نعم بات للسيسي الذي خان العهود، عهد وعصر، وأوان وزمان. وأهم العهود قسمه ليس على الدستور، وإنما يمينه (بالله تاني) بأنه ليس له طمع في أي حاجة، أي حاجة يعني كل حاجة؟ كم من أحمق مطاع في هذه الأمة.
وصار له أوليات مثل أوليات عمر رضي الله عنه، فاروق هذه الأمة، فالسيسي أيضا فاروق كما نرى. وأوليات عمر الشهيرة كثيرة، هذه بعضها: أنه كان أول من عسّ في عمله في المدينة، وأول من حمل الدرة، وأدّب بها. وأول من اتخذ دار الدقيق، فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يحتاج إليه، يعين به المنقطع، والضيف. ووضع في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به، ويحمله من ماء إلى ماء. وهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه، وأدخل فيه دار العباس. وأول من ألقى الحصا في مسجد رسول الله، وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم نفضوا أيديهم. وأول من قيل له "أمير المؤمنين" من الخلفاء، وأول من أرّخ وختم على الطين. وأول من وضع العشر في الإسلام، وهو أول من جمع على التراويح في شهر رمضان. وهو أول من عرف العرفاء. وأول من أخذ زكاة الخيل. وأول من جلد في حد الخمر ثمانين، بقول عبدالرحمن بن عوف. وهو أول من جهر بالتسليم..
السيسي أول من ضرب شعبه بالأباتشي، وأول من هدم سيناء منازل ومساجد، وأول من أغلق المصليات الصغيرة، مع أن الأرض كلها جعلت للمسلمين مسجدا، وأول من ضرب الإيدز والكبد الوبائي والإرهاب بـ"الكفتة"، وأول من تحرش بمذيعة مزة، وأول من جهر بضرورة أن يرعوي مليار وحاجة لتهدئة ستة مليارات.. ما يصحش كده.
لا أعرف ما هي مشاعر المشير الذي يضيء مصر بنور عينيه، وهو يأخذ الصور بجانب النافذة في الطائرة، أو بجانب فاتن حمامة، فهو أول من جعل جملته الأثيرة: "خلوا بالكو"، شهيرة مثل جملة قس بن ساعدة الإيادي: أما بعد. وما هي مشاعره وهو يرى الكونغرس الأمريكي يناقش وضع مصر، وكأنها ولاية أمريكية، وكنا نحسبها ولاية إماراتية حينا، وحينا صومالية.. وكان للجلسة المفتوحة في يوم الأربعاء الماضي عنوان غريب تضمن اسم مرسي، وهو "مصر بعد عامين على رحيل مرسي". وكانت الجزيرة تذكر اسم النائب الأمريكي إذا ما أشار إلى تدهور حقوق الإنسان في مصر، أما إذا أثنى على السيسي وشجاعته وبأسه ضد الإرهاب، فتغضي وتصفح، لهذا لم أعرف اسم النائب الأمريكي الذي مدح عبد الفتاح شوارزينغر، منصف الأقليات التي ظلمها مرسي في دستوره، دستور يناير، وزارها في معابدها، ووضع دستورا زي البسبوسة، وأنقذ مصر من الحرب الأهلية، وقاد ثورة مليارية، فاستحق العضو الأمريكي اسم: أحمد ناعوت موسى.
لي صديق على الفيسبوك اسمه الدانوب الأزرق، يسألني بين الحين والآخر رأيي في أهم الأحداث، وكأني كاهنة بني سعد، ويكاد يعيرني بضلال بصيرتي: ألم تقل لي إنه ساقط؟ فقلت: وهل رأيت أسقط منه؟ إنه ساقط يا عزيزي أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا وسياحيا، ولكنه يعيش بحول الرز، وقوة حبل أمريكا، وتذكرت قصة كاهن هندي بثت الأخبار قصته السحرية العجيبة، فهو يعيش منذ ستة أشهر على الماء وحده، ثم برز عالم وفسّر لغز الماء، فهو منقوع الرز، فعرفنا معجزة أخرى من معجزات الرز، وهي العيش بالرمق الأخير.
فليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، إذ يمكن أن يعيش بالرز، أو بمنقوعه. لكني أشهد بالله أيها الدانوب الأزرق أن مصر السيسي شهدت حرية إعلامية لم تشهدها مصر حتى في عهد مرسي الذي يوصف بأنه الفريد منذ عهد أخناتون، فادّكر الدانوب الأزرق، وفكر وقدر، وقال أتهزأ بي؟ لا يا أخا الفيس بوك، والذي خلق الخلق، وبرأ النسمة في عهد السيسي حرية إعلامية في الحرب على الإسلام، قرآنا، وسنة، وتاريخا، لم يتجرأ أبو جهل وأخو أخته في الأرض على شنّها، فإبراهيم عيسى "يهزأ من آيات القرآن الكريم، ويكاد يلحنها، ويتهم الصحابة بالتحرش الجنسي بأمهات المؤمنين، ويلمح إلى أنّ التحرش وفد إلى مصر مع "الغازي" عمرو بن العاص"، وصار البحيري مجددا للإسلام مع الفاضلات إياهن، والبخاري بات مطلوبا حيا أو ميتا، والراقصة سما المصري أشهر داعية مع إلهام شاهين ويسرا، فقنت صاحبي وفهم العبارة، وسأل: هل يمكن أن تشرح لي سبب سكوت شيخ الأزهر عن الإسلام؟ فقلت له: بابا الأزهر يقف مع المسيئين متبعا قوله تعالى: "وَأَحْسِنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". عبد الناس البقر والعجول، وكثيرا من البهائم، لكن عبادة القرد السعدان جديدة في بلادنا، فسأل الدانوب النيلي عن صمت مفتي مصر، فهو مفتٍ منتخب ثوريا، وشارك في انتخابه جلّ علماء الأمة، وبينهم القرضاوي والشيخ عبد الرحمن البر، فهل تفسر لي سبب هذا الإحسان يا مولاي؟
فقلت: لا حصانة لأحد من الفتنة أيها الدانوب الأزرق، ولو وضعت شعبولا مكان المفتي لما وجدت فرقا، وحسبك أنك مرتاح من بأس إثيوبيا وسدها أيها الدانوب، المشكلة أن الناس في بلادنا على دين ملوكهم، والملوك على دين شعوبهم في الغرب، مع استثناءات هنا وهناك.
كما تعرف أن فضيلة مفتي الديار المصرية اغتصب مقالات من ينسب إليه أبوة الإرهاب الفكري، وهو سيد قطب، ونسبها لنفسه مرتين، ولم تقيد حتى ضد مجهول، فقد وضعت الدولة يدها على أموال الإخوان و... مقالاتهم أيضا! العالم مصاب بعمى المذابح. سرقة مقال رجل ميت لا يقدر الدفاع عن نفسه أمر، وبيع النيل واستثمار نساء مصر مقابل خمسين ألف جنيه لصالح شهادات الاستثمار الربوية، وليس لها أو لولي أمرها، أمر آخر.
وها هو صاحب قناة الفراعين المهرجة ينوي افتتاح قناة جديدة هي قناة البرلمان كوميدي، هل رأيت حرية إعلامية مثل هذه في علوم الأولين والآخرين؟ ولعلمك هذه الحرية لا مثيل لها، ويظهر فيها الإعلاميون المخبرون وفي أيديهم الجزم والصرم، وهم يشتمون دين الأمة ورجالها وأمهات رجالها، ورأيت تحولا لساستها الكبار أمثال حمدين صباحي وعمرو حمزاوي، وأبو الفتوح إلى كتابة ما يشبه المقالات الغرامية، التي تطالب في أقصى حدودها ببرنامج ما يطلبه الجمهور من انتخابات رئاسية؟
قال الدانوب الأزرق: أعرف كثيرا من أوليات السيسي، وراح يعد: أول رئيس منولوجست غنى وهو يخطب عندما قال لشعبه الثاني: "إنتو الأمل كلو"، فنافس أم كلثوم، وأول من أطلق يد العدالة المغلولة، التي كانت مطلقة أصلا، وأول رئيس جمع بين منصبي مهرج الرئيس والرئيس، ويقال إنه الثاني بعد معمر القذافي، وأول من قصب قناة السويس، وجعلها أمشاجا، وقسمها مثل شعبه إلى شعبين، فجدد الإسلام وقناة السويس، وأول رئيس فرعون مصري يلبس جاكتة حمراء في عيد بوتين السعيد، وأول رئيس مهذب يقف بين يدي رؤسائه في العالم الأول كما كنا نقف في الستينيات بين يدي معلمينا، وأول من وضع لنور عينيه نظارات سوداء خوفا من قتل الناس عشقا.. وأول من احتضن مصر، فالوطن حضن، وقال لشعبه: "ح تاكلوا مصر يعني"، وأول من رفع نسبة الانتحار في اقتصاد الموت السياسي.. فقاطعته، وقلت: أولياته لا تعد ولا تحصى، وهو ليس كنزا استراتيجيا، وإنما هو عفريت الغرب الأسمر في مصباح مصر السحري. فعرش مصر قنديل أو... قمقم.
فقال الدانوب الأزرق: تحكّ القنديل، وتقول: افتح يا سيسي، فيطلع.. مسافة السكة.
قبل كل شيء، لازم تاخد بوسة من العفريت الجذاب بمناسبة مهرجان البوسة.