بحكم موقعه الجغرافي، يعد ريف
حماة من أكثر المناطق تعرضا للحصار في الشمال السوري، فهو آخر نقطة محررة فيه، ويحده من الجنوب قوات النظام المتمركزة على طريق حماة في جبل زين العابدين وقرية صوران، ومن الغرب الريف الموالي للنظام، كما يعد الريف الحموي أبعد المناطق المحررة عن الحدود التركية التي أصبحت تشكل المنفذ الوحيد للإغاثة العابرة إلى الشمال السوري.
ويشكل ريف حماة الحد الفاصل بين المناطق المحررة والمنطقة الوسطى، فهو خط الجبهة الأولى مع قوات النظام التي تتمركز فيها، وينال الحصة الأكبر من القصف، وتدور على أطرافه أقوى المعارك، ورغم كل ذلك تعاني قراه من شح الدعم والحصار وضعف الإمداد العسكري من الداعمين للفصائل السورية.
ويقول أبو أحمد، أحد سكان بلدة
كفرزيتا: "في كل الحروب تكون خطوط الجبهات هي المناطق الأكثر دعما، والأكثر تحصينا فهي منطقة التماس مع العدو، وصمام أمان كل ما وراءها من المناطق المحررة؛ إلا في ريف حماة فالأمر معكوس"، بحسب قوله لـ"
عربي21".
ويضيف أبو أحمد؛ الذي رفض الخروج من بلدة كفرزيتا رغم كل ما عانته من
الحصار والقصف والدمار: "لم يبق في كفرزيتا أحد من السكان، فأغلبهم نزحوا إلى المخيمات على الحدود التركية، أو توزعوا بين ريف إدلب والقرى المجاورة بسبب الأوضاع السيئة، فلا ماء ولا كهرباء ولا وقود، ولا تتوفر حتى أدنى أساسيات الحياة".
ويعزو أبو محمد من جهته؛ تدهور الأوضاع إلى المعارك التي تدور على طريق حماة بعد سيطرة على الثوار على بلدة
مورك الاستراتيجية، فقد أضعف ذلك حركة القادمين من حماة نحو الريف، حيث كانوا يجلبون معهم بعض الوقود عبر ملء خزانات سياراتهم وإفراغها في القرى، إضافة إلى بعض المواد المهربة التي كانت تساهم في سد رمق السكان إلى حد ما، بحسب ما قاله في حديثه مع "
عربي21".
ويقدر ناشطون في مجال الإحصاء عدد النازحين من بلدات ريف حماة بـ300 ألف شخص نزحوا من كفرزيتا واللطامنة وكفرنبودة وتجمع الزوار، وما حول هذه البلدات. وتعد مناطق ريف حماة بمجملها مناطق زراعية يعيش سكانها من محاصيلها؛ لكن مع المعارك التي تدور في المنطقة، وتمركز قوات النظام حول القرى عمدت الأخيرة إلى إحراق الكثير من الأراضي، بينما أصبح قناصة النظام يطلون على أراض أخرى ويمنعون أصحابها من العمل، كما هو الحال في أراضي بلدة مورك التي كانت تزرع الفستق الحلبي قبل الثورة، واليوم انهار أكثر من نصفها بسبب المعارك الدائرة في المنطقة، وكذلك حال أغلب أراضي بلدة كفرزيتا.
أما سامي المحمد الذي يعيش مع عائلته في بلدة اللطامنة؛ فقد انتقل إلى نموذج آخر من الحياة يسميها "الحياة الحربية"، فهو يعيش مع زوجته وأولاده الذين يقاتلون في صفوف الثوار على خط الجبهة ضد قوات النظام، ويعمل في مطبخ ميداني يؤمن الطعام للمقاتلين الذين يرابطون على جبهات البلدة، بينما تعمل زوجته ممرضة في أحد المشافي الميدانية قرب خطوط الجبهة.
ويشرح سامي لـ"
عربي21" عن طبيعة الحياة هناك قائلا: "بعد أن وصلت المنطقة إلى هذه الحالة الصعبة لم يعد أمامنا طريقة للعيش سوى من خلال العمل في الثورة، فاخترنا العيش هنا رغم صعوبته على حياة النزوح".
ووفقا لسامي، فإن الحياة في بلدته أصبحت تفتقد لكل شيء، فقد توقفت المخابز فيها عن العمل بعد نقص الوقود، وأصبح الناس يشترون الخبز من ريف إدلب ويخزنونه لأيام، أما من لا يملك وسيلة للوصول إلى ريف إدلب فيشتري من السيارات التي تجلب الخبز من هناك وتبيعه بسعر أغلى.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني المنطقة من شح كبير في الوقود، فيضطر الناس لشراء الوقود المكرر الذي يتم جلبه من مناطق الشرق السوري وهو وقود ذو جودة منخفضة جدا، ولا يمكن استعماله للسيارات، فيستخدمه الناس للأغراض المعيشية كالتدفئة والحمامات.