خفّض سياسيون ومحللون من سقف التوقعات بشأن نتائج القضية المعروفة إعلاميا بـ"
فساد قيادات وزارة
الداخلية" في
مصر؛ حيث رفضت تلك القيادات رد مئات ملايين الجنيهات التي حصلت عليها تحت مسمى "حافز مواجهة المخاطر الأمنية"، على عكس ما رددته الصحف من قيام هؤلاء بسداد تلك المبالغ.
ورأى معلقون تحدثوا لـ"عربي21" أن طرح هذه القضية لا يخرج عن كونه محاولة النظام في مصر لإلهاء الرأي العام، ولعب دور محارب الفساد، وتصفية بعض الحسابات، والتلويح بأوراق ضغط في وجه الحلفاء والمؤيدين لوضع حد لأي طموحات شخصية، كما أنه يأتي في إطار تبادل الضربات بين بعض أجهزة الدولة.
اقرأ أيضا:
قيادات الأمن بمصر نهبت الأموال ورفضت إعادتها (فيديو)
تصفية حسابات
وقال رئيس الحزب الاشتراكي المصري، أحمد بهاء الدين شعبان، إن القضية "لا تمثل سياسة دائمة في مواجهة نظام مبارك". وأضاف لـ"عربي21": "على العكس، فأجزاء كثيرة من نظام مبارك تصدرت المشهد مجددا، وإذا نظرنا للبرلمان سنرى أن نظام مبارك حاضر بقوة".
واعتبر أن الأمر برمته "ربما لامتصاص غضب الجماهير، أو الإيحاء بأن هناك موقفا من الفساد، ولكني أراه أعمق بكثير من تقديم وزير الداخلية الأسبق وعدد من قيادات الوزارة للمحاكمة"، وفق تقديره.
وأضاف: "في العامين الماضيين بدا واضحا أنه ليس هناك نية حقيقة لوضع حدا لفساد نظام مبارك واستبداده، بل إن الممارسات الحالية هي إعادة إنتاج لسلوك نظام مبارك"، مشددا على أنه "يجب أن تفهم القضية في سياق تصفية الحسابات من حين لآخر، عندما يحتاج الأمر نوعا من هذا السلوك".
صراع وإلهاء
بدوره، أكد المحامي بالنقض وأستاذ القانون الدولي، سيد أبو الخير، أن "قضية فساد قيادات الداخلية نقطة في بحر من الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة"، مضيفا لـ"عربي21": "الهدف منها إيصال رسالة للشعب أن النظام يحارب الفساد، على غير الحقيقة".
وتابع قائلا: "لا يمكن للواء شرطة أن يحصل على 37 مليون جنيه دفعة واحدة، إنها حصيلة سنوات طويلة، ما يعني أنه يفسد منذ سنين وليس فجأة"، لافتا إلى أن "الفساد موجود منذ 1952، أي بعد أن حكم العسكر، ومنذ ذلك الوقت تراكم الفساد وترسب في جميع أجهزة الدولة"، وفق قوله.
ولم يستبعد أبو الخير أن تكون القضية في إطار "ما بات يعرف بصراع الأجهزة السيادية، خاصة بعد ارتفاع نبرة تسلط الجيش على مقدرات الدولة، واستحواذه على الاقتصاد"، مضيفا: "إنها محاولة لإلهاء الرأي العام عن العديد من القضايا، مثل سد النهضة الإثيوبي. ورغم وجود قائد الانقلاب (السيسي) هناك، إلا أنه لم يتطرق للقضية بكلمة".
الأجنحة متصالحة
أما الصحفي والمحلل السياسي، محمد الخطيب، فأكد أن الفساد في مصر "هو سلوك ممنهج في قطاعات كثيرة من الدولة، بما فيها التموين والصحة والتعليم، وليس الداخلية فقط".
وقال لـ"عربي21": "الفاسدون هم من انقلبوا على النظام السابق (محمد مرسي)؛ لأنه كان يمثل خطورة عليهم، والأنظمة الفاشية تحصن نفسها بالفاسدين الذين بدورهم يعنيهم بقوة الحفاظ على النظام"، بحسب تعبيره.
وأضاف: "تضارب الأخبار بشأن طبيعة القضية، وتصالح تلك القيادات مع الدولة، ومدى التزامهم بذلك من عدمه، لا يعني سوى شيء واحد، وهو أنهم أمنوا أي تحرك ضدهم"، مستهجنا في الوقت نفسه "وجود قانون تصالح يبرئ المفسدين، فالتصالح يدين النظام؛ لأنه نوع من حماية المدافعين عن الفساد".
ورأى أن القضية تأتي في إطار "تلاعب النظام مع نفسه بعد أن خلت له الساحة منفردا، واستعراض قوى أمام الحلفاء بأنه يمكنه فتح هذا الملف أو ذاك وقتما شاء".
وقال إن "الأجنحة في الدولة متصالحة؛ لأنهم جميعا مستفيدون، ولكن في نهاية المطاف لا بد أن نصل لمرحلة الصراع عندما تظهر أطراف غير مستفيدة".
مكايدة سياسية
في المقابل، ذهب اللواء محي الدين نوح، الخبير العسكري، إلى أن الأمر برمته "مجرد زوبعة في فنجان". وقال لـ"عربي21": "لا يخرج الأمر عن كونه "مكايدة سياسية؛ بسبب دور وزارة الداخلية في تأمين الاحتفال بذكرى 25 يناير الخامسة، وإحباط محاولات إحيائها، وإثارة الشغب فيها"، على حد قوله.
وانتقد من يطلق مثل تلك المعلومات "التي لا أساس لها من الصحة؛ (وهي) مردود عليها بأنها أموال صرفت في نواح أمنية، ولم تصرف بصفة مكافآت"، داعيا "من لديه الدليل المادي أن يتقدم به للقضاء، الذي سبق أن أكد أنه لا وجه لإقامة الدعوى بحق تلك القيادات".
ولفت إلى أن "صراع الأجهزة موجود طوال الوقت في إطار صراع المصالح، ومنذ آلاف السنين، ولن ينتهي"، مؤكدا أن مثل تلك "المناوشات والصراعات تسيء للمجتمع كله، ويساء فهمها"، وقال إن "الحفاظ على النظام هو الحفاظ على المجتمع".