شهدت
إيران صراعا حادا بين قطبي السياسة الإيرانية، المحافظين والإصلاحيين، في انتخابات مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى (البرلمان).
وتشير الإحصائيات الرسمية التي نشرتها وزارة الداخلية الإيرانية إلى نجاح الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بجانب الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، في انتخابات مجلس خبراء القيادة، وبهذا يسجل
الإصلاحيون عودة قوية واختراقا كبيرا داخل أهم مؤسسة يهيمن عليها الحرس الثوري وخامنئي في إيران.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، التي سجلت تقدما ونجاحا ملحوظين لقائمة مرشحي الإصلاحيين في العاصمة الإيرانية طهران، بفارق كبير على قائمة مرشحي التيار المحافظ في انتخابات مجلس خبراء القيادة والبرلمان، فإن أبرز ملامح فشل المحافظين هو خسارة بعض مرشحي
خامنئي -ومن بينهم مصباح يزدي ومهدوي كني- في مجلس خبراء القيادة.
وفي الوقت ذاته، سجل الإصلاحيون فوز 29 مرشحا من التيار الإصلاحي في انتخابات البرلمان بالعاصمة طهران من بين 30 مرشحا ضمن قائمة "الإصلاحات" الموحدة التي قدمها الإصلاحيون.
وللمفارقة، فإن المرشح الوحيد الذي لم يعلن نجاحه حتى هذه اللحظة، هو والد زوج بنت خامنئي، حداد عادل، وبحسب بعض المعلومات المسربة، فإنه خسر في معركة الانتخابات أمام الإصلاحيين.
وأعلنت وسائل إعلام إيرانية مقربة من الإصلاحيين أن هذه الانتخابات تعد أهم انتخابات تشهدها إيران بعد نجاح الثورة الإيرانية؛ بسبب تقدم الإصلاحيين فيها، ونجاح التحالف القائم بين الرئيس روحاني ورفسنجاني بدخول مجلس خبراء القيادة الذي يعين المرشد في البلاد.
من جهته، علق رفسنجاني على نتائج الانتخابات قائلا: "نحن بحاجة لوحدة وطنية في مرحلة ما بعد الانتخابات، لنرسم مستقبل إيران؛ ولذلك علينا أن ننحي خلافاتنا جانبا ونتفرغ لبناء هذا البلد".
مفاجأة وصدمة
وينظر مراقبون للشأن الإيراني إلى أن نجاح الإصلاحيين والمعتدلين في انتخابات مجلس خبراء القيادة والبرلمان شكل مفاجأة كبيرة للمحافظين، الذين ينظرون للإصلاحيين على أنهم ينفذون أجندات الغرب والأمريكان في إيران .
ويرى مراقبون بأن السياسية الخارجية الإيرانية والداخلية سوف تشهد تغييرا ملحوظا في حال نجح التيار الإصلاحي في السيطرة على البرلمان، وهذه النقطة سوف تكون محل خلاف كبير بين الحرس الثوري الإيراني والمحافظين؛ حيث صرح العديد من المحافظين بأن نجاح الإصلاحيين في الانتخابات يعد رغبة غربية للعمل على تغيير السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، بحسب تعبيرهم.
كما أن نجاح التيار الإصلاحي في الانتخابات البرلمانية الإيرانية سوف يساعد الرئيس الإيراني حسن روحاني على تمرير عدة ملفات وقرارات تخص الشأن الاقتصادي والسياسي في البلاد، بعدما كان البرلمان الإيراني الأسبق يعارض أغلب قرارات الحكومة، ومن أهمها ملف البرنامج النووي؛ بسبب هيمنة المحافظين على هذا المجلس .
يذكر أن الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي كان مهندس نجاح الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية، رغم رفض ترشيحات أغلبية مرشحي التيار من قبل مجلس صيانة الدستور؛ حيث حرص خاتمي على كسب المستقلين والشخصيات المحافظة المعتدلة إلى جانب الإصلاحيين في إيران، وعمل على دمجهم بالمرشحين المستقلين والمحافظين المعتدلين في قوائم موحدة؛ حتى يتمكن من توحيد الأصوات المختلفة وهزيمة التيار المحافظ ومرشحي الحرس الثوري الإيراني، الذين يحظون بدعم سخي من المرشد خامنئي.
ومع فوزهم في الانتخابات، فإن الإصلاحيين لا يستطيعون التدخل في رسم السياسة الخارجية الإيرانية، خصوصا في الملفات المتعلقة بسوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان؛ لوجود خامنئي على رأس السلطة في البلاد.
ولكن مراقبين للشأن الإيراني يؤكدون بأن غياب خامنئي سيضع المحافظين أمام معركة مصيرية مع الإصلاحيين الذين لا يريدون وصول أي مرشح من التيار المحافظ أو من غلاة المراجع المتشددين لحكم البلاد بعد وفاة خامنئي؛ ولهذا ستبقى الملفات الخارجية الإيرانية المرتبطة بالمنطقة العربية بيد الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق قدس؛ لأن الخطاب السياسي للإصلاحيين بقي مرتبطا حتى هذه اللحظة بمواقف المرشد خامنئي .
الإصلاحيون سيصبون اهتمامهم بعد نجاحهم في الانتخابات البرلمانية على تطبيع علاقات إيران مع أمريكا وأوروبا؛ لإكمال صفقة الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية بشكل كامل، وفقا لمراقبين.
من الجدير بالذكر، أنه وبعد إعلان نجاح روحاني ورفسنجاني في انتخابات مجلس خبراء القيادة، علق بعض الإيرانيين بالقول: "إن المرشد القادم بعد غياب خامنئي سيكون رفسنجاني؛ لأن مرشحي التيار المحافظ لا يمتلكون نفوذ الرجل وتأثيره داخل مجلس خبراء القيادة في حال غياب المرشد عن حكم البلاد".