في الأسبوع الماضي ليتمكن من تجاوز الشرطة الإسرائيلية التي تحيط بالحرم.
قال غطاس في تصريح للموقع: "لا أتلقى تعليمات من نتنياهو حول ما إذا كانت أستطيع زيارة الأقصى أم لا".
وأضاف: "حينما تقرر الشرطة الإسرائيلية من الذي يسمح له بدخول المسجد الأقصى ومن لا يسمح له بذلك، يصبح جليا أنهم هم المتحكمون في الأمور والمسيرون لها وليس الأوقاف".
وتراود غطاس وغيره من القيادات الفلسطينية، الشكوك ويشعر بالقلق من أن إسرائيل ستستخدم الكاميران الجديدة لتحديد هوية النشطاء الفلسطينيين ثم تلقي القبض عليهم أو تمنعهم من الدخول إلى المكان، وقال إن الكاميرات ستمنح إسرائيل القدرة على التحكم بالمسجد الأقصى على مدى اليوم والليلة.
لقد قامت إسرائيل مرارا وتكرارا بمنع القيادات الدينية الإسلامية من دخول القدس والمسجد الأقصى – ومن أشهر من فرض عليهم مثل هذا الحظر الشيخ رائد صلاح رئيس الفرع الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل.
وقامت إسرائيل بسجن شخصيات دينية مقدسية أخرى، بما في ذلك قيادات حماس السياسية، أو قامت بإبعادها قسرا إلى الضفة الغربية.
مما أنجزه الشيخ رائد صلاح أنه حول وضع الأقصى إلى قضية أساسية وسعى إلى الإتيان بآلاف المسلمين من أماكن إقامتهم داخل إسرائيل للصلاة في المسجد الأقصى في الوقت الذي كانت فيه أعداد المصلين القادمين من المناطق المحتلة تتضاءل.
وفي الشهر الماضي أعلن رئيس الوزراء نتنياهو عن نيته حظر الحركة الإسلامية التي يقودها الشيخ رائد صلاح.
يقول زاهي نجيدات، الناطق باسم الشيخ رائد صلاح، إن الحديث عن الوضع الراهن في المسجد الأقصى كلام فارغ، وأضاف: "في الواقع إسرائيل هي التي تقرر كل شيء، سواء داخل الحرم أو خارجه، لأنها هي القوة المحتلة. وهذا هو الوضع الراهن الوحيد الذي يسعى إلى تكريسه كل من نتنياهو وكيري".
وقال نجيدات إن الهدوء يستحيل أن يسود في المكان إلى أن ينتهي احتلال القدس ويتمكن الفلسطينيون من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه بكل حرية.
التقرير الأصلي: Israel’s encirclement of al-Aqsa 'nearly complete'