أجمع باحثون أمريكيون على أن النصر الساحق الذي حققه "حزب العدالة والتنمية" بالانتخابات التي جرت في
تركيا في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، هو بمنزلة مفاجأة في عملية إعادة التصويت البرلمانية، وذلك لأن استطلاعات الرأي لم تتوقع مثل هذه النتائج.
وفي دراسة، تقدم بها ثلاثة من الباحثين السياسيين الأمريكيين، إلى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حول نتائج العملية الانتخابية في تركيا، توصلوا فيها إلى "تحوّل العديد من الناخبين الأتراك إلى تأييد "حزب العدالة والتنمية"، معتبرين أنه الفصيل الأكثر احتمالا للدخول في حكومة حزب واحد، وبالتالي العودة إلى الاستقرار، وذلك في ظل غرق تركيا في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتباطؤ اقتصادي، وزيادة العنف الذي يمارسه "حزب العمال الكردستاني" والهجمات التي شنها تنظيم الدولة".
وفي تفصيل لكل ما تقدم به الباحثون كل على حدة حول
الانتخابات التركية، نجد أن الباحث سونر چاغاپتاي، وهو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، أشار إلى أن "الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، قدّم نفسه على أنه "الرجل القوي الذي يمكنه أن يحميك"، وقد نجحت استراتيجيته في استقطاب الناخبين الذين فضلوا الأمن على الحريات".
ولفت الباحث إلى مفارقة حدثت في العملية الانتخابية، ألا وهي أن "جمهورَيْن مختلفين جدا من الناخبين، توجها معا للتصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، في جموع هائلة هما: الناخبون القوميون الأتراك، الذين كانوا يخشون تجدد الهجمات الإرهابية من حزب العمال الكردستاني، والناخبون
الأكراد، الذين كانوا يخشون من استئناف حرب واسعة النطاق ضد الجماعة".
وتابع چاغاپتاي متحدثا في قراءته لنتائج الانتخابات، بأن المفارقة الثانية هي "استفادة حزب العدالة والتنمية من الاستقطاب بين اليمين واليسار لتعزيز أصوات المؤيدين له، خاصة أنه بعد التفجيرات التي نفذها تنظيم الدولة في أنقرة، ألقى اليسار، بقيادة صلاح الدين ديمرطاش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، اللوم في الهجوم على الحكومة، في حين ألقت الحكومة اللوم على اليسار، وقد أدى ذلك إلى تعميق الاستقطاب في البلاد، مما دفع ببعض اليمينيين من مؤيدي حزب الحركة القومية الذي يعرف أيضاً بحزب العمل القومي، إلى دعم حزب العدالة والتنمية".
من زاوية أخرى، وفي تحديد المنتصرين في هذه الانتخابات، قال مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن: "إلى جانب أردوغان وحزبه، خرج حزب العمال الكردستاني منتصرا من هذه الانتخابات من خلال جعل العنف طريقة للتعبير من جديد عن الحركة الكردية، إذ سعى الجناح السياسي للحركة إلى أن يصبح أكثر من مجرد حركة قومية كردية ضيقة، من خلال الوحدة مع اليساريين في إطار حزب الشعوب الديمقراطي".
أما ملاحظات المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي آلن ماكوفسكي، حول الانتخابات التي ضمنها في الدراسة البحثية، فقد رأى أن "أردوغان عاد إلى المشاركة في اللعبة، على الرغم من خسارته الظاهرة للمسته السحرية بعد احتجاجات "ميدان تقسيم"، والنكسة الانتخابية التي شهدها في حزيران/ يونيو والمحاولة الفاشلة لاعتماد نظام رئاسي".
بيد أن ماكوفسكي أكد أن "تداعيات الانتخابات السابقة أظهرت لأردوغان أن المواطنين لا يريدون حكومة ائتلافية، وأن بإمكان حزب العدالة والتنمية أن يظهر سائدا عبر مناشدة رغبتهم في الاستقرار، على الرغم من نوايا رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في بناء ائتلاف، بعد أن خسر الحزب أغلبيته البرلمانية في حزيران/ يونيو، إلا أن أردوغان ضغط من أجل إعادة التصويت منذ البداية، ونجحت استراتيجيته في إقناع الناخبين".
ورأى الباحث الأمريكي أن بناء على نتائج الانتخابات الأخيرة فإن أردوغان سيعتبرها "تفويضا لنهجه، وسيواصل محاربة المعارضة عبر واحدة من أبشع حملات القمع في التاريخ التركي، ومن المحتمل أيضا أن يواصل توجيه الضربات بشدة إلى حزب العمال الكردستاني، على الأقل في البداية".
وفي إلقاء للضوء على الأوضاع السياسية التي آل إليها حزب الشعوب الديمقراطي، فقد اعتبر ماكوفسكي أن "خسارة الحزب للأصوات في الانتخابات المبكرة قد ولّدت معضلة داخلية، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل هو عبارة عن حزب قومي عرقي للأكراد، أو أنه حزب يحاول دمج الأكراد في تركيا؟".
وتابع الباحث في وجهة نظره بقوله: "وفي حين أن معظم المراقبين في واشنطن يلومون أردوغان على التصعيد الأخير للعنف، وجّه العديد من الأكراد في جنوب شرق تركيا اللوم إلى حزب العمال الكردستاني، وبالتالي كانوا غير مستعدين للتصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي".
أما حول انعكاسات نتائج الانتخابات على الصعيد الخارجي، فقد نوه الباحث إلى أنه "ربما تكون نتائج الانتخابات إيجابية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، وتحديدا فيما يتعلق بالشأن السوري. فسوف تبقى تركيا شريكا غير فاعل في الائتلاف ضد تنظيم الدولة، وستسمح للولايات المتحدة بالاستمرار في استخدام قاعدة إنجرليك الجوية، بيد أنه سيستمر التوتر بين الحكومتين حول سوريا نظرا لأولوياتهما المختلفة في تلك البلاد".
وفي النظر إلى ما تقدم الباحث الأمريكي الثالث والأخير، فإننا نجد مدير برنامج الشرق الأوسط في "مركز وودرو ويلسون الدولي" للباحثين هنري باركي، قد قال: "على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية قد عمل جاهدا في محاولة لإيجاد حل للمشاكل الكردية في تركيا، إلا أنه كان أيضا مسؤولا عن الشرخ الكبير الذي حدث في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، عندما أراد أردوغان انتصار تنظيم الدولة وهزيمة حزب الاتحاد الديمقراطي في كوباني".
وأفاد الباحث في وجهة نظره حول التحولات التي جرت بالتوجهات الكردية نحو حزب العدالة والتنمية، بأن "تحوّل الأكراد المحافظين الذين صوتوا تاريخيا لحزب العدالة والتنمية نحو حزب الشعوب الديمقراطي، وشكلوا تحالفا كرديا تحت راية الحزب اليساري، لم يصدّق أحد، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، أن هؤلاء الأكراد المحافظين سيعودون مرة أخرى لتأييد حزب العدالة والتنمية بعد انتخابات السابع من حزيران/ يونيو".
ورأى الباحث أن من أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات هو "حزب العمال الكردستاني، إذ ارتكب خطأ استراتيجيا كبيرا بلجوئه إلى العنف بعد الانتخابات السابقة"، ولكن الباحث يشير إلى أنه بالرغم من هذه الخسارة إلا أن الحزب "أصبح الآن أقوى بكثير في وجه حزب العمال الكردستاني، كما أنه تخطى العتبة الانتخابية التي تبلغ 10 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان، وبذلك تمت المصادقة على زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش".
وفي استشراف للمرحلة المقبلة، قال مؤلف كتاب "المأزق السوري لتركيا" : "ستعتمد الحكومة الجديدة موقفا متشددا ضد حزب العمال الكردستاني في بادئ الأمر. بيد أنه سيتوجب على أردوغان في النهاية أن يدرك أن استراتيجية للسلام والمصالحة ستصب في صالحه، إذ إن الاستقرار يتطلب أكثر من مجرد حكومة حزب واحد؛ لذا سيتوجب على أردوغان تبديل المسارات واستئناف المحادثات مع زعيم حزب العمال الكردستاني، أوجلان".
وختم الباحث باركي ملاحظاته حول نتائج الانتخابات التركية بقوله "من الناحية السياسية، ليس هناك داع لأن يقلق حزب العدالة والتنمية من موقفه في أي وقت قريب، ما لم تطرأ تغييرات كبيرة في قيادات الأحزاب المعارضة. كما يتوجب على الشعب التركي أن يفهم أن التغيير الحقيقي لن يأتي من خلال الأحزاب السياسية، بل من خلال المجتمع المدني. ويبقى أن نرى ما إذا كنّا سنشهد نسخة جديدة من احتجاجات "منتزه غازي".