نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا لمراسل شؤون الأمن الوطني دان دي لوس، قال فيه إن تدخل
روسيا العسكري في
سوريا كان خاليا من الألم تقريبا للكرملين، ولكن سقوط طائرة مدنية روسية خلال نهاية الأسبوع أشعل التخمينات حول احتمال أن يكون المتطرفون الإسلاميون وراء الحادث.
ويجد الكاتب أن هذا الأمر يثير السؤال الذي طرح حول مقامرة الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين من البداية، وهو: هل ستستمر موسكو في حربها الجوية إن تسببت بحملة هجمات إرهابية ضد روسيا؟
ويشير التقرير إلى أن روسيا قامت بغارات جوية ضد القوات السنية التي تحارب ضد نظام بشار الأسد على مدى الشهر الماضي، ورأت روسيا أنها قادرة على احتواء غضب المسلمين السنة، وبينهم من يحمل الجوازات الروسية، الذين حملوا السلاح في سوريا.
وتبين المجلة أنه لا يعرف ما إن كانت موسكو ستتعامل مع هذا المستوى المتدني من التهديد، وتحوله إلى حالة طوارئ تجعل الأراضي الروسية مهددة، وتنشر الخوف بين سكانها.
ويذكر دي لوس أنه من المتوقع أن يكثف بوتين الحملة في سوريا، ويطلق هجوما أرضيا، دون الالتفات إلى عدد الضحايا بين المدنيين، وذلك قياسا بما فعله في الشيشان.
ويجد التقرير أنه بينما واجهت روسيا خطر الإرهاب من المتطرفين الإسلاميين في الشيشان وغيرها في شمال القوقاز. إلا أن قيامها بتدخل علني في الحرب الأهلية السورية قد يجعلها هدفا مفضلا للمتطرفين.
وتلفت المجلة إلى أن قائد جبهة النصرة أبا محمد الجولاني دعا مؤيديه إلى القيام بعمليات ضد المدنيين والعسكريين في روسيا؛ انتقاما لدخولها الحرب في سوريا إلى جانب نظام الأسد. وقال الجولاني في تسجيل صوتي له في 12 تشرين الأول/ أكتوبر: "إن الغزو الروسي الجديد هو آخر سهم في جعبة أعداء المسلمين".
ويورد الكاتب أن الجولاني دعا المتطرفين في القوقاز إلى إشغال موسكو عن مهمتها في سوريا. وفي اليوم ذاته، الذي دعا فيه قائد جبهة النصرة إلى الانتقام، سقطت قذيفتا هاون على سياج السفارة الروسية. كما تبنى
تنظيم الدولة في مصر إسقاط الطائرة الروسية، التي تحطمت فوق شبه جزيرة سيناء، ما أدى إلى مقتل 224 شخصا كانوا على متنها.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه قد بدأ تحقيق دولي في الحادث، ولم يعرف بعد مدى مصداقية ادعاء تنظيم الدولة. ولكن مسؤولين من متروجيت قالوا الإثنين إن السقوط لم يكن بسبب خطأ من القبطان أو خلل فني، مبينا أن هذا الأمر قوّى من احتمال أن تكون الطائرة أسقطت عن طريق انتحاري كان على متنها.
وتستدرك المجلة بأن المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأمريكية كشفت عن عدم وجود دلائل تشير إلى أن سقوط الطائرة كان عملا إرهابيا. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي فوجئت إدارته بالتدخل الروسي، قد رد بحذر على الانتقادات، قائلا: "إن روسيا ستجد نفسها متورطة في "مستقنع" ليس له مخرج".
وينقل دي لوس عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن التدخل الروسي سيلقى رد فعل قويا، قد يولد موجة من الهجمات الإرهابية، وقارنوا ما يحدث الآن بما حدث في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما دخلت روسيا أفغانستان. وقال مسؤول أمني أمريكي إن روسيا تخاطر بحملتها العسكرية بتحويل الصراع السوري إلى "برميل بارود" يهدد حكومة بوتين.
وقال المسؤول لـ"فورين بوليسي": "سيستغل المتطرفون من روسيا أو من دول الاتحاد السوفييتي السابق، خاصة الذين لم يحصلوا على فرصة المشاركة في أفغانستان أو الشيشان، الفرصة للحرب في الساحة السورية".
وأضاف المسؤول للمجلة أن على روسيا ألا تتوقع أن تبقى ردة الفعل محصورة في سوريا، كما حصل في أفغانستان في الثمانينيات، ويقول: "سيكون من الصعب حتى على بوتين أن يهمل إمكانيات المتطرفين من نشر معتقداتهم، التي تدعو إلى الكراهية والتحريض على العنف بسرعة في أنحاء العالم".
ويورد التقرير أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه مع تعالي الخطاب المعارض لروسيا في دعاية المتطرفين على الإنترنت، فإنه من المبكر تحديد عدد المتطوعين من شمال القوقاز المضطرب.
ويكشف الكاتب عن أن روسيا قدمت تقديرات مختلفة عن عدد الروس المنضمين لتنظيم الدولة أو غيرها من المنظمات التي تحارب نظام الأسد، وقد تزايدت هذه التقديرات على مدى العام الماضي.
وتنوه المجلة إلى أنه في شهر شباط/ فبراير، قدرت المخابرات الروسية عدد الروس المنضمين لتنظيم الدولة بـ1700 شخص، ولكن بوتين قال الشهر الماضي إن العدد يتراوح ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف من روسيا والدول المجاورة في آسيا الوسطى. وقال في اجتماع لجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا: "لن نسمح لهم بكل تأكيد باستخدام الخبرة التي يكتسبونها في سوريا على أرض الوطن"، كما حذر بوتين تلك الجمهوريات من احتمال وقوع عمليات انتقامية، ودعا إلى التعاون بين أجهزة مكافحة الإرهاب في الجمهوريات.
ويذكر التقرير أنه بحسب تقرير استقصائي في صحيفة "نوفايا غازيتا"، فقد قامت المخابرات الروسية بغض الطرف عن المتطرفين الإسلاميين، الذين غادروا من القوقاز للحرب في سوريا، لتتخلص من خطرهم في البلاد.
ويستدرك دي لوس بأن ذلك كان قبل أن ترسل روسيا بعشرات الطائرات الحربية والمدافع والدبابات لدعم الأسد. موضحا أن الشيشان وغيرهم ممن يتحدثون الروسية من المتطوعين في سوريا يهددون الآن بمهاجمة القوات الروسية، كما يدعو قادتهم إلى مهاجمة المدنيين في روسيا.
وتنقل المجلة عن مقاتل يتحدث الروسية ومقاتل يتحدث العربية في صفوف جبهة النصرة، قولهما في فيديو نشر على "تويتر" في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، إن تنظيمهما مستعد لقتال الروس وحلفائهم، وأظهر الفيديو المقاتلين يستخدمون أسلحة روسية مختلفة. وقال أحد المقاتلين إن الجيوش الخارجية لا تستطيع أن تحارب لفترة طويلة "مثل حرب أفغانستان، حيث احتلها الروس بكل قوتهم وعتادهم، ولكنهم غادروا مهزومين تحت ضربات المجاهدين".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن المحللين الأمريكيين يقولون إن هناك مبالغة في المقارنة بين التجربة الروسية في أفغانستان وسوريا، ففي أفغانستان كانت هناك دولة جارة هي باكستان لها حدود طويلة مع أفغانستان، وكانت على استعداد لتدريب المقاتلين فيها قبل إرسالهم لقتال الروس في أفغانستان، موضحين أن هذا ليس متوفرا في سوريا. وتستدرك المجلة بأن دعم روسيا لإيران، التي تقف مع الأسد، أغضب الدول السنية، وبالذات السعودية، ما يجعل تلك الدول مستعدة لتقديم السلاح للثوار.