حمّل السفير
عبدالله الأشعل، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية
المصري الأسبق للشؤون القانونية الدولية والمعاهدات والتخطيط السياسي، نظام عبدالفتاح
السيسي مسؤولية تأزم الأوضاع في مصر، "بسبب فشله في إدارة الملفات على الصعيدين الداخلي والخارجي".
ورأى في حوار خاص لـ"
عربي21"، أن إدارة المشهد في مصر برمته من قبل الأجهزة السياسية، بعيدا عن السلطات التنفيذية، والتوسع في استخدام آلة القمع، والاعتماد على أحزاب بهلوانية، وإقصاء الجميع؛ أشبه بالحفر تحت أساسات الدولة المصرية.
وفي ما يأتي نص الحوار:
* ما تقييمك للمشهد السياسي في مصر؟
- الوضع السياسي في مصر متأزم في جميع الملفات، ويحتاج إلى صراحة ووقفة أمينة من جانب النظام؛ لأن المكابرة في الموضوع سوف تعمق من خسائر مصر كثيرا، وسوف تسجَّل على النظام، ولن يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الشعب والتاريخ. وللأسف؛ لا تعترف حاشيته من المنافقين والإعلاميين الأفاقين بخطورة ما يحدث.
* ما هي وصفتك الخاصة للخروج من هذا المأزق؟
- النظام فشل في إدارة البلاد، وأؤيد الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولكن بشروط، وهي الإفراج عن جميع المعتقلين، وإطلاق سراح الحياة السياسية بكل حرية للجميع، وتهيئة الظروف لانتخابات حرة ونزيهة، وأن يكون المواطن حرا وآمنا على نفسه، وأن يفتح باب الترشح أمام الجميع بوضع ضوابط للمرشحين بحيث لا نكرر أخطاء الماضي.
ولكني أرى أن الشعب المصري لم يعد يثق في صناديق الانتخاب، وعلى النظام أن يقر بالفشل، ويطلب مساعدة الآخرين في إدارة البلاد.
* كيف يدار المشهد في مصر؟
- مصر تدار بشكل أمني فج وغبي، والموقف اليوم غير الأمس.. فقبل 25 يناير كانت مصر تدار بقمع الشرطة للخصوم، ولكن بترك مساحات من الحرية، وكانت المؤسسات تتآكل بشكل تدريجي، ولكن الثورة عجلت بزوال نظام المخلوع "مبارك"، وحافظت على الدولة من التآكل والانهيار، وكان على المجلس العسكري أن يعيد بناء مصر، ويتخلص من نظام مبارك الذي يُعد المجلس جزءا منه، وهو ما لم يحدث بالطبع.
* هل تدير الجهات السيادية المشهد برمته بمعزل عن الأجهزة التنفيذية؟
- بالطبع، وهو خطأ تبعاته خطيرة. وللعلم؛ فجميع قضايا مصر بحاجة إلى قرار سياسي، بمعنى أن يكون قرارا فكريا مبنيا على عدد من الاعتبارات التي تحركها المصلحة الوطنية للدولة والشعب معا.
ما يحدث الآن هو إقصاء الخصوم، وليس مجرد تحييدهم، وللأسف لدينا آفة كبيرة، وهي التصاق النظام بالوطن، بمعنى أن أي انتقاد للنظام هو انتقاد للوطن، وخيانة عظمى. وفي النظم العربية يسقط الوطن، ويطفو النظام على جثمان الوطن.
* إذن؛ كيف تقرأ ممارسات الشرطة الوحشية؟ هل تفقد الدولة مركزيتها؟
- الذي أسقط نظام مبارك؛ هو عدم احترام جهاز الشرطة لكرامة الإنسان المصري، وازدياد حالات الفقر، وتكديس الثروة في أيدي مجموعة صغيرة، بالإضافة إلى الفساد السياسي. وأرى أن هناك مشكلة جوهرية داخل جهاز الشرطة، ولا بد أن تقوم بدورها وفق القانون، لا أن يكون دورها قمع المعارضين، وزرع الخوف، وتأمين النظام.
* هل فقدت مصر رمانة العدالة؟
- إذا كان جهاز الشرطة يلفق القضايا للمواطنين؛ فلماذا توافق النيابة ويوافق القضاء على قبولها؟ مصر فقدت رمانة العدالة بالكامل، بحيث لم يعد هناك صد للمظالم، فالقضاء هو المنوط به مواجهة مظالم الشرطة إن أخطأت، والنيابة إن تواطأت، ولكن لا يوجد غير محكمة النقض التي لا يمكن أن يعول عليها جميع المدانين.
القضاء يحتاج إلى إصلاح جذري وواسع، والناس إذا فقدت الثقة في العدالة؛ فإنها تفقد الثقة في كل شيء؛ لأنها حائط الصد الأخير للمظلومين، وملاذهم لنصرتهم، ودفع الظلم والغبن عنهم.
* ما هو تقييمك لعمل الأحزاب على الساحة السياسية؟
- مصر ليس لديها برلمان، وليس فيها أحزاب سياسية، فجميعها أحزاب كرتونية تلعب أدورا مختلفة في إطار العبث الذي نعيش فيه، فالأحزاب السياسية هي مراكب في مياه السياسة، فإذا جففت المياه؛ فكيف تجري المراكب؟
* هل تم تفريغ المشهد السياسي في مصر من الرموز والقيادات السياسية؟
- إذا بدأت الشخصية السياسية تنافق؛ فسوف تقدم مصلحة النظام على مصلحة الوطن، وبالتالي فإنه لا خير فيها، لكن الشخصيات ذات الثقل والعقل لا يستعان بها، فالنظام الحالي يريد أن يسمع نغمة واحدة "تحيا مصر"، وأي رأس غير مرغوب فيه يطل على المشهد السياسي؛ سوف يقطع بالسيف.
لا يوجد لدينا معارضة؛ فالنظام لا ولن يسمح بوجودها، وانظر إلى البرلمان، فهو أشبه ببرلمان "فتحي سرور"، برلمان (موافقون).
* وهل يمكن أن يوجد في العالم اليوم نظام بلا معارضة؟
- نعم، في مصر يوجد نظام بلا معارضة. هناك مستويان للمعارضة، الأول؛ ملاحظات على سلوك النظام يمكن أن يطرحها أنصار النظام، ولكن ذلك غير مسموح به، فما بالك بملاحظات المعارضة؟
إن هذا النظام لا يمكن أن نطلق عليه صفة "نظام"، لخلوه من المعارضة التي تعد جزءا من النظام السياسي.
ويمكن أن يقال عن النظام؛ إنه مجموعة من الأفراد لهم مصالح معينة، ويسيرون في إطاره، ولديهم رؤية خاصة بهم على قدر حاجاتهم، ولكنهم لا يصمدون أمام أي مناقشة جدية.
* ما تقييمك لدور إعلام ما بعد 30 حزيران/يونيو؟
- الإعلام يديره رجال أعمال ومصالح؛ من مصلحتهم بقاء أو عودة الوضع إلى ما قبل 25 يناير، حيث الفساد، والمحسوبية، والظلم، وغيره، وثورة 25 يناير هي الثورة الوحيدة في تاريخ مصر، ومن يشكك فيها فنحن مستعدون أن نناظره على الملأ حول معنى الثورات في التاريخ كله.
* ماذا عن الحريات في مصر؟ هل كبتها ضرورة للحفاظ على النظام؟
- لا يستطيع النظام الحالي أن يعيش بدون كبت الحريات، فهو يعتمد معادلة إما الحريات أو النظام، وما يحدث من تضييق على المعتقلين؛ هو تنكيل يقصد به إرهاب الجميع.
والنظم الديكتاتورية لا تكترث بالحريات، حيث تعتقد أنها ما دامت تمتلك الوسائل القمعية والقوة المفرطة؛ فإنها تستطيع أن تخلو بالمشهد العام بمفردها، ولكن العالم تغير، ووسائل الاتصال اختلفت، وإذا كان الناس لا يستطيعون اليوم الحديث؛ فهذا لأنهم مشحونون بطاقات من التذمر والغضب، وسيأتي يوم وتنفجر.
* في الملف الخارجي؛ كيف ترى مواقف مصر من طهران وأنقرة؟
- من الناحية الاستراتيجية؛ إيران ليست عدوا محتملا، وليس هناك تناقض في مواقف البلدين، وأعول دائما على دول الحضارات التي لها جذور.. ولا بد من فتح قناة تواصل مع تركيا.
ومواقف مصر تمليها عليها عوامل داخلية وخارجية، ولكن المؤكد هو أن مصر تسير بلا رؤية سياسية، سواء في صداقاتها أم عداواتها، وفي تحالفاتها، وما يخدم مصالحها، وإنما تعتمد على الغرائز السياسية.
* لماذا تبدو مصر مقلمة الأظافر في مسألة سد النهضة الإثيوبي؟
- هي ليست مقلمة الأظافر، وإنما لا تريد أن تستخدمها؛ لأن الإدارة فاشلة تماما، والخطر لا يزال قائما، ولن يرده إلا إدارة صحيحة، وهذا من ضمن الملفات التي يجب أن يعملوا بمساعدة الجميع على حلها اليوم قبل الغد.
ولا يجب أن ننسى أنه لا يوجد تعاطف أمريكي أو غربي مع مصر في هذه القضية، فالمشروع بدأ بمباركة إسرائيل والغرب، ومصر لا تبذل ما يكفي من الجهود لتدارك الموقف. فبالرغم من تحالف النظام مع إسرائيل؛ فإنها هي التي تدمر الجيش في سيناء، وتمول سد النهضة، وتزرع الأشواك في كل مكان.