نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الاشتباكات التي دارت يوم الاثنين الماضي بين مجموعة من
تنظيم الدولة وقوات الأمن بمدينة
بن قردان التونسية، المجاورة للحدود الليبية.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي 21"، إنّ هذه المواجهات التي خلّفت 54 قتيلا، 36 منهم من عناصر تنظيم الدولة، 11 شخصا من صفوف قوات الأمن وسبعة مدنيين، تعدّ محاولة لاحتلال مدينة بن قردان التي يسكنها قرابة 60 ألف نسمة، وهي عملية ذات دلالة رمزية.
وذكرت الصحيفة أن قوات الأمن التونسية كثّفت من جهودها؛ بهدف القضاء على منفّذي هذه العملية، ولكن الطريقة التي اعتمدها عناصر تنظيم الدولة هذه المرة من خلال انتشارهم داخل مدينة بن قردان، بدل القيام بهجمات انتحارية، أجبرت الأمن التونسي على إقامة نقاط تفتيش للبحث عن المهاجمين.
فهذه الطريقة التي استخدمها المسلحون تُعدّ جديدة تماما مقارنة مع سابقاتها، على غرار حرب العصابات في الوسط الغربي التونسي، وبالتحديد في المعاقل الجبلية، أو طريقة القتل الجماعي والعشوائي من خلال الهجمات الانتحارية، مثل الهجوم الذي استهدف متحف باردو في العاصمة يوم 18 آذار/ مارس سنة 2015، وذهب ضحيته آنذاك حوالي 22 قتيلا، من بينهم 21 سائحا أجنبيا.
ثم تتالت الهجمات التي استهدفت تونس، ولعلّ أبرزها الهجوم على منتجع ميناء القنطاوي بالقرب من مدينة سوسة الساحلية يوم 26 حزيران/ يونيو الذي ذهب ضحيته حوالي 38 سائحا أجنبيا، منهم 30 سائحا بريطانيا. وأدى التفجير الانتحاري الذي وقع في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في حافلة للحرس الجمهوري في قلب مدينة تونس إلى مقتل 13 رجل أمن.
وأضافت الصحيفة أن ّ تنظيم الدولة يسعى إلى توسيع نفوذه في تونس، ويظهر ذلك منذ أواخر سنة 2014 ومطلع سنة 2015، حيث تشهد البلاد تنافسا بين كل من تنظيم
القاعدة وتنظيم الدولة، خاصّة بعدما تمركزت الحركة المعروفة باسم كتيبة عقبة بن نافع، التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في الوسط الغربي التونسي، بالقرب من الحدود الجزائرية.
ووفق تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في صيف سنة 2015، فإنّ قرابة 5500 تونسي يتواجدون اليوم ضمن التنظيمات المصنفة في قائمة
الإرهاب، قرابة 4000 مقاتل منهم حاليا في سوريا، وما بين 1000 و1500 مقاتل تونسي يتواجدون في ليبيا. وهذه هي المفارقة في تونس، التي انطلقت فيها شرارة الثورات العربية، والتي عرفت أول انتقال ديمقراطي في العالم العربي، إلا أنها أيضا أول بلد عربي في "تصدير" المقاتلين لهذه التنظيمات.
واعتبرت الصحيفة أن من بين الأسباب التي ساهمت في توسع تنظيم الدولة هو التضييق الذي لاقاه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب على يد أجهزة الأمن. ففي أعقاب تفجير متحف باردو، شنّت السلطات التونسية حملة عنيفة ضد المقاتلين المنتمين لكتيبة عقبة بن نافع في 28 آذار/ مارس سنة 2015، ما أسفر عن مقتل زعيمها، الجزائري خالد شعيب الملقب بلقمان أبو صخر.
وقالت الصحيفة إنّ تنظيم الدولة في تونس يتغذى مباشرة من الانفلات الأمني والفوضى التي تحدث في ليبيا، حيث تعدّ مدينتا سرت وصبراتة من أهم معاقل المقاتلين التونسيين.
واعتبرت الصحيفة أن الغارة الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة، في 19 شباط/ فبراير، والتي استهدفت معسكر تدريب تابعا لتنظيم الدولة، وأدت إلى مقتل قرابة 50 عنصرا في التنظيم، أغلبهم من التونسيين، كانت وراء تغير الوضع الاستراتيجي في المنطقة.
وذكرت الصحيفة أنه بعد ملاحقة قوات فجر ليبيا لعناصر تنظيم الدولة، اضطر أعضاء هذا التنظيم إلى التراجع نحو الحدود التونسية الليبية واستهداف مدينة بن قردان الحدودية.
وبحسب المحللين، فقد كان هدف الهجوم تأسيس ولاية تابعة لتنظيم الدولة على الأراضي التونسية، خاصة أن غالبية المقاتلين هم من أبناء مدينة بن قردان، وهو ما يشكل خطرا على الانتقال الديمقراطي في تونس، هذا الانتقال غير مرحب به من قبل "التنظيمات الإرهابية"، كما تقول الصحيفة.