في
اليوم العالمي للغة
العربية (18 ديسمبر).. سيكون علينا أن نصرخ بأعالي الأصوات منذرين أن لغتنا العظيمة في خطر.. تقول حقائق التاريخ إنه إذا تعرضت الأمة للهجوم على لغتها.. فهي إذن تتعرض للهجوم على كيانها.. فاللغة هي بيت الكينونة كما قال (هايدجر) الفيلسوف الألماني الشهير.
هذه حقيقة من
الحقائق الحضارية الهامة لأن
اللغة ليست الألفاظ والجمل ولكنها أعمق مكون فى تكوين الأمة وحجرالزاوية فى بنائها الفكرى الثقافى والعلمى والحضارى وهى مركز الدائرة فى وجودها.
وحينما يتعرض أى مجتمع للغزو والاحتلال الذى يورث الهيمنة على مقدراتة واختراق خصوصياتة نجد أن أول آثار ذلك كله يكون فى الهوية والثقافة والفكر والأدب والفن.. وقد مثلت فرنسا نموذجا لذلك فى كل الأماكن التى احتلتها.. والاحتلال الفرنسى كما يقول د. حسين مؤنس أقذر احتلال لأنه لا يكتفى باحتلال الأرض والثروات فقط بل يحتل العقول والأفكار.
والمغرب العربى والدول الأفريقية تمثل حالة كاملة لهذا النموذج القبيح.. على الرغم من أن فرنسا تعتبر المس بسلامة اللغة الفرنسية انتهاكا للقانون وعدوانا على السيادة الوطنية لأنه بضياع اللغة تضعف مكونات الكيان القومى والوطنى.
لذلك يعتبر البعض اللغة القومية قضية تمس (الأمن الحضارى) وتمس السيادة والاستقرار الاجتماعى والوطنى.. كل الدول الأوروبية تحمى لغتها بالقانون.. وتعتبر أن انتشار لغاتها توسيع لنفوذها السياسى والاقتصادى وتنفق على ذلك أموالا كثيرة.
مجمع اللغة العربية_القاهرة_ تأسس سنه 1934.. للحفاظ على اللغة العربية ومواكبة التطور العلمى الذى استحدث اشياء ما كانت اللغة تعرفها من قبل، وأيضا لمواجهة موجة غريبة كانت منتشرة وقتها لإلغاء الفصحى واستخدام العامية مكانها فى الكتابة والتعليم..
والغريب أن هذه الدعوه الهدامة كان لها أنصار قد نفهم دوافع بعضهم كسلامة موسى ويعقوب صروف وفارس نمر ولويس عوض الذى ألف كتابا كاملا بالعامية (مذكرات طالب بعثة )لكنك تتعجب من أسماء مثل احمد لطفى السيد ومحمد فريد ابو حديد ومحمود تيموركيف كانوا يشايعون دعوة غريبة كتلك الدعوة... على أنهم تراجعوا ولم يلبثوا طويلا..
إذ كان أمامهم فيها العقاد وشاكر وشوقى وحافظ الذي ألف قصيدة جميلة تعتب فيها اللغة العربي على قومها(رجعت لنفسى فاتهمت حياتى) والتى تتضمن البيت الجميل الذى يحفظه معظمنا من مقدمة برنامج لغتنا الجميلة للشاعر الكبير فاروق شوشه بصوت الإذاعية القديرة نادية صالح:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن ** فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
مجمع اللغة العربية لا يكف عن التأكيد على دور الإعلام العربى فى التزام اللغة العربية الصحيحة وعدم إفساح المجال للعاميات التى تؤدى إلى تفكيك المجتمعات العربية وإضعاف اللغة العربية التى تمثل الرابطة القومية بين هذه المجتمعات والعمل المشترك للقضاء على التلوث اللغوى المنتشر حولنا..
الطريف والمدهش أن هناك قانونا صدر عام 1958(يمنع ويحرم كتابه أسماء المحال والمتاجر والمنشأت التعليمية والسياحية والتجارية ومرافق الدولة والقطاع الخاص بلغة أوحروف أجنبية ويفرض كتابتها باللغة العربية فإذا كانت موجهة للأجانب كتبت هذه التسميات بلغة أجنبية أصغرحجما تحت الكتابة العربية) مجمع اللغة العربية لا يكف عن المطالبة بتفعيل هذا القانون ولا مجيب...
في الثمانينيات د. أحمد جويلى وقت أن كان وزيرا للتموين فى مصر أعلن أنه سيبدأ فى تطبيق القانون على المحلات وفى الإعلانات التجارية.. إلا أننا فوجئنا بخروجه من الوزارة وقيل أن هذا الأمر كان سبب خروجه... وأصحاب (محلات التنوير) سيقولون أنها دعوة لأسلمة المجتمع وأن الدولة تستغل الدين.. هم لا تعنيهم الدولة وقوتها فى تطبيق القانون (قانون 1958) أو غيره من القوانين ولا تعنيهم أية قوانين على الإطلاق هم فقط معنيون بالأساس بإبعاد أى إشراقة (للإسلام) على واقع الحياة.
المجمع فى إحدى المؤتمرات الأخيرة طالب (بالتصدى بكل قوة وحزم للدعوات المشبوهة بنشر ما يسمى باللغة المصرية العامية فى وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وكذلك من خلال شبكة المعلومات الدولية والسينما والمسرح..) أكد المجمع أيضا أنه على أتم استعداد للمشاركة فى برامج التدريب المقترحة للعاملين فى الإعلام.. وشدد المجمع على ضرورة الاحتفاء بيوم اللغة العربية وأن يكون مقرونا بالعمل على مناصرتها والحفاظ عليها والتوعية بما تواجهه من تحديات.