نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي بن هبارد، حول مشاركة النساء السعوديات في
انتخابات المجالس البلدية، حيث لم تتميز تلك الانتخابات بالمناظرات والدعايات الانتخابية ولا الفضائح. ولم يقم
المرشحون بالترويج لأنفسهم، ولا تقويض حملات المنافسين على التلفاز، وكان مجرد حديثهم مع الصحافيين يهدد بإسقاط الأهلية.
ويستدرك التقرير بأن عددا قليلا من الشعب السعودي ذهب إلى الانتخابات يوم السبت، في فرصة فريدة لممارسة الديمقراطية، أو أقرب ما يكون لها في بلد يحكمها ملك بحسب الشريعة.
ويذكر الكاتب أن هذه الانتخابات كانت هي الأولى التي يسمح فيها للمرأة
السعودية بالمشاركة، مرشحة ومصوتة، وأشاد الناشطون الحقوقيون بهذه الخطوة؛ لأنها توسع من الدور الذي تؤديه
المرأة السعودية في الحياة العامة، خاصة أن القواعد ذاتها كانت للجنسين.
وتنقل الصحيفة عن الأستاذة الجامعية السعودية المتخصصة في تاريخ النساء هتون الفاسي، قولها إنها نظمت ورشات عمل للمرشحات، لكن الحكومة أوقفتها عن عمل ذلك؛ بحجة أن تلك الورشات تعطي المرشحات فرصة غير عادلة لصالحهن. وتضيف الفاسي: "هذه خطوة كبيرة، سنحاول الاستفادة منها لأبعد حد، وسنبني عليها للمطالبة بالمزيد من الحقوق".
ويشير التقرير إلى أن هذه الانتخابات تأتي في وقت تحصل فيه تغيرات اجتماعية كبيرة في السعودية، التي تعد حليفا مقربا من الولايات المتحدة. ولا أحد يتوقع بأن يقوم المواطن السعودي العادي باختيار المسؤولين، وكلهم رجال، والذين يديرون الشؤون الاقتصادية والعسكرية والخارجية للبلاد.
ويلفت هبارد إلى أن المجتمع، الذي يتميز بالمحافظة والتدين، بدأ بالتغير، حيث تزايد عدد النساء اللواتي يعملن خارج البيت. مشيرا إلى أن نسبة الشباب في المجتمع عالية، وهم الأكثر استخداما للإعلام الاجتماعي على مستوى العالم، كما أن مقاومة التغيير بدأت بالتراجع.
وتورد الصحيفة أن مؤيدي الانتخابات توقعوا أن يكون عدد الفائزات في الانتخابات قليلا، ولكنهم رأوا أن مشاركتهن كانت خطوة صغيرة في عملية الإصلاح الطويلة.. مستدركة بأن النساء لا يزلن ممنوعات من قيادة السيارات، ولا يزلن يخضعن لنظام المحرم، الذي يمنعهن من الزواج أو السفر أو القيام ببعض الإجراءات الطبية دون موافقة محرم. وبعض هذه القوانين لا تطبق بشكل صارم، كما كانت سابقا.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن أحد المؤشرات على تغير المواقف تجاه دور المرأة، هو النقد المحدود من المتدينين المحافظين لمشاركة النساء في الانتخابات المحلية، وهو ما كان وعد به الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز عام 2011، وقد سمح بتطبيقه الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز.
ويستدرك الكاتب بأن مقابلات مع عدد من السعوديين أظهرت أن معارضة مشاركة النساء هي أقل من عدم اكتراث المصوتين بالإدلاء بأصواتهم، وهي ظاهرة سائدة في بلد ليس لديه تاريخ في المنافسة السياسية. يقول يزيد قحطاني، وهو مدرس في مدرسة إعدادية في الرياض: "لماذا أصوت؟"، وكان قد سجل للتصويت، ولكنه لم يصوت؛ لأنه يعد المجالس البلدية ليست فعالة، ويتساءل: "من لديه السلطة للقيام بأي شيء، فقظ الأمراء والوزراء".
وتشير الصحيفة إلى أن ما تقوم به المجالس المحلية في السعودية هو الاهتمام بقضايا البلدية، وهذا ما ركز عليه المرشحون، من شوارع وإنارة وحدائق عامة ومرافق صحية.
ويورد التقرير أن إحدى المرشحات في الرياض، وهي هيفاء الحلبي، ركزت على أهمية تصميم المدن، وكانت حملتها حول تخفيض الهدر إلى الصفر على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن تحسين منطقتها.. مشيرا إلى أن الحلبي أستاذة في الهندسة المعمارية، واعترفت بأن الكثير من الناخبين سيترددون في منح أصواتهم للنساء، ولكنها قالت إن أحد أسباب ترشحها هو "تقديم نموذج للجيل القادم". وتقول: "هناك الكثير من الرجال والنساء الذين لا يروق لهم ترشح النساء، ولا أن يكون للنساء صوت، ولكن حكومتنا كانت متقدمة عن الناس".
ويبين هبارد أنه قد سجل للتصويت ما يقارب 1.5 مليون شخص من أصل 20 مليونا هم عدد سكان السعودية، بحسب لجنة الانتخابات، و11% منهم فقط نساء. ويحق
التصويت لمن لا يقل عمره عن 18 عاما، وليس في الخدمة العسكرية، ولا تزال الإحصاءات الرسمية لعدد من يحق لهم التصويت غير متوفرة لدى لجنة الانتخابات.
وتذكر الصحيفة أنه تنافس 6900 مرشح، بما في ذلك 979 امرأة، على 2112 مقعدا في 284 مجلسا بلديا. ويتم انتخاب ثلثي أعضاء المجلس، بينما تم انتخاب النصف فقط في المرة الماضية، والثلث المتبقي تعينه الحكومة.
وبحسب التقرير، فقد وصف المسؤولون السعوديون الانتخابات بالديمقراطية، ولكن يحتج بعض العلماء الغربيين بالقول إن وجود مؤسسات شبه ديمقراطية يقوي الاستبداد. وأعطت القواعد التي حكمت الانتخابات تلك الانتخابات نكهة مختلفة عن الانتخابات الأمريكية، التي تمتاز بالحملات التي تنفق عليها أموال طائلة.
ويلفت الكاتب إلى أنه بعد نقاش حول إمكانية استخدام المرشحات للصور في الحملات الانتخابية، جاء القرار من الحكومة بمنع المرشحين جميعهم، ذكورا وإناثا، من استخدام صورهم في الحملة الانتخابية.. مشيرا إلى أنه لم يسمح للمرشحين بإجراء المقابلات، وبررت الحكومة قرارها بأن مثل تلك المقابلات ستكون لصالح المرشحين، الذين لديهم علاقات مع الإعلام.
وتقول الصحيفة إن بعض المرشحين أقاموا أنشطة خلال حملاتهم الانتخابية، ولكن لأن النساء لا يمكن لهن مقابلة الناخبين الذكور وجها لوجه، فقد تحدثن عبر المايكروفونات من غرف مخصصة للنساء، حيث يجلس الرجال في غرف خاصة بهم.
ويكشف التقرير عن أنه تم رفض ترشح لجين الهذلول، التي سجنت بسبب قيادتها سيارة، ولكنها استأنفت وسمح لها بالترشح بعد ذلك. وغردت بعد ذلك على "تويتر" بالإنجليزية قائلة: "تم قبول استئنافي، وعدت في قائمة المرشحين".
ويبين هبارد أن قليلا من المرشحين من اشتكى بسبب القواعد التي حكمت الانتخابات؛ لأنهم معتادون على القوانين الصارمة المتعلقة بالفصل بين الجنسين. وقالت رند بارجاء المرشحة في الرياض: "الشخص أهم من مظهره"، ودعمت حملتها، كغيرها من المرشحين، بحملة على مواقع التواصل الاجتماعي. وأضافت أن استفتاء على الإنترنت جعلها تقرر ما هي الأولويات: مركز ثقافي للشباب، ورعاية الأطفال للأمهات العاملات، ورخص لعربات بيع الطعام والمشروبات. وشددت على أن النساء يمكنهن أن يخدمن مجتمعهن بالكفاءة ذاتها، إن لم يكن أحسن من الرجال.
وتقول بارجاء: "تركز المرأة في العادة على التفاصيل، وهي حريصة على الاختيار والمتابعة، حتى يتم إكمال الأمور، ونظن أن ذلك سيكون لصالح البلد".
وتذكر الصحيفة أن عدد الناخبين كان قليلا، وكان ذلك جليا خلال زيارة نظمتها وزارة الإعلام السعودية للصحافيين لإحدى محطات الاقتراع في الرياض، حيث كان عدد الصحافيين وموظفي الانتخابات أكثر من الناخبين. فمن جانب الرجال جاء حوالي سبعة مصوتين خلال 35 دقيقة، أحدهم يتبعه ثمانية مصورين صحافيين وكاميرا تلفزيون. ومر على المحطة أحد المرشحين، هو عبدالله الحربي، وهو ضابط متقاعد، ويريد خدمة مجتمعه، وقال إنه لا مانع لديه من العمل مع زميلات منتخبات، ما دام يتم العمل "في حدود الشريعة الإسلامية".
ويكشف التقرير عن أنه مع منتصف المساء، فإنه لم يزر محطة تصويت خاصة بالنساء في شمال الرياض سوى عدة عشرات، بحسب موظفة انتخابات هناك، وتواجدت أربع سيارات شرطة خارج المحطة، وكانت تصل النساء بعباءاتهن السوداء للإدلاء بأصواتهن.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن وجود صالح (ربة بيت عمرها 27 عاما) تقول إنها سعيدة بأنها ستصوت، مستدركة بأنها لن تعطي صوتها لامرأة، لأنها تشك في أن لديهن الخبرة الضرورية، وتضيف: "أنا أعرف الرجل ولا أعرف المرأة، ولن أصوت لشخص لا أعرفه".