يتساءل تقرير نشره معهد واشنطن للدراسات عن تداعيات تخلي
السعودية عن التزاماتها تجاه
لبنان.
ويقول التقرير الذي أعده مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، ديفيد شينكر، إن انعكاس الإجراءات السعودية الأخيرة تجاه لبنان سيؤدي إلى اختلال الأوضاع في بلد تحكمه الطائفية.
ورغم أن التقرير يقلل من أهمية سحب الودائع السعودية من مصرف لبنان المركزي، فالودائع الخليجية هناك تبلغ أقل من مليار دولار، أو ما يعادل 2 في المائة تقريبا من الاحتياطيات الأجنبية في بيروت.
كما أن التقرير يقلل كذلك من أهمية إلغاء
المنحة المقدرة بـ(3) مليارات دولار للجيش اللبناني، فليس من الواضح ،حسب التقرير، أن "الجيش اللبناني" كان بحاجة حقا إلى الأسلحة الأخرى الملغاة، مثل أنظمة الدفاع الجوي وثلاثة زوارق عسكرية للدوريات و24 مدفع "قيصر" ذاتي الحركة عيار 155 ملم فرنسي الصنع.
ويكشف التقرير أن الكثير من التساؤلات وشبهات الفساد دارت حول الصفقة، إلى درجة أن بعض السياسيين اللبنانيين رحبوا سرا بإلغائها واعتبروها نعمة للجيش اللبناني.
لكن هذه الإجراءات إذا ما أضيفت إلى إجراءت خليجية وأمريكية أخرى، فإنها ستهز الوضع الاقتصادي بقوة.
فمع إصدار القانون الأمريكي الجديد "حظر التمويل الدولي عن «حزب الله» لعام 2015"، الذي يتخوف كثيرون في لبنان من أن يؤدي إلى زعزعة قطاع الخدمات المالية القوي في بلادهم. وتهدد هذه الإجراءات الأمريكية والسعودية مجتمعة، بشن عاصفة شديدة يُحتمل أن تهزّ أسس الاقتصاد اللبناني الهش أساسا.
أضف إلى ذلك فإن تحذير السعوديين من السفر إلى لبنان سيحمل تبعات حقيقية، خصوصا أن الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة سارت على خطى السعودية، ونصحت مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان. ويساهم قطاع السياحة بحوالي 7.5 في المائة من "إجمالي الناتج المحلي" اللبناني، وبلغت عائداته 3.5 مليار دولار في عام 2014. لكن هذا القطاع تضرر بشدة في السنوات الأخيرة بسبب الحرب المجاورة وقدوم حوالي 1.8 مليون لاجئ سوري إلى لبنان، حيث تراجعت الإيرادات بنسبة 10 في المائة في عام 2015 مقارنة بعام 2012. ومع ذلك، بقي لبنان الوجهة الأساسية للسياح الخليجيين في المنطقة - وقد أفاد هذا الواقع قطاع السياحة كثيرا في لبنان، إلى أن صدرت تحذيرات السفر هذا الأسبوع.
وفي الأسابيع الأخيرة، أغلق السعوديون فروع "البنك الأهلي" السعودي في بيروت، ولم يتبقَ سوى عدد قليل من فروع "البنك الوطني الكويتي" التي مازالت مفتوحة هناك. ولا شك أن مصارف أخرى ينتابها القلق من القيود المضنية التي يفرضها القانون الأمريكي الجديد، وقد يدفعها ذلك إلى إغلاق فروعها في لبنان أيضاً. فضلا عن ذلك، انتشرت إشاعات عن بيع مواطنين خليجيين أثرياء لعقاراتهم الصيفية الفخمة في حمانا وبرمانا وجونية. ويترقب الكثير من اللبنانيين الآن الضربة الجديدة - أي ترحيل السعودية وغيرها من دول الخليج لمئات الآلاف من العمال اللبنانيين المغتربين لديها. ويساهم هؤلاء العمال بخمسة مليارات دولار من الإيرادات التي تصل إلى لبنان، أو ما يعادل 70 في المائة من التحويلات المالية إلى لبنان وحوالي 11 في المائة من "إجمالي الناتج المحلي" للبلاد.
لكن ما هي التداعيات السياسية للقرارات السعودية؟ يجيب التقرير أنه على مدى عقود، كانت السعودية طرفا مهما في السياسية اللبنانية، وذلك أساسا كثقل موازن لإيران و «حزب الله». وعلى الرغم من أنها قد خفضت دعمها لحلفائها المحليين السُّنّة في السنوات الأخيرة، لا سيما رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المنتمي إلى ما يُسمى بـ "تحالف 14 آذار"، ما زالت السعودية تقيم
علاقات ممتازة على ما يبدو مع سياسيين آخرين، وبشكل خاص مع حليف الحريري المسيحي ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
ويضيف التقرير: من السابق لأوانه الحكم على تداعيات هذه الإجراءات الاقتصادية والسياسية: فهل هي إنذار سعودي للبنان لكي يتخذ حذره بصورة أكثر في علاقته مع كل من طهران والرياض، أم هي المرحلة الأولى من إعادة تموضع خليجي كامل بعيدا عن المشروع اللبناني؟ إن المسار الحالي يظهر أن السعودية تتجه نحو تخفيض دورها في لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يترك البلاد تحت رحمة إيران و«حزب الله» أكثر من أي وقت مضى.