"الأسرى حولوا الجدران إلى جداريات، رسموا خلالها الأمل وحب الحياة، هذا ما استهل به الأسير المحرر الصحفي أمين أبو وردة حالة حب الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي للحياة، وما يتمتعون به من مهارات متنوعة.
ويسرد أبو وردة صورا لهذه الحالات في حديثه لـ"عربي21"، منهم الأسير معتز رمضان (22 عاما) من بلدة تل جنوب غرب نابلس، والذي يجلس مساء كل يوم على طاولة بلاستيكية متواضعة تتوسط غرفة السجن الإسرائيلي الذي يقبع فيه، يخط رسومات متنوعة، لإيصالها لأحبائه وذويه، يقول رمضان: "لم أمارس الرسم قبل الاعتقال لكن حياة الأسر والقيد فتحت موهبتي المكبوتة فأصبحت ملاذا للأسرى لإعداد الرسومات لهم.
يطغى على رسومات الأسير رمضان المعتقل منذ 29-8-2015 وهو الاعتقال الأول له ولأسرته المنحى العاطفي من الوردة الحمراء وقلوب الحب وحمامة الحرية وقضبان الأسر وأشكال الرسائل.
فنون الأسير معاذ عبيد من بلدة العيسوية من نواحي القدس والمعتقل منذ 15-3-2015 تعددت بين إتقان فن النحت بالزيتون وبقايا الأفوكادو، لينتج منها قطع خلابة تصبح هدايا للوالدين والإخوة والأصدقاء ويتم إرسالها عبر الأسرى المحررين.
ويعد عبيد معلما في حياكة الملابس باستخدام إبر الخياطة التي تصنع محليا، سابقا، وأخيرا سمح بادخال إبر عبر الكانتينا حيث يقوم بترتيب الملابس حسب الطلب.
الأسير حادث علان (20 عاما) من بلدة قريوت جنوب نابلس والمعتقل منذ 16-3-2015 أبدع في جوانب عديدة من إعداد أصناف من الحلويات، أبرزها الكنافة والقطايف والعوامة ناهيك عن إشرافه على إعداد وجبات الطعام الشهية من المنسف والمقلوبة والشاورما.
لا يتوقف العطاء عند علان عند المأكولات الشهية فتجده في ساعات النهار يستغل فترة الراحة لإعداد منتجات ذات أشكال لافتة فحول طابات تنس الطاولة إلى زخارف بألوان زاهية عبر رسومات يخطها عليها، إضافة إلى الكتابة على كاسات الشاي البيضاء.
خلال أيام الأسبوع تتعرض الغرف داخل القسم لأعمال تفتيش من قبل السجانين ما يجعل المقتنيات التي يعثرون عليها ملفتة لهم ولسان حالهم: كيف لهؤلاء رغم ما يعيشون من كبت وحرمان أن يتولد عندهم الإبداع والمواهب من مقدرات وإمكانات بسيطة؟
عندما تقع ناظريك على رسومات الأسير إبراهيم شواهنة من بلدة كفر ثلث شرقي قلقيلية والمعتقل منذ 31-1-2015 تبرز فيها اختلاط المشاعر العاطفية بالروح الوطنية ما جعلها سببا في مصادرتها أحيانا من السجانين وتمزيقها بحجة أنها تحريضية.
طفلة شواهنة "حوراء" حصلت على نصيب الأسد من الرسومات التي وصلتها وكانت في غاية السعادة بها وخاصة رسمة بطة في الماء تحلم بالحرية، وكانت رسومات "مجاهد" جاهزة حتى قبل ميلاده كما يقول شواهنة حيث اعتقل وزوجته حامل ويتوقع أن يكون ميلاد طفله هذا الأسبوع.
تحف بأشكال مختلفة يتداولها الأسرى مع ذويهم ابتكرتها عقليتهم من خلال قطع الصابون التي يشترونها من الكانتينا حيث تصبح تحف ملونة ومزركشة وعليها عبارات حب وعاطفة للأحبة خارج أسوار السجن.
وقد سجل الإبداع فيها بقسم (2) بسجن مجدو للأسير حسن عليان من مخيم الفارعة شمال شرق نابلس والذي أطلق سراحه أواخر شهر تشرين الثاني 2015، بعد أن أنهى حكمه بالسجن 18 شهرا، وبإطلاق سراحه يبقى شقيق له بالأسر، فيما أفرج عن شقيق آخر له قبل بضعة أشهر.
ويقول الحقوقي إبراهيم الطيب عامر من بلدة كفر قليل وهو محام، إن الأسر رغم أنه يسلب الأسير الإرادة لكنه لا يمنعه من إظهار ذاته وكينونته عبر الإبداع والتفنن باستخدام إمكانات بسيطة وأولية.
ويتفق معه زميله بالأسر مصطفى شتات من بلدة بديا والحاصل على ماجستر حقوق بالقول إن حرمان الأسير من المواد المتعلقة بالرسم والنحت زيادة في الحقوق ومحاولة لقتل إرادة الأسير وسحق إبداعه. الأثر الذي تتركه تلك الهدايا سواء الرسوم أم الزخارف أم التحف كبير بين الأهل والأقارب والأصدقاء ويلقي صداه عبر أثير الإذاعات التي تبث برامج للتواصل بين الأسرى وأهاليهم.
الطفل جهاد سقف الحيط وجه كلاما لوالده يشكره فيه على الهدايا التي أرسلها مع زميل أفرج عنه من الأسر، كما أرسلت خطيبة الأسير علاء حمايل كلمات شكر له على الهدية التي أرسلها إليها وهي رسمة رائعة.
ويختم أبو وردة حديثه بأن منتوجات الأسرى غالبا ما تجد طريقها للعرض في متاحف ومعارض لمنتجات الأسرى على مدار أكثر من 40 عاما منذ نشوء حركة السجون، وتستقطب اهتمام الزائرين والباحثين الذين يرصدون الحالة الاعتقالية الفلسطينية وتلك المنتجات ومخرجات أيادي الأسرى.